يعتبر أحمد سعيد، المذيع في "صوت العرب" من القاهرة حتى العام 1967، من أشهر المذيعين العرب حتى يومنا هذا، إذ لم يحقق أحد ما حققه من شهرة إذاعية، وقد ساعده في ذلك أن الإذاعة من خلال الراديو كانت وسيلة الإعلام الأقوى لأن هذا كان قبل التلفزيون.

كان وطنيًا مصريًا عروبيًا صادقًا، اشترك بالعمل الفدائي في قناة السويس قبيل ثورة تموز/ يوليو المصرية. حتى أن بعض الحكومات طالبت بإسكاته، مثل حكومة بريطانيا، إذ كان يحرض ضد الاستعمار ويحث على قتل البريطانيين في عدن خلال حرب اليمن، ومع اقتراب حرب حزيران/ يونيو 1967 وتسخين الجبهات أصبح دوره أكثر أهمية.   

اشتهر أحمد سعيد بقوة أدائه وبتعابيره المنتقاة التي ذهبت مثلا فيما بعد، حيث كان يعبّر عن لسان حال العرب واقتراب تحرير فلسطين وطرد اليهود منها.

عمل أحمد سعيد في إذاعة صوت العرب من القاهرة منذ العام 1953 حتى أيلول/ سبتمبر عام 1967، أي حتى بعد الهزيمة بأشهر قليلة حيث قدم استقالته. كان صوته وتعليقاته أحد رموز صوت العرب، فقد اشتهرت كلماته قبيل الحرب، مثل "سنلقيهم في البحر"، التي كان أحمد الشقيري، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية الأول، أطلقها من غزة قبيل حزيران.

ويرى المراقبون والباحثون أن كلمات أحمد سعيد وخطبه وشعاراته كانت مادة جيدة جدًا استغلها الإعلام الصهيوني بأخذها على محمل الجد ونقلها لشعب إسرائيل لتوحيده ورفع همته للقتال لأن تهديدات أحمد سعيد كانت تحكي عن إلقائهم في البحر، كذلك استغلت لدى الأوروبيين لكسب تعاطفهم، فها هم العرب يريدون إلقاء اليهود في البحر، اليهود المساكين الذين ما زالوا يعيشون تحت وطأة المحرقة في الحرب العالمية الثانية.

بدأ أحد سعيد عمله في إذاعة القاهرة منذ عهد الملك فاروق عام 1951 وقدم أول برنامج سياسي حول معاهدة 1936 تحت عنوان تسقط معاهدة 1936. وكانت هذه المعاهدة وقعت في لندن بين بريطانيا وممثلين عن مصر بعد وفاة الملك فؤاد وتسلم ابنه فاروق الحكم، وبما أن فاروق لم يبلغ سوى السادسة عشرة في حينه، فقد نصت الاتفاقية على وصاية بريطانية تضمن لها مصالحها وبقاء عدد من قواتها وتمنح حرية الملاحة الجوية في سماء مصر، ولها حق السيطرة الكامل في السودان وغيرها من المصالح البريطانية التي تمس بالسيادة المصرية.       

شارك في العمل الفدائي بقناة السويس في 25 كانون الثاني/ يناير 1952، أمسك بالميكروفون، وتحدث بصوته من القناة عن العمليات الفدائية ضد الإنجليز.

بعد حريق القاهرة الشهير في 26 كانون الثاني 1952، أُبعد عن العمل بالإذاعة، مع مجموعة من الإذاعيين حتى أيار/ مايو 1952، بعد اتهامه بأنه أحد الذين أثاروا الجماهير، فقد كانت الرسائل الإذاعية التي يبثها من القناة تثير الجماهير ضد الاحتلال وضد الملك.

التقى سعيد بالرئيس جمال عبد الناصر عشرات المرات، منها مرتان قبل الثورة، ولم يتحدث إليه، وكان أول لقاء معه بعد الثورة قبل بث صوت العرب سنة 1953، كان عبد الناصر وقتها مدير مكتب اللواء محمد نجيب.

هناك لقاء لا ينساه أحمد سعيد مع جمال عبد الناصر، استمر ثلاث ساعات متواصلة، وكان ذلك بعد واقعة إذاعة برنامج كان يقدمه باسم "خطأ" أثار حفيظة بريطانيا، لأنه تحدث عن البترول العربي الذي تسرقه بريطانيا من الخليج.

وجاءت إذاعة هذا البرنامج في الوقت الذي بدأت فيه مصر بتخفيف الحملة ضد بريطانيا، بعد توقيع اتفاقية الجلاء سنة 1954.

مقولته الإذاعية التي اشتهرت في حزيران 1967 "هنيئًا لك يا سمك"، وذلك أنه كان يتحدث عن طرد الإسرائيليين من فلسطين وأنهم سيركبون البحر هاربين.

في ذروة شهرته، طالبت بريطانيا جمال عبد الناصر بإلغاء مشاركته في وفد للقاء مجلس العموم البريطاني عام 1965، وذلك لأنه كان يدعو لقتل الجنود البريطانيين في عدن خلال حرب اليمن. ولكن عبد الناصر رفض هذا الطلب وكادت الزيارة تلغى إذ أصر عبد الناصر على مشاركته مع الوفد المصري.

في لقاء أجرته معه مجلة الوسط في آذار/ مارس 2001، يقول أحمد سعيد حول حرب حزيران "عقد اجتماع في القيادة يوم السبت 3 حزيران/ يونيو 1967 مع الرئيس عبدالناصر بناء على المعلومات التي توافرت له من مصادر أكدت أن إسرائيل أعلنت التعبئة ومعنى هذا أنها ستقوم بهجوم وهذا يعني خطة مضادة، الغريب والمدهش أنه في 5 حزيران/ يونيو كان المشير عامر يستقبل وفدًا عسكريًا عراقيًا، وكان الجميع في حالة استرخاء إلى درجة أن المشير اصطحبهم في طائرة في أجواء سيناء ووقع العدوان الجوي والمشير في الجو في سيناء ووجد صعوبة في الهبوط في أي مطار لأن غالبية المطارات ضُربت".

وعلى سؤال إذا كان المشير عبد الحكيم عامر لا يعلم بالحرب عندما بدأت غارات طائرات إسرائيل قال "نعم لم يكن يعلم. وإلا ما ذهب بطائرة لتشريفة في سماء سيناء، وعادة عندما تكون طائرة المشير في الجو يعطلون كل الأجهزة الدفاعية الأرضية سواء بطاريات صواريخ أو دفاع جوي تعليمات بعدم الضرب. القصف الجوي الإسرائيلي كان يتم في الوقت الذي كانت قواعد الصواريخ المصرية مشلولة ولديها تعليمات بعدم الضرب".

اقرأ/ي أيضًا | الهزيمة ليست عسكرية فقط: إعلام النكسة