غيّب الموت، المربيّ والشاعر الأديب المناضل حنّا أبو حنّا، مساء الأربعاء، عن عمر ناهز 94 عاما، بعد سنوات طويلة أسهم فيها بتشكيل المشهد الثقافي بأبعاده المختلفة في فلسطين، وبصَوْن الهوية الوطنية.

تابعوا تطبيق "عرب ٤٨"... سرعة الخبر | دقة المعلومات | عمق التحليلات

وأعلنت عائلة المربي الراحل أنّه سيتم تشييع جثمانه عند الثالثة عصرا من يوم الخميس، في المقبرة البروتوستانتية في "كفر سمير" بحيفا.

وأوضحت أن التعازي تُقبل يومَي الجمعة والسبت من الساعة الرابعة وحتى التاسعة مساء في كنيسة يوحنا المعمدان الأرثوذكسية بشارع القدس 3، بحيفا.

ونعت جمعية الثقافة العربية المربي وعضو الهيئة العامة للجمعية الشاعر الكبير حنا أبو حنا، وشدّدت في بيان أصدرته بعيد وفاته على أنه "كان... مُلهمًا ومساهمًا في صناعة الثقافة وهويتها الوطنية في الداخل الفلسطيني من خلال مساهماته الغنية في الأدب والتعليم والصحافة والمسرح والموسيقى".

وأكدت أنه "اعتُبر أستاذًا لأجيال من الأدباء والشعراء الفلسطينيين، وهو ما شهد به الشاعر الفلسطيني محمود درويش حين قال: ’حنّا أبو حنّا علّمنا ترابية القصيدة’".

بدوره، نعى التجمّع الوطني الديمقراطي "الأستاذ والشاعر والأديب والمناضل الرفيق حنّا أبو حنّا"، الذي "ترك خلفه إرثًا ثقافيًا ونضاليًا وطنيًا عظيمًا، نفتخر به".

وقال التجمع في بيان أصدره مساء الأربعاء: "غاب الأستاذ حنّا أبو حنّا عنا اليوم ولم يغب في حياته عن أي محفل ثقافي فلسطيني ولم يغب عن الساحة النضالية طيلة عمره"، مؤكدا أنه "يعتزّ بأن الأستاذ حنا من أعلام الحركة الوطنية المؤسسة له كحزب وكتيار قومي ديمقراطي في الداخل الفلسطيني".

وشدد البيان على أن الراحل "مناضل وطني أصيل ساهم في بناء وتأسيس المشهد الثقافي الفلسطيني في الداخل، وكما كل مثقف فلسطيني، تمت ملاحقته على يد أجهزة الأمن الإسرائيلية فاعتقلته وسجنته".

وذكر أن رحيلَ أبو حنّا "ترك وراءه فراغًا عظيمًا في المشهد الثقافي والنضالي وخلّف لنا مسيرة مشرفة تشهد له ونعتزّ بها"، مضيفا: "نعزي أنفسنا أولًا ونعزي شعبنا الفلسطيني والحركة الوطنية والثقافية وعائلة الفقيد الكريمة".

من جانبها، نعت وزارة الثقافة الفلسطينية، الشاعر والكاتب الفلسطيني المناضل، وقال الوزير، عاطف أبو سيف، إن "الثقافة الفلسطينية تخسر رمزا من رموزها التاريخية وعلما من أعلام نهضتها، الذين ساهموا في صون الهوية الوطنية الفلسطينية، وعززوا من مكانتها العالية، ورسخوا في وعي الجيل ثقافة وطنية مبدعة من خلال مساهمته الكثيرة والواعية والغنية في المعرفة والأدب والتعليم والصحافة والموسيقى والفن المسرحي".

وأضاف أبو سيف أن أبو حنا "كان ملهما ومعلما للأجيال من خلال دوره في الحياة الاجتماعية والثقافية والتربوية، وعزاءنا برحيل أبو حنا هو بإرثه الكثير والغني الذي يعتبر منارة ملهمة للأجيال".

رحيل "شيخ الحركة الوطنية"

وبعيْد انتشار خبر الوفاة، شهدت منصات التواصل الاجتماعيّ وبخاصة "فيسبوك"، تفاعلا كبيرا مع رحيل الأديب المناضل.

وقال النائب السابق عن التجمع، د. باسل غطاس: "مات معلم الشعراء ومربي الطلاب والمعلمين وشيخ الحركة الوطنية، حنا أبو حنا أبا الأمين لروحه السلام ’فَتى عَاشَ يَبْني المَجْدَ تِسعينَ حُجّْةً وكانَ إلى الخيراتِ والمَجدِ يَرتَقي’".

بدوره، ذكر النائب عن التجمع، سامي أبو شحادة: "رحل عنّا اليوم الشاعر والأديب والمناضل العريق د. حنا أبو حنّا ابن الرينة ومدينة حيفا، عرفته عن قرب في العديد من المراحل النضالية. وعرفناه بصدقه واستقامته وصراحته واستعداده الكبير للعطاء والعمل دون كلل من أجل شعبنا وقضاياه وسخّر حياته من أجل ذلك".

