نجاح مسيرة العودة الـ21 على أرض قرية عتليت المهجرة بتنظيمها ومشاركة عشرات الآلاف فيها لفت انتباه الكثيرين، ليطرح السؤال الأهم حول إطار النشاط السياسي والسلوك العام لفلسطينيي الداخل وقيادتهم، وهو لماذا تستطيع لجنة صغيرة مثل لجنة الدفاع عن حقوق المهجرين، بإمكانياتها المتواضعة وعدم توفر المقدرات البشرية والميزانيات بحوزتها، والتي لا تصل إلى 1% مما تملكه الأحزاب والحركات السياسية من موارد مالية وبشرية، في هذا التجنيد والتحشيد والتنظيم وإنجاح هذا النشاط السنوي؟

في المقابل، لا تنجح الأحزاب العربية في الداخل في تنظيم مظاهرات كمسيرة العودة، بمشاركة آلاف المواطنين، في حين أن لدى هذه الأحزاب "نخبة من القيادات التاريخية المتمرسة" وميزانيات كبيرة وجيوشا من الأعضاء والأنصار والكوادر الحزبية والنوادي والجمعيات الأهلية، التي من شأنها أن توظف طاقاتها ومواردها للتجنيد والتحشيد لإنجاح أي عمل سياسي وطني، مهما يكن عنوانه، تحت مظلتها "كمرجعية وطنية".

لا شك أن السلوك والنشاطات السياسية العامة لقيادات الداخل، التي تقودها القائمة المشتركة ولجنة المتابعة العليا مؤخرا، يسجل الفشل تلو الفشل وخيبات أمل متراكمة، والتي إذا ما استمرت ستقود إلى مطبات أخرى، بل إلى مطبات أعمق وأوسع. وهذا الحال سيقود حتما، إذا ما استمر، إلى سقوط نوعي وتآكل دور القائمة المشتركة والمتابعة ومجمل العمل السياسي ومكانة عرب الداخل وكذلك اللجنة القطرية للرؤساء، دون رجعة.

والأنكى من ذلك أن هذه الإخفاقات المريبة للقوى السياسية، التي تجلت في العلاقات المتوترة بين اللاعبين في ملعب الأجندة الفئوية والشخصية مؤخرا، والتي برزت أكثر في مسيرة سخنين وإحياء ذكرى يوم الأرض وهبة القدس والأقصى والنشاطات التضامنية مع الاسرى وقضية التناوب، حيث تراجعت المشاركة الجماهيرية في مثل هذه النشاطات والأحداث التاريخية، إلى جانب الصدام الذي حدث بين المؤيدين والمعارضين للنظام السوري ورفع الأعلام، وفضيحة الخلاف على كلمة الأسرى في المهرجان المركزي ليوم الأرض بمدينة عرابة، كل هذا هو مؤشر خطير يهدد العمل الوطني الجمعي وانعدام الثقة أكثر وأكثر بهذه القيادة. ليس هذا وحسب، بل أن أي فشل وإخفاق بهذا الصدد ترافقها كل مرة تعليلات وتحليلات وتسويغات تبريرية هي أخطر من الفشل نفسه.

يجب أن تقود حقيقة هذه الإخفاقات المريعة إلى وقفة للمراجعة النقدية الجريئة والمسؤولة لاستكشاف مواطن الضعف والاعتراف بالقصور الذاتي وتحمل المسؤوليات، وإذا توفرت الجرأة لإعلان الاستقالات والتقاعد وفتح المجال أمام المهارات والمواهب القيادية من جيل الشباب ومن ذوي المواصفات والمكونات القيادية القادرة على التجديد والإبداع وابتكار آليات وأدوات تنسجم مع التحديات السياسية والاجتماعية والثقافية المتزايدة. وهذا ليس لأن غالبية القيادات هرمت سنا، وقد يكون بعضها لا زال فتيا، وإنما لأنها هرمت ذهنيا ونفسيا وحان الوقت لأن تقتنع بأن أنماط هذا السلوك وهذا الخطاب لم يعد يصلح لشعب حضاري مكافح تمرس في ساحات المواجهة بتجربة نضالية وفكرية وتنظيمية طويلة ولم يعد ليقبل بهذه الهشاشة وهذه المهزلة، بعد أن كشفت مسيرة العودة مكمن الخلل وهشاشة الأداء من دون لبس.