سوريا ترفض تنفيذ قرار 1559 لأنه ينسف اتفاق "الطائف"

مصادر أوروبية: القيادة السورية تركت في مقابل موقفها الحازم، الباب مفتوحاً للتفاهم مع الدول الكبرى إذ أبدت استعدادها لإظهار المرونة ومناقشة كل ما يرتبط بالملف اللبناني

 سوريا ترفض تنفيذ  قرار 1559 لأنه ينسف اتفاق
أبلغت القيادة السورية الدول الكبرى المعنية مباشرة بتطورات الأوضاع اللبنانية وكذلك الأمم المتحدة، أنها ترفض تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559 أيا تكن الضغوط الدولية التي يمكن أن تمارس عليها لأن هذا القرار يشكل تهديدا لمصالح سوريا الأمنية والاستراتيجية الحيوية ولأنه يضعف موقفها التفاوضي مع إسرائيل لاستعادة الجولان المحتل ولأنه ينسف الاتفاقين الأساسيين اللذين ينظمان العلاقات اللبنانية - السورية، وحذرت من أن الدول الكبرى لن تستطيع إخراج السوريين بالقوة من الأراضي اللبنانية لأن أكثرية اللبنانيين تؤيد بقاءهم. ‏

وتقول مصادر دبلوماسية أوروبية وثيقة الاطلاع إن المسؤولين السوريين أبلغوا، وللمرة الأولى، الدول الكبرى المعنية بالأمر وعلى رأسها أمريكا وروسيا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وكذلك كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة عبر مبعوثه الخاص تيري رود لارسن وجهات دولية أخرى بارزة حقيقة موقفهم من القرار 1559 الذي يحدد قواعد وأسس التعامل الدولي مع الوضع اللبناني والذي يطالب خصوصا جميع القوات الأجنبية المتبقية أي السورية بالانسحاب من لبنان ويدعو إلى حل كل الميليشيات اللبنانية أي حزب الله وغير اللبنانيين ونزع أسلحتها. وأكدت المصادر أن هذا الموقف السوري من القرار 1559 يتضمن العناصر والأمور الأساسية الآتية: ‏

أولاً: أن سوريا ترفض تنفيذ القرار 1559 أو التعاطي معه أو التفاوض على أساسه مع مجلس الأمن الدولي أو مع الدول الكبرى المعنية بالأمر أيا تكن الضغوط التي يمكن أن تمارس عليها في هذا الشأن، لأن هذا القرار حدد من دون أي تشاور وتنسيق مع الحكومتين اللبنانية والسورية ولأنه يتجاوز في مضمونه وفي مطالبه هاتين الحكومتين ويهدف إلى إنهاء الوجود السوري في لبنان المتفق عليه مع السلطات الشرعية وضرب العلاقات الوثيقة القائمة بين سوريا ولبنان من دون أن يأخذ في الحساب المصالح الأساسية لهذين البلدين مما يشكل إضعافاً لهما وتدخلا في شؤونهما. ‏

ثانياً: ترى سوريا أن القرار 1559 يهدد مصالحها الحيوية والأمنية والاستراتيجية إذ إنه يريد أن يفرض على سوريا سحب قواتها من لبنان وإنهاء علاقاتها التنسيقية التحالفية الوثيقة مع هذا البلد وضرب وحدة المسارين التفاوضيين مع إسرائيل قبل معالجة مشكلة الجولان وإنهاء احتلاله على أساس قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، مما يشكل إضعافاً للموقف السوري التفاوضي مع إسرائيل. ‏

كما أن القرار يريد تجريد المقاومة اللبنانية من أسلحتها قبل تسوية ما تبقى من المسائل العالقة بين لبنان وإسرائيل وهو ما يضعف أيضاً الموقف التفاوضي اللبناني. وفي هذا المجال علمت مصادر صحفية أن المسؤولين السوريين أكدوا خلال اتصالاتهم الدولية هذه أن الدول الكبرى وعلى رأسها أمريكا وفرنسا وبريطانيا أيدت ضمنا وطوال سنوات استمرار بقاء القوات السورية في لبنان إلى حين إيجاد حل للنزاع العربي - الإسرائيلي وإحلال السلام في المنطقة لكنها تراجعت عن موقفها هذا الآن بإصدارها القرار 1559. ‏