وأكد أن الراحل "لعب دورا مركزيا في تثبيت الحركة الوطنية وتأسيس التجمّع، وعلى المستوى الثقافي كان له دور تاريخي في الحقل الأدبي، وسيبقى أدبه وشعره حاضرين بين الأجيال القادمة. كان إنسانًا أصيلًا معطاءً ومُحبًا وطنيًا عروبيًا لا يعرف التعب ولا الكلل".

وأضاف أبو شحادة: "غابت عنا اليوم الغيمة الفلسطينية التي غمرتنا بعطائها الطويل على مدار عقود، وأخذنا من خيرها الكثير الكثير من الأدب والفكر والشعر، مما ساهم في بناء الذاكرة الجماعية الوطنية لشعبنا الفلسطيني بشكل خاص وللأمة العربية وللإنسانية بشكل عام"، مشددا على أنّ أبو حنا "هو المثال للمثقف العضوي الذي يحمل قضايا وهموم شعبه وينخرط في ميادين النضال ولا يكتفي بالكتابة عنه".

من جانبها، ذكرت مديرة مركز "مدار" للدراسات الإسرائيلية، هنيدة غانم: "وداعًا حنا أبو حنا، الشاعر والمربي والكاتب المناضل، الشاهد على صمت البلاد وخرس ساحلها المنكوب، الذي اجترح من فقدان الوطن كلامًا كثيرا عن الصمود وعن الكف التي تقاوم المخرز، الذي حرض على النهوض من تحت الردم. وداعًا آخر شعراء جيل المقاومة، ندين لك بالكثير".

وقال سهيل كيوان: "رحل الشاعر والكاتب الفذ حنا أبو حنا، تاركا وراءه إرثا زاخرا في الشعر والنثر والنقد، رحم الله أبا الأمين الذي يعتبر من أرخ أدبيا للنكبة في عدد من مؤلفاته شعرا ونثرا، قصة وسيرة ذاتية ومقالة".

وولد أبو حنا في الرينة عام 1928، وهو ينتمي إلى الجيل الأول من شعراء المقاومة العرب في الداخل الفلسطيني.

وعمل حنا مديرًا للكلية الأرثوذكسية العربية في حيفا حتى عام 1987، ومُحاضرًا في جامعة حيفا وكلية إعداد المعلمين عام 1973.

وشارك الراحل أبو حنا في إصدار مجلة "الجديد" عام 1951، و"الغد" عام 1953، و"المواكب" عام 1984 و"المواقف" عام 1993. كما ساهم بتأسيس جوقة الطليعة، وكان عضوا في الهيئة الإدارية لـ"المسرح الناهض"، و"مسرح الميدان" في حيفا.

كما شارك في تحرير وإعداد برامج الطلبة في إذاعتَي القدس والشرق الأدنى.

وتنقَّل أبو حنا بين القدس، ورام الله، وجفنا، وأسدود، وقرية نجد، وحيفا، والناصرة، والرينة، وكانت السلطات الإسرائيلية قد اعتقلته في سجن الرملة عام 1958.

وفي الصِّغَر، تعلّم أبو حنا في الكُتاب في قرية أسدود التي دُمرت بالنكبة، ليلتحق بعد ذلك بالمدرسة الابتدائية "المدرسة الأميرية- مدرسة المعارف للبنين" في حيفا.

الأديب المناضل الراحل

بعد ذلك، وبعد إقامة لم تطل كثيرا في حيفا، انتقل الراحل إلى الناصرة وكان من بين الطلبة المشاركين في ثورات عام 1936.

ثم التحق بمدرسة اللاتين في الرينة مدة من الزمن، انتقل بعدها لينهي دراسته الثانوية في مدرسة المعارف في الناصرة.

وأبو حنّا حاصل على الماجستير في الأدب، التي نالها بعد نيْل درجة البكالوريوس في الأدب الإنجليزي من جامعة حيفا.

وظلّ أبو حنا بعد احتلال الناصرة يعلّم في مدرستها إلى أن فصله الحكم العسكريّ لنشاطه السياسيّ.

يُذكر أن الراحل، قد تقاعد من "الكلية الأرثوذكسية العربية" عام 1987، وعمِل في "كلية إعداد المعلمين العرب" في حيفا حتى سنة 1995.

ومن أعمال الراحل الشعرية:

- نداء الجراح (مكتبة عمان، 1969).

- قصائد من حديقة الصبر (عكا، 1988).

- تجرَّعت سمَّك حتى المناعة (حيفا، 1990)

ومن دراساته:

- عالم القصة القصيرة (مطبعة الكرمل، حيفا، 1979).

- روحي على راحتي: ديوان عبد الرحيم محمود . تحقيق وتقديم (مركز إحياء التراث العربي، الطيبة، 1985).

- دار المعلمين الروسية (في الناصرة 1994).

- رحلة البحث عن التراث (حيفا، 1994).

- الأدب الملحمي.

- ديوان الشعر الفلسطيني.

ومن إصداراته كذلك: مهر البومة، وفستق أدبي، وعراف الكرمل، وظل الغيمة، ورحلة البحث عن التراث، وخميرة الرماد، وأوراق خضراء، وغيرها.