الرئيس السوري يؤكد عدم تورط دمشق في مقتل الحريري

الأسد يؤكد أن "لا أدلة مادية" تدين دمشق وسوريا غير متورطة في تلك الجريمة لسببين: الأول هذا ضد مبادئنا والثاني أن هذا ضد مصالحنا

الرئيس السوري يؤكد عدم تورط دمشق في مقتل الحريري
جدد الرئيس السوري بشار الاسد، امس الاربعاء، نفي تورط بلاده في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، مشيرا الى ان لا "أدلة مادية حتى الآن" تدين دمشق، ومشددا في الوقت نفسه على ان اي مواطن سوري يثبت تورطه في الجريمة، سيعتبر "خائنا وسيعاقب بشدة" امام محكمة سورية او دولية، وذلك في اول اشارة سورية من نوعها الى مثل هذه المحاكمة.

جاء تأكيد الاسد خلال حديث بثته شبكة "سي. ان .ان" الاميركية امس، واجرته كبيرة المراسلين الدوليين في الشبكة كريستيان امانبور. واوضحت الـ"سي. ان. ان." ان الحديث اجري قبل قليل من اعلان دمشق امس عن نبأ انتحار وزير الداخلية غازي كنعان. وتحدث الاسد في المقابلة، وهي الاولى له منذ ثلاث سنوات، باللغتين العربية والانكليزية.

وسُئل الاسد عما اذا كانت دمشق مستعدة للعزلة والضغوط التي ستفرض عليها، إذا خلص تقرير المحقق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، الى اتهام مسؤولين سوريين رفيعي المستوى بالتورط في الجريمة، فاجاب <<أنت قلت ذلك ولكننا لا نعاني من العزلة وعلاقاتنا حتى الآن جيدة جداً مع كل بلدان العالم. وأعتقد أن معظم بلدان العالم تعلم أن سوريا غير متورطة في تلك الجريمة لسببين: السبب الأول هذا ضد مبادئنا والسبب الثاني أن هذا ضد مصالحنا".

واضاف "ومن ناحية أخرى رفيق الحريري كان دائماً داعماً للدور السوري في لبنان، ولم يكن يوماً ضد هذا الدور. وهكذا ليس هناك منطق في تورط سوريا أو وضع اسم سوريا في هذه الجريمة". وتابع "نحن حتى الآن واثقون جداً وقد استقبلنا لجنة التحقيق قبل أسبوعين وكنا متعاونين جداً. ونحن أكثر ثقة بعد المقابلات التي أجرتها اللجنة في سوريا والتي أوضحت أن سوريا بريئة تماماً. ليس لسوريا أي علاقة بهذه الجريمة".

وسئل الاسد "إذا ثبت أن سوريا متورطة وإذا وردت أسماء أي مسؤولين سوريين كمشتبه بهم، هل ستسلمونهم لمحكمة دولية؟"، فاجاب "بالنسبة لهذه القضية إذا كان فعلاً هناك شخص سوري متورط فيها، فهو يعتبر في القانون السوري خائنا ويعاقب بأشد العقوبات، وهذه خيانة ومن الطبيعي أن نحاكمه أو أن يحاكم في مكان آخر. هذا موضوع آخر لكني أتحدث عن ثقتنا بأن سوريا غير متورطة وفي الوقت نفسه حتى الآن لا يوجد آي دليل مادي على تورط سوريا بأي اتجاه، ونحن مطمئنون لهذا الشيء، لا يوجد أي دليل مادي".

وعما اذا كان مستعدا لتسليم أي مواطنين سوريين متورطين في الجريمة، ليمثلوا امام محكمة دولية، قال الاسد "إذا كانوا متورطين، فيجب أن يعاقبوا دولياً أو سورياً. حتى لو لم يعاقبوا دولياً فسيعاقبون في سوريا".

وسئل الرئيس السوري "هل يمكن أن تكونوا قد أمرتم بعملية اغتيال الحريري"، فاجاب "هذا ضد مبادئنا وضد مبادئي شخصياً. وأنا لا يمكن أن أقوم بعمل كهذا في حياتي. ماذا نحقق؟ أعتقد أن ما حدث استهدف سوريا، استهدف سمعتنا وعلاقتنا باللبنانيين وعلاقتنا بالعديد من بلدان العالم. فلن نقوم بذلك لأن هذا ضد مبادئنا وضد مصالحنا وضد مبادئي شخصياً ولن أقوم بعمل كهذا. هذا مستحيل".

وعما إذا كان يمكن لجريمة كهذه أن ترتكب من قبل مسؤولين سوريين من دون علمه، قال الاسد "لا أعتقد ذلك، لكن إذا حدث ذلك فهو خيانة" موضحا انه سمع بعملية الاغتيال للمرة الأولى "من الأخبار. كنت في مكتبي".

وسئل الرئيس السوري عما نسب اليه من "تهديدات" للحريري بعد رفضه التمديد للرئيس اميل لحود في ايلول 2004، فاجاب "هذا افتراض آخر غير قانوني. أولاً ليس من طبعي أن أهدد أحداً. أنا شخص هادئ وصريح، لكني لا يمكن أن أهدد أحدا". واضاف "ثانيا كما قلت، فالتهديد يتعلق بالتمديد ويقولون إن السوريين هددوه ثم قتلوه. لماذا نقتله اذا كان قد فعل ما أرادت سوريا، هو لم يفعل أي شيء ضد سوريا. إذا كنا قد أردنا التمديد فقد ساعد سوريا في التمديد فلماذا نؤذيه أو نقتله. هذا ليس منطقياً. على أي حال أنا لم أفعل ذلك، ولا يمكن أن أفعل ذلك".

