تحمل مصادقة المجلس المركزي لحزب الليكود الحاكم في إسرائيل، مطلع الأسبوع الحالي، على "ضم الضفة الغربية"، عدة رسائل موجهة إلى الفلسطينيين والعالم، ويمكن اعتبار قرار الليكود أنه مؤشر على توجهات إسرائيل في المستقبل، بكل ما يتعلق بتعاملها مع الفلسطينيين ومع الموقف الدولي من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.

وقد سبق قرار الليكود هذا، رفض 128 دولة، بينها الدول الأوروبية المركزية وروسيا والصين، لإعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عن القدس عاصمة لإسرائيل. وفي المقابل، فإن 65 دولة لم ترفض قرار ترامب، بينها 9 دول عارضت قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل و56 دولة إما امتنع مندوبوها عن التصويت أو أنهم لم يحضروا الجلسة. واعتبرت إسرائيل أن هذه النتيجة "كسرت الأغلبية الأوتوماتيكية" ضدها في الأمم المتحدة، بينما دعت المندوبة الأميركية، نيكي هايلي، الدول التي امتنعت وصوتت ضد القرار الأممي إلى مأدبة عشاء.

ورغم الابتهاج الإسرائيلي بنتيجة التصويت في الجمعية العامة، إلا أن إسرائيل لا تأبه، في غالب الأحيان، بالقرارات الصادرة عن الأمم المتحدة ضد سياساتها وممارساتها. وغالبا ما يكون رد فعلها بمهاجمة الأمم المتحدة، التي وصفها رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، مؤخرا بـ"بيت الأكاذيب". ولا تأبه إسرائيل بالقرارات الدولية ضدها لأنها لا تؤثر عليها بأي شكل تقريبا، وعلاقاتها مع دول العالم المركزية مستمرة، وأحيانا تتوطد. وحتى عندما تحدث أزمة بين حكومة إسرائيل وحكومة إحدى الدول المركزية في العالم، فإن العلاقات بينهما تستمر بمعزل عن الأزمة الدبلوماسية، التي سرعان ما يتم حلها. والأهم من ذلك هو عدم تأثر علاقات إسرائيل الأمنية والعسكرية، بل أن صادراتها العسكرية والتكنولوجية الأمنية تزداد.

لذلك، قرار الليكود ليس مفاجئا، في الأجواء السياسية اليمينية التي يتصاعد تطرفها باستمرار. ويجب ألا يُفاجأ أحدا من احتمال سن قانون يقضي بضم مزيد من الأراضي المحتلة عام 1967 لإسرائيل. والحديث يدور عن ضم المنطقة "ج" في الضفة الغربية، التي تشكل مساحتها أكثر من 60% من مساحة الضفة الغربية. وطريقة الضم تجري من خلال فرض القوانين الإسرائيلية على هذه المنطقة والإعلان أنها تقع تحت "السيادة الإسرائيلية".

ويستخدم اليمين الإسرائيلي وترامب الذريعة نفسها بهذا الخصوص. ويقول الجانبان إن ملامح حل الصراع لم تتغير منذ الحديث عن حل الدولتين قبل عقود ومنذ توقيع اتفاق أوسلو قبل 25 عاما، لكن شيئا لم يتغير، بنظرهم، علما أن إسرائيل زرعت الضفة بالمستوطنات والبؤر الاستيطانية. واعتبر ترامب أن اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل "سيدفع السلام"، بينما زعم اليمين الإسرائيلي، بحسب رئيس حزب "البيت اليهودي" الوزير نفتالي بينيت، أن فرض "السيادة الإسرائيلية" على المنطقة "ج" هي خطوة هامة في ظل الجمود السياسي بين إسرائيل والفلسطينيين، وأن هذه خطوة تصب في مصلحة "المشكلة الديمغرافية"، إذ أن المنطقة "ج" تضم معظم المستوطنات ويوجد فيها عدد قليل من الفلسطينيين، الذين ستخيّرهم إسرائيل بين الحصول على الجنسية الإسرائيلية أو على مكانة "مقيم"، بحسب بينيت أيضا.

