هل ستدفع إسرائيل، في غزة، ثمن تعنتها تجاه الفلسطينيين؟ فهي ترفض التوصل إلى تسوية سلمية مع الفلسطينيين، ومن أجل ذلك تسعى إلى ترسيخ الانقسام بين الضفة وغزة. وفي هذا السياق، لا سياسة إسرائيلية واضحة تجاه قطاع غزة سوى مواصلة حصاره والتسبب بأزمات أوصلت القطاع إلى حد كارثة إنسانية هائلة. ولا ملاذ لأهل القطاع يلجأون إليه، كغيرهم من سكان البلدان التي تتعرض لحروب. من الطبيعي أن يفر السكان وينزحون من موطنهم إلى مكان آخر هربا من الحرب وويلاتها. لكن حتى مصيبة النزوح واللجوء ليست متوفرة لدى سكان القطاع.

المعادون والمتآمرون على غزة كُثر: أِشقاء وإخوة ومن أقوام مختلفة. جميعهم يتسببون باستفحال الكارثة الإنسانية في القطاع. ظهر قطاع غزة نحو الحائط، وحالتهم في الحضيض. بل من حضيض إلى حضيض. لا ماء ولا كهرباء ولا دواء، البطالة مستفحلة... إلخ. حجم الكارثة معروف، ولا حاجة للإمعان في الأوصاف. الإسرائيلي يعرف حجم الكارثة في غزة، وهو صريح أكثر من غيره من المعادين لغزة، من أشقاء وإخوة خصوصا، ويقول إنه ليس لدى الغزيين ما يخسرونه.

بعد إعلان الفصائل في غزة، حماس والجهاد الإسلامي، مساء أمس، عن قبولهم لوقف إطلاق نار وتهدئة، أقدمت إسرائيل على قصف موقع في القطاع. ثم أرسل غزيون بالونات حارقة أشعلت النيران في حقول إسرائيلية. وربما هذه البالونات تعبر عن الوضع في القطاع، فالمأساة فيه تنتفخ وتنتفخ ومصيرها أن تنفجر في النهاية. ورغم أن هذه الحرائق أزعجت الحكومة الإسرائيلية، بسبب ضغوط مارسها سكان البلدات المحاذية للسياج المحيط بالقطاع، إلا أن الحكومة الإسرائيلية ترفض التوصل إلى تسوية لوقف أنشطة الغزيين المحاصرين.

الوضع اليوم هو أنه لا يوجد وقف إطلاق رسمي بين غزة وإسرائيل، باتفاق أو بغير اتفاق. في الماضي، كان يتم التوصل لوقف إطلاق نار بعد أن تقدم إسرائيل شيئا مما سلبته من حياة الغزيين. اليوم لم تقدم شيئا. بل لا تنوي تقديم شيء. تريد العودة إلى معادلتها الممجوجة: "الهدوء مقابل الهدوء". ويبدو أن مثل هذا الهدوء هو احتمال غير واقعي. قد يسود هدوء لفترة ما، قصيرة على الأغلب، لكنه لن يدوم في ظل ظروف القطاع الحالية.

لقد أدخلت إسرائيل، إذا كانت تريد الهدوء أصلا، نفسها في ورطة. فهي تزعم أنها تحارب حماس والجهاد الإسلامي وغيرهما، لكنها في الحقيقة وعلى أرض الواقع لا تحارب إلا المواطن الغزي، الذي يتوق إلى الحياة، ويتوق للحصول على الماء النظيف ليرتوي منه، وعلى الكهرباء لتضيء عتمته وتشغل الأجهزة الطبية في المستشفيات خصوصا، وعلى الدواء ليعالجه. هل يعقل أن يخضع مريض لعملية جراحية تحت تخدير مخفف بسبب النقص الحاد في المواد المخدرة، مثلما يحدث في قطاع غزة؟ هل بإمكان الإسرائيلي، أو حتى بدوي في الصحراء معتاد على العيش الشاق، أن يتصور حياة كالتي يعيشها الغزيّ؟

الأوضاع في قطاع غزة كارثية منذ 11 عاما. منذ أن فرضت إسرائيل حصارها. وهي تزداد سوءا. ولا ضوء في نهاية نفق هذا الحصار. فحاول الغزيون حفر الأنفاق، من أجل تهريب البضائع المدنية من كافة الأنواع، وليس الأسلحة فقط. فحاربت إسرائيل وحليفاتها، من الإخوة، هذه الأنفاق ودمرتها.

نكبت إسرائيل أهل غزة بهذه المآسي الإنسانية بادعاءات أمنية. لكن من شدة هذيانها بالأمن، باتت إسرائيل بدون أمن. ورغم أن صورة الوضع الآن ليست واضحة، إلا أنه حتى لو تم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار، فإن إسرائيل ما زالت ترفض التوصل إلى حل، ويبدو أن النيران، الصاروخية والبالونية، ستعود ولن تتوقف إلا بحل يلبي مصالح الغزيين بالحياة أيضا.