اعتقدنا دائما، وبحق، أن اليمين الصهيوني العلماني والديني هو "الأصدق" في التعبير عن الصهيونية وجوهرها الكولونيالي العنصري، لأنه يمثل الوجه العادي الخالي من مساحيق التجميل والتلطيف التي يستعملها حزب العمل، للتغطية على جرم الاحتلال والاستيطان وحرب الإبادة التي تشن ضد الشعب الفلسطيني.

ما كان حزب العمل ليقدم لنا هدية على شاكلة الاحتفال الذي تنظمه وزارة ثقافة حكومة اليمين، تحت عنوان "اليوبيل الذهبي لتحرير يهودا والسامرة والغور والجولان" في مستوطنة "غوش عتصيون"، ولا كان ليسمح بأن تظهر وزيرة الثقافة في حكومته وهي تقول بلغة عبرية تزيدها "اللكنة" العربية وضوحا "عدنا إلى الأجزاء التاريخية من البلاد عدنا إلى أريحا والخليل"، وهو تسجيل تحفظت حتى إذاعة الجيش الإسرائيلي (الرسمية) من بثه، لأنه يتنافى مع الخط الدعائي الإسرائيلي المؤسساتي الذي يرفض هكذا صراحة وفظاظة، لأنها تثير الرأي العام الدولي دون طائل.

لهذا السبب أيضا سحب الجهاز القضائي مشاركة مندوبه، القاضي تسفي هندل، في الاحتفال، بعد أن أدرك أنه "احتفال سياسي (فئوي) يسعى لتوظيف حدث تاريخي ومشروع إجماعي صهيوني لصالح معسكر معين هو معسكر اليمين، كما أن رئيسة العليا وجدت ضرورة بأن توضح للنائب عن ميرتس، عيسوي فريج، أن قرار سحب المشاركة سبق توجهه إليها وليس له علاقة بهذا التوجه، وذلك بعد وصول الدعوة التفصيلية وانكشاف الصبغة السياسية (الفئوية) للاحتفال، وقد صدقت وزيرة القضاء أييليت شاكيد، عندما قالت معقبة وهي تزور إحدى المحاكم في مستوطنة أريئل، إن القضاء الإسرائيلي جزء من الاستيطان.

السبب ذاته قد يكون وراء عدم مشاركة ريفلين، الذي يمكث خارج البلاد، والمعروف بعدم مقاطعته للنشاطات التي تجري في المستوطنات، بل إنه كان قد شارك الأسبوع الماضي في احتفال "تحرير الخليل"، الذي نظمه مستوطنو "كريات أربع".

مختصر الكلام أن المعارضات المختلفة للاحتفال لا يحركها الاعتراض على مضمون الحدث المتمثل بتمجيد احتلال أراضي الغير بالقوة، وفرض السيطرة عليها واستيطان أجزاء واسعة منها بعد اقتلاع سكانها الأصليين، لا اعتراض إسرائيلي على اعتبار احتلال الضفة الغربية والجولان عملية تحرير لأراض من البلاد وعودة إلى أريحا والخليل، ولا اعترض على عمليات الاستيطان ولا على المستوطنات "القانونية" وغير القانونية من وجهة نظر إسرائيل، والتي هي مواضيع تحظى اليوم بأكبر اجماع صهيوني رسمي وشعبي، في حين أن الاعتراض على محاولة احتكار هذه المنجزات "الوطنية" وتوظيفها لصالح تيار معين ومعسكر، سيتبين أن دوره ومساهمته هي أقل من التيار والمعسكر الذي يجري استثناؤه، كما يستدل من مقال رئيس حكومة إسرائيل الأسبق، وأحد جنرالاتها، إيهود براك.

براك احتج في مقال نشرته "هآرتس" اليوم على محاولة الليكود واليمين توظيف الإنجازات الصهيونية، المتمثلة بالاحتلال والاستيطان لصالحهما وإغماط دور حزب العمل ودور جنرالاته، أمثال يتسحاق رابين وحاييم بار ليف وموطي غور وآخرين، في بناء الجيش الإسرائيلي وقيادة "معركة تحرير" أجزاء البلاد" تلك، وهندسة وقيادة مشروع الاستيطان لعقد من الزمن.

ويستذكر براك بطولات وأبطال حزب العمل، الذين يتم تغييبهم عن احتفال اليوبيل لـ" تحرير يهودا والسامرة والغور والجولان"، والتي يصفها بأنها مهد ميلاد "الأمة اليهودية"، مشيرا إلى أنه كان من الحري أن يصعد إلى تلك المنصة الجنرال العاد بيلد، الذي "حرر" كل منطقة "السامرة"، أو داليا رابين، ابنة قائد أركان "الانتصار" و"مهندس السلام" يتسحاق رابين..، أو يتسحاق هرتسوغ، رئيس المعارضة ونجل رئيس الاستخبارات العسكرية "أمان" خلال الحرب، والحاكم العسكري الأول لـ"القدس الموحدة"، ورئيس إسرائيل الأسبق حاييم هرتسوغ، او ابنة الجنرال دافيد ألعزار، الذي طالب منذ اليوم الأول وقاد في اليوم الرابع للحرب عملية احتلال الجولان.

اقرأ/ي أيضًا | مسدسان وبندقية حصيلة حملة جمع السلاح من العرب

ويمتنع براك، تواضعا، عن الإشارة إلى "بطولاته" العسكرية من حملات واغتيالات امتدت من غسان كنفاني إلى أبو جهاد، ولكنه يدرك أن الإسرائيليين على قدر من الذكاء بحيث يفهمون الرسالة، بأن هناك من يعمل ويقاتل فعلا وهناك من يطلق الرصاص في الهواء، وهذا هو الفرق بين العمل والليكود.