ثالثاً: ترى سوريا أن القرار 1559 ينسف مضمون وجوهر الاتفاقين الأساسيين اللذين ينظمان رسمياً العلاقات اللبنانية - السورية، الأول هو اتفاق الطائف الموقع برعاية عربية ودولية في أكتوبر 1989 والثاني هو "معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق" الموقعة بين لبنان وسوريا في مايو 1991. فهذان الاتفاقان يؤكدان رسميا وصراحة أن الحكومتين اللبنانية والسورية هما اللتان تتخذان القرارات الملائمة بشأن مصير القوات السورية في لبنان وأماكن وجودها وهما اللتان تحددان حجم ومدة وجود القوات السورية في هذا البلد. ولاحظ المسؤولون السوريون أن الدول الكبرى أيدت هذا التفاهم اللبناني - السوري سنوات طويلة ولم تعترض عليه، لكنها الآن تراجعت عن موقفها المؤيد هذا واعتمدت سياسة تجاوز حكومتي دمشق وبيروت إذ إن القرار 1559 يفرض فرضا على السوريين واللبنانيين تغيير طبيعة العلاقات بينهما. ‏

رابعاً: ترى سوريا أن الدول الكبرى ليست قادرة على أن تفرض بالقوة عليها تنفيذ القرار 1559 المتعارض مع مصالحها الحيوية الأساسية إذ إن ذلك يتطلب إرسال قوات دولية إلى لبنان بقرار جديد يصدر عن مجلس الأمن وهو ليس بالأمر السهل إذ إن هناك عدداً من الدول الأعضاء في المجلس التي ترفض هذا الخيار في التعاطي مع الوجود السوري في لبنان. كما أن مثل هذا الخيار سيؤدي في حال اعتماده، إلى مواجهات بين القوات الدولية والقوات السورية واللبنانية النظامية ويفجر أزمة كبيرة في المنطقة. وسوريا ليست راغبة إطلاقا في أي نوع من المواجهات مع مجلس الأمن ومع الدول الكبرى. إضافة إلى ذلك فإن مثل هذا التوجه الدولي سيلقى معارضة واسعة في الساحة اللبنانية إذ إن أكثرية اللبنانيين تؤيد بقاء القوات السورية في هذا البلد إلى حين التوصل إلى حل سلمي للنزاع العربي - الإسرائيلي استناداً إلى قرارات الشرعية الدولية. كما أن أية عقوبات دولية يمكن أن تفرضها الدول الكبرى على سوريا لتطبيق القرار 1559 لن تثني السوريين عن موقفهم المعارض والرافض لهذا القرار، لأن سوريا بذلك تدافع عن مصالحها الحيوية الأساسية المشروعة. ‏

خامساً: في ضوء ذلك كله ترى سوريا أن القرار 1559 لن يؤدي إلى حل المشكلة اللبنانية وإلى قيام علاقات سلمية جديدة بين لبنان وسوريا بل إنه ساهم ويساهم في تعقيد الأوضاع وزيادة التوتر في الساحة اللبنانية. كما أن هذا القرار أدى إلى وصول الاتصالات السورية - الأمريكية - الأوروبية حول لبنان إلى مأزق حقيقي. ولذلك يدعو المسؤولون السوريون الأمم المتحدة والدول الكبرى المعنية بالأمر إلى تجاوز القرار 1559 وعدم الاعتماد عليه للتعاطي مع لبنان وسوريا في المرحلة المقبلة والتحرك بدلا من ذلك من أجل إحياء عملية تفاوض جدية بين سوريا وإسرائيل ولبنان وإسرائيل لمعالجة النزاع مع الدولة اليهودية من جوانبه المختلفة. ‏

وأكدت المصادر الأوروبية المطلعة أن القيادة السورية تركت في مقابل موقفها الحازم هذا الباب مفتوحاً للتفاهم مع الدول الكبرى حول الوضع اللبناني إذ إنها أبدت استعدادها لإظهار المرونة ومناقشة كل ما يرتبط بالملف اللبناني مع المسؤولين الأمريكيين والفرنسيين والأوروبيين عموما ومع كوفي عنان ومبعوثه الخاص لارسن، شرط أن تقبل هذه الدول والجهات الدولية اليوم ما كانت تقبله سابقا أي أن تتخذ الحكومتان اللبنانية والسورية، ووفقا لمصالح البلدين كل القرارات الملائمة المتعلقة بمستقبل وجود القوات السورية في لبنان وبمسار العلاقات بين هذين البلدين والمتعلقة أيضاً بدور ونشاطات حزب الله، ويعني هذا المطلب السوري، ووفقا للمصادر الدبلوماسية الأوروبية المطلعة، عملياً وفعلياً، تجميد العمل بالقرار 1559 والاعتماد مجدداً على مضمون اتفاق الطائف و"معاهدة الأخوة" في التعاطي مع الملف اللبناني ومع العلاقات اللبنانية - السورية.



التعليقات