في سياق تعليقٍ تزامن نشره مع اليوم العالمي لمكافحة العنصرية في 21 آذار/ مارس الحالي، اشتكى أحد كتاب المقالات الإسرائيليين من أن "الأيام الحالية ليست جيدة بتاتًا" للكفاح ضد العنصرية في العالم أجمع. ولدى تطرّقه إلى الوضع في دولة الاحتلال، أشار إلى أن العنصرية والتحريض عليها الآن هما بمثابة "بضاعة مُربحة" تمنح المتاجرين بها منافع سياسية وأيديولوجية كثيرة.

ويذكر أنه يُحتفل باليوم السالف، لأنه في مثله من عام 1960، أطلقت شرطة نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا الرصاص على مشتركين في مظاهرة سلمية في شاربفيل، ضد "قوانين المرور" المفروضة من النظام، فقتلت 69 شخصًا منهم. وعند إعلانها ذلك اليوم، عام 1966، دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة المجتمع الدولي إلى مضاعفة جهوده من أجل القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري.

بمتابعة التعليق نفسه، يكتشف القارئ أن شكوى الكاتب، وإنْ يُراد بها قول كلمة حقّ، تُعدّ نوعًا من منظومة أدوات متداولة تنطوي على مخاتلةٍ، تحاول أن تعيد سبب العنصرية الشاطّـة في دولة الاحتلال إلى "تلكؤ" المؤسسات الرسمية، وفي مقدمها وزارة التربية والتعليم، في مكافحتها. وثمّة أداة أخرى يمكن استنباطها، تتمثّـل بعزو العنصرية إلى "وضعية الانزياح العام نحو اليمين"، مؤكدة أن هذه الوضعية لا تنفك تغلب على إسرائيل حاليًا، وتزداد حدّتها من يوم إلى آخر، وتشكل أبرز مشاغل باحثين ومحللين كثيرين.

في واقع الأمر، يظلّ حصر تسويغ العنصرية في تخوم هذه الوضعية أقرب إلى التفسير التبسيطي الذي يتلهى عن الأسباب بالنتائج، كون ذلك يفارق العامل الأهم والأبعد مدى، وهو مبلغ انغراز العنصرية في عمق الذات لدى الأغلبية الساحقة من الرأي العام الإسرائيلي المؤدلجة بالفكر الصهيوني.

في مقابل ذلك، تبرز منظومة أدوات مغايرة لا تفارق ذلك العامل، وتُشرّح أصوله. فمثلًا، يجدر دائمًا التذكير بتنديد البروفسور شلومو ساند، أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة تل أبيب، في كتابه "كيف لم أعد يهوديًا؟" (2014)، بعنصرية إسرائيل اليهودية، وتوكيده أنه واع جيدًا لحقيقة كونه يعيش في واحد من أكثر المجتمعات عنصرية القائمة في "العالم الغربي" الذي تتباهى إسرائيل بالانتساب إليه. وفي الوقت عينه، رأى أن العنصرية موجودة في كل مكان تقريبًا، لكنها في إسرائيل حصرًا غدت بنيويةً بروح القوانين التي جرى ويجري سنّها، ونظرًا إلى أنها تُدرّس في جهاز التربية والتعليم، ومنتشرة في وسائل الإعلام. وبموجب قراءته، فالأمر المروّع أكثر من أي شيء أن العنصريين في إسرائيل لا يعرفون أنهم كذلك، ولا يشعرون أبدًا بوجوب الاعتذار.

كما يجدر استعادة محاججة عالمة الاجتماع، إيفا إيلوز، مع الذين يبرّرون العنصرية الإسرائيلية بالقول إن العرب أو الأتراك يتعرّضون أيضًا للتمييز العنصري في فرنسا أو ألمانيا، وإن إسرائيل ليست أسوأ من مثل تلك الدول. ووفقًا لها، تختلف العنصرية التي مصدرها السكان، من ناحية خطورتها، عن العنصرية التي مصدرها قوانين الدولة (أي البنيوية). لأنه عندما يوجد مثل هذا التناسب (بين السكان والدولة كما في حالة إسرائيل) يسهل تسويغ العنصرية. مع ذلك، ما يتعيّن الانتباه إليه هو أنه بعد مأسسة العنصرية والمصادقة عليها من جانب الكيان الأقوى (الدولة)، فإن القيم العامة ضد العنصرية تضعف كثيرًا. وبذا، بينما تبدو مناهضة العنصرية وحماية حقوق الإنسان في الدول الليبرالية مجرّد قيم أساسية مشتركة لليسار واليمين على حدّ سواء، فهي توسم في دولة الاحتلال باعتبارها "مواقف يسارية متطرّفة"!

وفيما يخصّ إحدى هذه القيم، المساواة، ما تزال في دولة الاحتلال نزعة متأصلة نحو التمسّك بالنظرية التي ترى أن "الغير" (غير اليهودي) أدنى. ولا شك في أن التصريحات التنميطية التي يُطلقها مصممو الرأي العام ذات تأثير كبير في تجذير العنصرية في دولة الاحتلال، لكن ليس مروّج العنصرية فقط مسؤول عن زرع بذورها، وإنما أيضًا يشاركه في المسؤولية كل أولئك الذين يُنكرون وجود العنصرية.

اقرأ/ي أيضًا | يمين مُعزّز بـ"يسار"