اختلف رئيسا الموساد، الحالي يوسي كوهين والسابق تمير باردو، خلال مداخلتيهما في'مؤتمر مئير داغان للأمن والإستراتيجية'، في كلية نتانيا، حول تشخيص الخطر الإستراتيجي الذي يواجه إسرائيل، حيث يعتقد كوهين، الذي عين في فترة نتنياهو الحالية، أن  هذا الخطر يتجسد بـ"القنبلة النووية الإيرانية" بينما يرى باردو، الحائز على جائزة أمن إسرائيل ثلاث مرات، أن "القنبلة الديمغرافية" تشكل مصدر التهديد الوحيد لإسرائيل.

خلاف الرجلين هو عودة إلى نقاش إسرائيلي – إسرائيلي قديم، سبق وتخلل عملية أوسلو في بداياتها وشكل شقه المتعلق بالقنبلة الديمغرافية، مبررا للتيار الداعي للانفصال عن الفلسطينيين حفاظا على يهودية الدولة، وهو مبرر يعود إلى الحياة مع تهاوي حل الدولتين وارتفاع الأصوات المطالبة بضم الضفة الغربية.

وينطلق أصحاب هذا التوجه من حرصهم على المشروع الصهيوني، الذي تقف "دولة اليهود" في مركزه وتخوفهم من انزلاق إسرائيل إلى المزيد من ممارسات الفصل العنصري، التي تضعها نهاية في مصاف دولة الأبرتهايد، الأمر الذي سيؤلب العالم ضدها ويضطرها إلى تفكيك نظام الأبرتهايد، كما حدث مع جنوب أفريقيا.

الأصوات الإسرائيلية المذكورة تتزايد مع تعالي الأصوات الدولية التي باتت لا تخفي اتهامها لإسرائيل بإقامة نظام أبرتهايد، والتي كان أبرزها تقرير منظمة الاسكوا التابعة للأمم المتحدة.

التقرير المذكور، ورغم سحبه بضغط من إسرائيل والولايات المتحدة، إلا أنه شكل اتهاما صريحا مفاده أن  إسرائيل، بسياساتها وممارساتها، مذنبة بارتكاب جريمة الفصل العنصري (أبارتهايد) كما تعرفها صكوك القانون الدولي، استنادا إلى الاتفاقية الدولية لمناهضة الأبارتهايد، وإلى نظام روما الأساسي، المتعلق بالهيمنة العرقية. 

تخوف الأصوات المذكورة لا ينبع فقط من التخوف باتهام إسرائيل بالأبرتهايد وإنما من الإدراك بأن تفكيك الأبرتهايد الإسرائيلي، لاحقا، سيعني تفكيك الدولة اليهودية بصفتها دولة الفصل العنصري، وليس من المستغرب أن يحتل مبدأ الدولة  اليهودية كما يعبر عنه القانون الإسرائيلي وتصميم مؤسسات الدولة صدارة تقرير الإسكوا الذي أكد وجود، الغرض والمقصد للهيمنة العرقية، في أن النظام الإسرائيلي المصمم لهذا الغرض (الأبرتهايد) بشكل جليّ في مجموعة القوانين الإسرائيلية. 

تقرير الإسكوا أشار بشكل خاص إلى  سياسة الأراضي، حيث ينص قانون الأساس الإسرائيلي على عدم جواز نقل الأراضي، التي تحتفظ بها دولة إسرائيل أو هيئة التطوير الإسرائيلية أو الصندوق القومي اليهودي، بأي شكل من الاشكال. كما ينص كذلك قانون ممتلكات الدولة لعام 1951. 

وتطرق التقرير أيضا إلى الهندسة الديمغرافية، التي تخدم غرض الحفاظ على إسرائيل دولة يهودية، مشيرا بشكل خاص إلى قانون العودة الذي يمنح اليهود في جميع أنحاء العالم، حق دخول إسرائيل والحصول على الجنسية الإسرائيلية ، في حين يمنع الفلسطينيين من هذا الحق، ويشير كذلك إلى منح إسرائيل للمنظمة الصهيونية العالمية والوكالة اليهودية سلطة قانونية، لتيسير الهجرة إليها وخدمة مصالح المواطنين اليهود بشكل تفضيلي في شتى المجالات.

وعودة إلى تجدد النقاش الإسرائيلي الداخلي، المصحوب بدعوات الضم وسحب السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، فإنه نقاش حول ترتيب سلم الأولويات الإسرائيلي يدور بين من يحاولون الهروب إلى الأمام  ومن يعتقدون بضرورة التوقف عند الواقع الديمغرافي الذي يرسم صورة قاتمة لمستقبل إسرائيل كـ"دولة يهودية".

ويرى هؤلاء، كما يعبر عنهم رئيس الموساد السابق، أن على  دولة إسرائيل أن تختار بين المرغوب والمطلوب، بمعنى التوقف عن دفن الرأس في الرمل، ومواجهة الواقع الديموغرافي، كما يعتقدون بأن ضم الضفة الغربية أو أجزاء منها إلى إسرائيل، سيحول الصراع من صراع حدود يتعلق بأراض محتلة، إلى صراع وجود يطال طبيعة إسرائيل وماهيتها كدولة يهودية تمارس سياسة فصل عنصري، وهو بذلك سيستدعي شعار تفكيك الدولة اليهودية بصفتها دولة أبرتهايد.