وتنقسم الرسائل التي يوجهها المجلس المركزي لحزب الليكود إلى قسمين، رسائل إلى الداخل وأخرى إلى الخارج. وتقول الرسالة الأولى إلى الداخل، بشكل صريح، أن على الليكود سن قانون "ضم الضفة" أو تأييد قانون كهذا في حال طرحه على الكنيست. وتؤكد الرسالة الثانية إلى الداخل على رفض الليكود لأية تسوية تؤدي إلى قيام دولة فلسطينية، وأن هذا الحزب لا يرى رفضا إسرائيليا جارفا لـ"ضم الضفة".

وثمة رسالة ثالثة يوجهها المجلس المركزي لليكود إلى الإسرائيليين، وتتعلق بالانتخابات العامة المقبلة التي باتت في نطاق المستقبل المنظور. ويسعى الليكود من وراء هذه الرسالة إلى التشديد على أنه حزب يميني متمسك "بأرض إسرائيل" وليس بإسرائيل داخل الخط الأخضر فقط، وأن إسرائيل بقيادة الليكود ستواصل توسيع المشروع الاستيطاني. إضافة إلى ذلك، يوحي الليكود بقراره هذا بأن الحزب يحافظ على مبادئه السياسية، ويسعى إلى تطبيقها كحزب كبير حاكم، وأن شبهات الفساد التي التصقت بزعيم الحزب نتنياهو وعدد من المحيطين به لم تحيد الحزب عن مبادئه السياسية والأيديولوجية اليمينية.

وينبغي الإشارة هنا إلى أن تحركات الناخبين الإسرائيليين تجري بين الأحزاب داخل المعسكر نفسه، بمعنى أن الناخب اليميني قد يصوت لليكود تارة ولحزب "البيت اليهودي" تارة أخرى، أي لحزب داخل معسكر أحزاب اليمين، ولن ينتقل للتصويت لحزب في معسكر أحزاب الوسط – يسار.

أما الرسائل إلى الخارج، فأولها موجه إلى ما يسمى "المجتمع الدولي"، أي الدول الـ128 التي صوتت ضد قرار ترامب في الجمعية العامة، وفي مقدمتها دول الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين، ومفاد هذه الرسالة أن إسرائيل لن تستجيب لمطالبها بالتوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين. ولعل حزب الليكود يعتقد أنه مثلما أيد ترامب "ضم القدس" لإسرائيل باعترافه أنها عاصمة إسرائيل، فإنه يتوقع أن تعترف الولايات المتحدة بـ"ضم" معظم الضفة الغربية.

والرسالة الأخرى إلى الخارج موجهة إلى الفلسطينيين، وتقول إن إسرائيل ترفض التسوية وقيام دولة فلسطينية، وأن الفلسطينيين سيبقون تحت سيطرة/احتلال إسرائيل، إذ أن ما تبقى من الضفة بعد "ضم" المناطق "ج" لإسرائيل، لا يمكن إقامة دولة فلسطينية فيه. وهذا ليس مفاجئا أيضا، إذ أن إسرائيل، وليس اليمين فيها فقط، يرفض "نشوء دولة أخرى بين النهر والبحر"، مثلما صرح كثيرون من قادة أحزابها. كما أن الخطاب الإسرائيلي يتحدث عن منح الفلسطينيين حكما ذاتيا في أفضل الأحوال.

إزاء هذا الحال، لا يوجد حلول سحرية وآنية تقلب هذا الحال وتمكن الفلسطينيين من تحقيق تطلعاتهم بالاستقلال، أو حتى بالعيش داخل نظام هو ليس نظام تفرقة عنصرية بشعة وأكثر شراسة وعدوانية من نظام الأبرتهايد في جنوب أفريقيا. ويعني ذلك أن على الفلسطينيين إعادة النظر في سياستهم وأدائهم، ليس تجاه إسرائيل وحسب وإنما تجاه العالم أيضا، من منظار عصري.