كعادتها انتهت مؤتمرات "العرب" و"المسلمين" المرتبطة بإعلان ترامب القدس عاصمة لإسرائيل، أيضا، بخيبات أمل جديدة تضاف إلى سابقاتها، لأنها لم ترتق مرة أخرى إلى الحد الأدنى من الأمل المعقود عليها، في قضية تمس العصب الأساس وقدس الأقداس وقبلة الأمة العربية والإسلامية الأولى، ألا وهي القدس الشريف.

لقد اعتقد البعض أن "القصبات العربية"، التي تحدث عنها مظفر النواب، قد آن لها أن تتحرك بعد أن شطب إعلان ترامب بجرة قلم علاقة العرب والمسلمين بالمكان الذي شهد مسرى محمد وعهدة عمر وفتح صلاح الدين وعمران العثمانيين، وما زالت ترتفع من مآذنه وكنائسه صلوات الفلسطينيين وتحتضن صمودهم.

إلا أن غياب "العرب" الذي بدا واضحا في القمة الإسلامية الطارئة التي عقدت في إسطنبول، كان على ما يبدو، استمرارا لغيابهم عن المشهد السياسي للمنطقة، الذي باتت تملأه بشكل كامل ثلاث دول إقليمية كبرى هي إسرائيل وإيران وتركيا.

ومن المفارقة أن تركيا التي دعت للقمة واستضافتها على أرض عاصمة الخلافة السابقة "إسطنبول"، باتت، بعد تحييد مصر والسعودية، تحتل بـ"جدارة" صدارة "المحور السني"، ذاته، الذي أختلقته ورسخته السعودية في محاولة لحرف الصراع في المنطقة من صراع عربي إسلامي - إسرائيلي، إلى صراع سني - شيعي بغية إيجاد غطاء ديني لإستعدائها غير المبرر لإيران و"تحالفها" المفترض مع إسرائيل، فيما تحتل إيران صدارة المحور الشيعي المزعوم وتستغل الدولتان الغياب العربي للتمدد في المنطقة، وسد بعض الفراغ الذي يخلفه العجز العربي في محاصرة تعاظم نفوذ إسرائيل ومنع قيامها باحتكار ناصية القوة، وليس من قبيل الصدفة والحال كذلك أن تحتل "الصديقتان اللدودتان" منصة المؤتمر الإسلامي حول القدس التي غاب عنها العرب.

أما إسرائيل التي يفترض أنها العدو التاريخي للعرب والتي تغتصب أرضهم وتستبيح مقدساتهم، فقد تحولت بقدرة قادر من عدو لدود إلى صديق ودود، بعد أن احتلت ايران مكانها في رأس معسكر الأعداء وصار يسوغ للتحاف معها في وجه ما يسمى بالخطر النووي الإيراني، الذي لا يروج له سوى من قبل ترامب وإسرائيل والمحور العربي الذي تقوده السعودية.

لقد جاء إعلان ترامب ليضع الموقف العربي الرسمي في الامتحان، وكان بمثابة فرصة لتصويب البوصلة نحو القدس، إلا أن "العرب"، أصروا كما ما يبو، على عدم التزحزح عن الاصطفاف إلى جانب نتنياهو وترامب في مواجهة إيران، على الإصطفاف إلى جانب القدس وضد ترامب ونتنياهو، والدليل أن القمة الإسلامية التي انعقدت في تركيا ذاتها، العام الماضي، وتمحورت حول موضوع التدخلات الإيرانية في شؤون الدول المجاورة حضرها نحو 30 رئيس دولة وحكومة، على رأسهم الملك سلمان، الذي توسط الصورة الخاصة بالزعماء المشاركين في تلك القمة قرب إردوغان، بينما حضر قمة القدس 16 رئيس دولة وحكومة فقط، وغاب عنها العاهل السعودي والرئيس المصري وملك المغرب وغيرهم من القادة العرب.

واللافت أن القمة الإسلامية - الأميركية التي عُقدت بالرياض، في 22 أيار/ مايو 2017، بغية التحشيد ضد إيران، قد حضرها إضافة للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، 37 من قادة الدول العربية والإسلامية، و5 رؤساء حكومات وولاة عهد، و13 وزيرًا ومسؤولاً ممثِّلين عن دولهم.

اقرأ/ي أيضًا | القدس... في السّياق السياسي العربي الراهن

المفاضلة بين القمة المؤيدة للقدس والمناهضة لترامب وبين القمة المؤيدة لترامب ترجح بوضوح لصالح قمة ترامب التي حضرها أكثر من ضعف رؤساء الدول والحكومات التي حضروا قمة القدس، ناهيك عن حضور قادة الدول العربية الرئيسية مثل السعودية ومصر، والنتيجة أن "النظام العربي والإسلامي" الرسمي برؤسائه وملوكه ومشايخه، مع ترامب وليس مع القدس، وأن المؤتمرات والبيانات والاستنكارات التي لا تسمن ولا تغني من جوع هي ضحك على ذقون الأمة.