أربعة عقود خلت، تحمل معاني ودلالات كبرى كمحطة فارقة في وجدان ووعي عرب الداخل الذين عاشوا أحداث يوم الأرض في الثلاثين من آذار عام 1976، يوم أن هبت جماهير الداخل الفلسطيني، لأول مرة، منذ النكبة لتقول لا... 

قالوا بصرخة واحدة وإرادة جامعة وموحدة، نحن أبناء الأرض 'والموت ولا المذلة'، عبارات ترددت ولا زالت تتوارد في ذهن وضمير من عايش خكاية الأرض ويعتبرها صفحة مشرفة في تاريخ الوجود الفلسطيني ومواجهة القهر والسلب الذي تعرض له فلسطينيو الداخل، ولا زالت الرواية الشفوية ترددها ألسن من أحداث يوم الأرض الخالد 30 آذار عام 1976.

رسالة

جريح يوم الأرض، صبحي الجابر بدارنة، من مدينة سخنين في أواخر الستينات من العمر، فقد ساقه برصاص الجيش الذي داهم سخنين في الثلاثين آذار من العام 1976 يؤكد لـ'عرب 48' فخره واعتزازه بنفسه وبالجيل الذي صنع يوم الأرض.

وأكد لنا أهمية الاستمرار بنقل الرواية لذاكرة الأجيال، بصفتها بطولة أوصلت رسالة البقاء وحق وأصلانية الوجود على هذه الأرض.

وأضاف: 'إن عمري مثمر بعمر تاريخ يوم الأرض الأول، صحيح أن الجرح بالغ ورغم أنني فقدت عضوا من جسدي إلا أنه لم يذهب هدرا، يكغب أننا حافظنا على أرضنا وكرامتنا وحسنا الوطني ولا نمن على أحد بهذا، هذا هو الواجب. الصورة العامة جيدة وهناك وعي متزايد لدى جيل الشباب، ولكن نحتاج إلى أكثر من ذلك بكثير وعلينا الحفاظ على الإنجازات والتفكير بكيفية تطويرها والنظر للمستقبل. لا أبالغ بالقول أن الشرطة امتنعت من دخول البلدات العربية بسبب وحدة الناس ووقفتهم المشرفة، ولو عدنا لأحداث يوم الأرض الأول لزجدنا أن التضحيات عززت مقومات الوجود'.

مشوار شاق

يستعرض الجابر لـ'عرب 48' ليلة الاقتحام في 30 آذار 1976 قائلا': 'كنت في يوم 29 آذار أعمل في أرضي وفي نفس اليوم بقيت أفلح الأرض حتى ساعات المساء في منطقة قرية المغار، وعندما أنهيت عملي وهممت للتوجه إلى سخنين علمنا أن هناك تحركات مكثفة للجيش في الطريق وعندها طلب مني 'شاكر' وهو شريكي بالأرض البقاء والمبيت في قرية المغار تفاديا لتعرض الجيش لنا، إلا أنني صممت على العودة إلى سخنين وعائلتي، في طريقي عندما وصلت لمدخل دير حنا الشرقي أوقفني أفراد الجيش الذي احتشدوا بالمكان ومنعوني من الاستمرار بطريقي، إلا أنني استطعت أن أتراجع وأسلك طريقا التفافيا تجاه عرابة البطوف وكان الجيش قد أغلق الطريق أيضا على مداخل عرابة، وهناك كررت العملية في طريق جانبي آخر حتى وصلت إلى بيتي في سخنين قرابة الساعة التاسعة والنصف ليلا، وجدت سخنين عبارة عن ثكنة عسكرية وشبيهة بساحة حرب، خرجت من البيت حيث علمنا أن الجيش يعسكر ويستحكم قريبا من بيتي حيث يوجد النصب التذكاري للشهداء، اليوم، وكان قد أصيب كل من علي شلاعطة وصبحي أبو ريا، وساد الحذر والترقب حتى سمعنا وعرفنا أن جاءهم من القاعدة المتمركزة في سخنين أمر بالانسحاب من وسط البلدة وقاموا بالتحرك فعلا وتمركزوا بالجهة الشمالية الغربية للبلدة. استيقظ الأهالي فجر الثلاثين من آذار على نداء حظر التجول بعد أن قام الجيش باقتحام المنازل حيث عاث فيها خرابا وفسادا وحطم محتويات المنازل واعتدى على المواطنين، انتشر خبر استشهاد خديجة شواهنة الأمر الذي أشعل الغضب واندلعت مواجهات عارمة'.

