إذا أردت أنْ تسأل أين العروبة.. فاذهب اليوم إلى "ايفران" المغربية

-

إذا أردت أنْ تسأل أين العروبة.. فاذهب اليوم إلى
بدأت مع مطلع شهر آب/أغسطس الجاري في ثانوية علال الفاسي في مصيف أفران، المدينة المغربية الشهيرة، الدورة الثامنة عشرة لمخيم الشباب القومي العربي الذي شكل تجربة مميّزة في العمل الشباب وفي العمل القومي العربي معاً، كما شكل نموذجاً هاماً لاستمرارية قلّما شهدناها في تجارب عدة تضيء لسنة أو سنتين ثمّ ما تلبث أنْ تخبو.

فعلى مستوى العمل الشبابي، أمكن لهذه التجربة على مدى عمرها الذي ناهز العقدين من الزمن، أنْ تستقطب ما لا يقل عن أربعة آلاف شاب وشابة من معظم الأقطار العربية، ان لم يكن منها كلها، في تجربة تعريف بأقطار وطنهم العربي الكبير ومعالمها التاريخية والحضارية والسياحية، وفي إطار تعارف بين شباب من كلّ أنحاء الأمة ما زالت وشائجه تزداد وأواصره تتعمّق لا سيّما مع التطور المذهل في وسائل الاتصال، وفي أجواء حوار ثقافي وفكري عميق قام بين الشباب أنفسهم، وبينهم وبين بعض كبار المثقفين والناشطين في المجال القومي.

ولقد حرص القيمون على هذه التجربة منذ انطلاقها كفكرة في ندوة "الوحدة العربية" في صنعاء عام 1988، وتحوّلها إلى تجربة بعد المؤتمر القومي العربي الأوّل في تونس في ربيع 1990، ووضعها موضع التنفيذ في مركز عمر المختار التربوي في البقاع اللبناني في 23 تموز/يوليو 1990، أنْ لا يحولوها إلى تنظيم للشباب القومي العربي، وذلك لوجود العديد من الاتحادات والتنظيمات الموزعة على مستوى الأمة، ولتفادي إرباكات أمنية وسياسية في العديد من الأقطار، ولدى العديد من الأحزاب، وللحرص على أنْ تدخل هذه التجربة روحاً جديداً إلى المنظمات الشبابية القائمة، روح الحوار والتفاعل والتكامل والقبول بالآخر، بدلاً من أنْ تكون منظمة جديدة.

وهكذا نجحت هذه التجربة في تحصين نفسها من سوء الفهم وأمواج الشكوك المتلاطمة، وما أكثرها في بلادنا، وبالتالي نجحت في أنْ تستمر وتنتقل من لبنان إلى اليمن فالأردن، فسوريا، فالمغرب، فالجزائر، فالسودان، فالعراق، لتعود إلى لبنان والجزائر والمغرب، بل نجحت في أنْ توفر لخريجيها من شباب الأمة وشاباتها فضاء من التواصل والتحاور والصداقة، فيصبح للمشارك في المخيم، وهو لم يبلغ العشرين من العمر، أصدقاء وبيوت في كلّ عواصم الوطن العربي ومدنه وأريافه.

أما على مستوى العمل القومي فقد اكّدت هذه التجربة أنَّ الانتماء القومي حقيقة وليس خرافة، وأنّه رابطة للمستقبل لا أسطورة من الماضي، وأن حملة رايته ليست مجرد ديناصورات يطلون برؤوسهم الصلع أو الشديدة الشيب، بل بينهم الالاف من شباب وشابات يتدفقون حيوية وحماسة وايملناً بوحدة امتهم وبوحدة مصيرها.

فمع هذه التجربة لم تعد المعلومات عن مصر أو المغرب أو اليمن بعيدة المنال عن شاب قادم من لبنان أو شابة خارجة لتوها من فلسطين المحتلة، ولم تعد تضاريس الجغرافيا وحقبات التاريخ في الجزائر أو السودان أو الأردن طلاسم مجهولة لشباب متحدر من العراق أو سوريا أو الخليج العربي، كما لم تعد إعلام النضال والفكر والثقافة والإبداع على مستوى الأمة باسرها أسماء مجهولة لدى أجيال كلّ ذنبها أنّها ولدت بعد رحيل أُؤلئك الإعلام.

ولقد أتيح لي وأنا اواكب هذه التجربة منذ انطلاقتها عام 1990 حتّى 2004 ان أسأل كلّ مشارك أو مشاركة فيها عن انطباعه، أو انطباعها، عن هذه التجربة الجديدة في حياتها، فكان الجواب متطابقاً في كلّ الحالات: لقد ازددت التعلق بعروبتي، وازددت اقتناعاً بانها إطار يوحد ولا يفرق، يصون ولا يبدد، يخرجنا من أسوار العصبيات الضيقة، قطرية كانت أم طائفية أم مذهبية.

ومن يريد أنْ يدرك تماماً تأثير هذه التجربة على المشاركات والمشاركين فيها عليه أنْ يراقبهم وهم يودعون بعضهم البعض في نهاية المخيم: دموع وتصميم على مواصلة اللقاء، وكم يسعدني أنَّ الاحظ أنَّ المخيم لم يكن يتيح الفرصة للتعارف بين أبناء البلدان العربية المتنوعة، بل حتّى بين أبناء البلد الواحد، وأحياناً بين أبناء المدينة أو البلدة الواحد، الذين كثيراً ما تعارفوا وترابطوا بعد لقائهم في المخيم.

إنْ هذا المخيم تجربة شبابية وقومية تستحق الاهتمام على غير صعيد، بل تستحق أنْ تتحول إلى عشرات المخيمات في كلّ عام، لكي نترجم إيماننا بعروبة الأمة إلى فعل إيجابي ومستقبلي.

قديماً قيل لارسطو: عرّف لنا الحركة، فقام ومشى... واليوم نقول لمن يسأل عرّفوا لنا العروبة: "قم وأذهب إلى ايفران المغربية حيث مخيم الشياب القومي العربي، بل قم وشارك في تشييع الشهداء الذين اعادتهم (عملية الرضوان) إلى بلدانهم من المحيط إلى الخليج، حينها تعرف ان العروبة هويّة حيّة في عروق ابناء الامة ومتمازجة مع ايمانهم وعقيدتهم وتراثهم الروحي.

التعليقات