1.   أثار إعلان لجنة المتابعة العليا الإضراب الشامل في كافة البلدات العربية، أمس الأربعاء، انتقادات يمكن تقسيمها إلى نوعين: النقد الأول المبني على رفض الاستكانة وانعدام تطوير أدوات نضال العرب في البلاد، وأن وسائل النضال مثل الإضراب استنفدت نفسها وتعود بالضرر على المضربين أنفسهم. أما النقد الثاني، هو أقرب إلى نفسية 'الفلاس السياسي' (الفلاس وليس الإفلاس) وبأن 'ما باليد حيلة' وأن 'الإضراب لا ينفع بشيء'. أصحاب النقد الثاني هم ذاتهم أصحاب الإسطوانة ذاتها التي تتكرر كلما أعلنت 'المتابعة' الإضراب، لكن هذه المرة أخذت دعما من أوساط كانت تساند الإضراب في السابق لكنها 'سئمت' منه، على الرغم من أنهم لا يتذكرون متى شاركوا في مظاهرة أو نشاط نضالي. وإن سألتهم فذلك كان قبل اختراع 'فيسبوك' وحتى ما قبل قبل مظاهرات 'برافر'. هذا النقد يدعو إلى الاستكانة خلافا للأول الذي يدعو لعدم الاستكانة، بل الذهاب 'قدما' وإلى الأمام. الثاني يعكس نفسية 'مؤسرلة' بدأت تتغلغل حتى في أوساط 'وطنية'، فيما الأول هدفه نبيل وتساؤلاته صحية، لكن الاستنتاجات خاطئة وهو عدم الالتزام بالإضراب.

هدم في قلنسوة

نعم، الإضراب استنفد أدواته ولكن الحل ليس بعدم الالتزام به بل بتطويره في موازاة تطوير أدوات جديدة، منها مثلا تنظيم جولات لطلاب المدارس إلى أماكن الهدم وتعريف الطلاب على قضايا شعبهم بالميدان بشكل مباشر، أو مثلا أن تنظم المدارس حملات تضامن ويتبرع كل طالب بشيكل أو اثنين لأصحاب المنازل المهدمة. هذه المبادرات ليست بحاجة إلى 'المتابعة' بل بحاجة إلى لجان أولياء أمور طلاب. لا أكثر من ذلك.

الإضراب ليس هدفه إيصال رسالة للمؤسسة والشارع الإسرائيلي فقط، بل أيضا، وربما الأهم، خلق وعي جماعي وفردي وطني.

2.   وصلتنا في هيئة تحرير عرب 48 عشية الإضراب وخلاله بيانات من جهات تدعي أنها لجان أولياء أمور طلاب في بلدات عربية تدعو إلى عدم الالتزام بالإضراب. وبنظرنا هذه سابقة خطيرة تستدعي لجنة 'المتابعة' محاصرتها بشكل فوري.

فقد تبيّن لنا، أن هناك فوضى في لجان أولياء أمور الطلاب في المدارس العربية في الشهور الأخيرة، في أعقاب تجميد نشاط الاتحاد القطري للجان أولياء أمور الطلاب عمليا، بعد مبادرة رئيس 'المتابعة'، محمد بركة، توحيد الاتحاد مع تنظيمات أخرى تحت اتحاد شامل وجديد ترعاه 'المتابعة'. وهذه المبادرة ممتازة في حال طبقت، لكن يبدو أنها خلقت فراغا لأنها لم تطبق، إذ تعطل عمل الاتحاد القطري ولم يجر انتخاب رئيس له حتى اليوم، إثر استقالة رئيسه السابق بعد مبادرة 'المتابعة' وتمهيدا لتشكيل اتحاد شامل.

إن الفراغ الذي تركته 'المتابعة' دفعت أطرافا، دوافعها غير واضحة على أقل تقدير، لكي 'تسد فراغ' الاتحاد القطري وتدفع إلى عدم الالتزام الإضراب. نعم، نشاط هذه الأطراف ضئيل لكنه خطير جدا ولقي تعاونا من لجان في عدة بلدات العربية.

مسؤولية المتابعة ورئيسها معالجة هذه القضية بشكل فوري، لأن الاتحاد القطري مؤسسة وطنية هامة كان لها دورا محوريا في إلزام المدارس بالإضرابات.

3.   أصبحت لدينا 'رياضة وطنية' صحية بأن ننتقد قلة الإبداع في أساليب نضالنا. في بعض جوانبه هذا النقد صحيح، لكنه يجافي الحقيقة في جوانب أخرى. فمثلا، النضال من أجل إسقاط مخطط برافر كان نضالا مبدعا قادته مجموعة شباب من مختلف التيارات السياسية، واستطاعت بالمساهمة بشكل رئيسي بإفشال المخطط وطرح مخاطره على الرأي العام العربي في الداخل والخارج. وكذلك الحال مع الحراكات الداعمة لإضراب الأسرى عن الطعام، التي تمكنت من طرح القضايا محليا وإسرائيليا ودوليا، وقادها أيضا شباب لديهم حس المبادرة والإبداع.

هذان النموذجان لا يلغيان وسائل النضال 'التقليدية' مثل الإعلان عن الإضراب الشامل، بل بالعكس، يشكلان متمما له وشريان حياة. فاجتماعات لجنة المتابعة وقرارتها أصبحت 'روتينا هرما' بحاجة إلى ضخ طاقات شبابية لديها القدرة على العمل الميداني والظهور الإعلامي المحلي والدولي.

اقرأ/ي أيضًا | هدم المنازل العربية... أزمة سكن ونظام عنصري

وأخيرا، يطيب لكثير من 'منظري السياسة والإبداع النضالي' طرح تساؤلات عن جدوى قرارات الإضراب، وذلك في يوم الإضراب نفسه أو غداته، ومن ثم تغيب التساؤلات لتبدو كأن هدفهم 'المشاكسة' ولفت الانتباه والإحباط العام. سؤال تطوير أدوات النضال واجتراح أدوات جديدة ليس سؤالا موسميا، بل ننتظر من كل من لديه نقد وانتقادات على أساليب نضالنا الراهنة أن يكون مثابرا في طرحه ويجتهد في طرح المسألة دوما وتقديم بدائل قبل الإضراب المقبل.