استنفاذ الذخيرة والخدعة..

واستطرد الجابر أن 'نفس الفرقة العسكرية التي انسحبت من مركز البلد أعادت الكرة في اليوم التالي في الحي الذي أسكنه 'الحوش- حارة الميدان' وهناك استنفذت الذخيرة لدى الفرقة العسكرية نفسها ودخل الجنود إلى بيت جيراننا الذي كان مقر جمعية زراعية، بعد تعبي وإرهاقي ليلا قمت في الصباح لأتفقد أبنائي والعائلة وعندما وصلنا لهؤلاء الجنود المختبئين في المكان توجهوا لي وطلبوا مني مساعدتهم بإيصال رسالة للقاعدة في مدخل البلدة الغربي لطلب النجدة وإخراجهم من المكان إلا أنني رفضت بشدة، فقام أحد الأشخاص ولا حاجة لذكر اسمه بأخذ الرسالة منهم وأوصلها للقاعدة، وبعدها وصلت تعزيزات لنجدة الجنود المحتجزين في البيت، جرى تفاهم بين وجهاء من البلد والضابط المسؤول بأن يتم الإفراج عن الجنود المحاطين بغضب جماهيري مقابل الإفراج عن كل المعتقلين من سخنين، وهذا ما جرى إذ أخرجننا الجنود وسلمناهم للقاعدة، كان الهدوء قبل العاصفة والخديعة، أذكر كلام الضباط للجنود'لا تهرب بل أقتل'، وفي هذه الأثناء بعد تسليم الجنود للقاعدة حسب الاتفاق وعودتنا للبلدة أطاقوا علينا الرصاص بكثافة من كل حدب وصوب، أصبت في ساقي وأصيب سبعة أشخاص آخرين منهم محمد بدارنة الذي هم لإسعافي وكذلك علي دغيم'.

كفر كنا ودم أهل سخنين

وواصل الجابر الحديث لـ'عرب 48' عن رحلته الطويلة للعلاج من سخنين حتى مستشفيات الناصرة، وقال إنه 'في طريقنا للعلاج في الناصرة، وبعد أن أغلقوا الطرق أمامنا للمستشفيات الحكومية، أوقفنا الجيش على مفترق الحمرة بين دير حنا وعيلبون لوقت طويل، ونحن ننزف دما، وبعد أن تمكنا من متابعة طريقنا أعيدت الكرة على مفترق مسكنة، وعانينا من التنكيل، تقدمت المصفحات أمامنا ببطء شديد ومقصود ونحن ننزف، استغرق السفر من سخنين إلى الناصرة قرابة الخمس ساعات، عندما وصلنا إلى كفر كنا وجدنا أن الناس تجمهروا وقام شخص كان يرافقني للمستشفى بنزع الكوفية البيضاء المعصوبة على ساقي والمبللة بالدم وألقاها على الناس وهو يصرخ 'هذا هو دم أهل سخنين.. وصلكم؟'. في تلك الأثناء احتدم الوضع الجيش والأهالي في كفر كنا وما أن وصلنا للناصرة وإلا بالجرحى من كفر كنا يتوافدون للمستشفى حيث سقط أيضا الشهيد محسن طه أثناء المواجهات'.

اقرأ/ي أيضًا | المتابعة تدعو لإنجاح إضراب وفعاليات يوم الأرض

وأكد الجابر أن 'هذا وسام شرف لنا ولشعبنا وشرف عظيم، فقدت ساقي وبقيت الأرض. أوصي الأبناء والأجيال القادمة أن يتمسكوا  بالأرض، وفي نفس الوقت أقول أنه من المؤلم أن نعلم أولادنا المحاماة ومنهم من يتسابق للسمسرة وبيع الأرض، أناشدكم كفوا عن هذه الرذيلة فهي ليست من شيم الرجال وأهل يوم الأرض'.