وردا على سؤال عما إذا كان لدى النائب سعد الحريري، المقيم في باريس، ولغيره من معارضي سوريا من اللبنانيين، ما يخشونه منها، قال الأسد "لا، قطعاً. لا ليس لدينا هذا التاريخ في الاغتيالات في سوريا ولذا يجب ألا يقلقوا بهذا الشأن. لكن السؤال ما هي المعلومات التي لديهم ومن نقل إليهم هذه المعلومات بأنهم مهددون. هذا ما حدث لرئيس الوزراء الحريري قبل أيام من اغتياله قرأنا ذلك في الصحف أن أكثر من مسؤول غربي حذره بأن هناك خطة لقتلك. أي خطة يجب أن نعرف، قد يكون أحدهم قد مرّر المعلومات نفسها في هذه الحالة لهذا الشخص".

وعن تصوره "إذا حدث الأسوأ بالنسبة الى سوريا" واتهمها تقرير ميليس بالتورط في الجريمة، قال الاسد "هذا يعتمد على الدليل. إذا كان هناك أي دليل فسندعم أي إجراء، هذا مؤكد. أما إذا كان الأمر لعبة سياسية وليس هناك دليل، إذا كانوا يبحثون عن سبب لعزل سوريا، فما الذي سيحققونه بعزل سوريا، لا شيء".

واضاف "ما الذي يمكن أن يفعلوه بشأن العديد من القضايا في الشرق الأوسط حيث لسوريا دور جوهري في حلها. نحن لنا دور جوهري. لا يمكنهم عزل سوريا، إن عزل سوريا يؤدي إلى عزلهم عن الكثير من القضايا في الشرق الأوسط ولذلك فنحن لسنا قلقين بهذا الشأن، نحن قلقون من لعبة سياسية أو من التأثير السياسي على التقرير. إذاً نحن واثقون من أنه إذا كان التقرير مهنياً وموضوعياً، فهو سيقول إن سوريا غير متورطة، وإلا فنحن نعتقد بأنه ستكون هناك ضغوط سياسية على التقرير لإعطاء نتيجة مغايرة لاتهام سوريا من دون أي دليل. هذا ما يقلقني".

الجدير بالذكر هنا ان اعضاء في لجنة التحقيق الدولية في مقتل الحريري كانوا قد سربوا لاحدى الصحف الالمانية بانهم يتعرضون لضغوط هائلة تمارسها الادارة الامريكية عليهم من اجل ربط سورية بعملية الاغتيال. لكن هذه المصادر اكدت في الوقت ذاته بان لجنة التحقيق لم تجد ادلة تربط سوريا بالاغتيال.

وعن محاولات تغيير النظام في سوريا عبر اجتماعات ولقاءات تعقدها الادارة الاميركية مع معارضين سوريين، والحديث عن عزل دمشق دبلوماسياً وربما إحداث انقلاب أو انهيار النظام، قال الاسد "أشعر بثقة كبيرة لسبب واحد لأنني صُنعت في سوريا وليس في الولايات المتحدة، ولذلك فأنا لست قلقاً. هذا قرار سوري ويجب أن يتخذه الشعب السوري وليس أي أحد آخر في هذا العالم. ولذلك فنحن لا نناقش هذا الموضوع في سوريا وأنا لا أقدم أي رأي على رأي الشعب السوري في ما يتعلق بهذه القضية".

وسئل الاسد "ماذا سيحدث في رأيكم إذا وجد بديل لكم؟ ومن هو هذا البديل؟"، فأجاب "يمكن أن يكون أي سوري، أي سوري وطني. ولدينا الكثير من هؤلاء. أنا لست الشخص الوحيد الذي من حقه أن يكون رئيساً. لدينا الكثير من السوريين ولذلك ليس لدي أي مشكلة في ذلك. لكن لن يُسمح لأي سوري أن يصبح رئيساً لسوريا إذا كان مصنوعاً في أي مكان خارج حدود سوريا. هذا مبدأ سوري".

وردا على سؤال عن دعوة وزيرة الخارجية الأميركية كوندليسا رايس الى تغيير سلوك النظام السوري إذا لم يتحقق تغيير النظام نفسه، قال الاسد "لم يقولوا في أي اتجاه يجب أن نغير سلوكنا، أن نفعل ماذا. إنهم يتحدثون فقط عن موضوع الحدود وهذا غير صحيح. هل يمكنك تلخيص سلوك بلد من خلال قضية حدودية وهي قضية ليست ذات شأن وهي ليست المشكلة الحقيقية. المشكلة الحقيقية ماذا عن عملية السلام في منطقتنا؟ هذه هي المشكلة. نحن مهتمون بتحقيق السلام لكنهم غير مهتمين. هذه الإدارة غير مهتمة بتحقيق السلام. نحن مهتمون بعراق أكثر استقراراً بينما هم يتحدثون فقط عن الاستقرار غير أن الأخطاء التي يرتكبونها يومياً تعطي نتائج عكسية. هذا هو الاختلاف بين سوريا والولايات المتحدة. إذاً هل ندعم مزيداً من الأخطاء أم لا؟ هذا هو السؤال. يجب أن يكونوا أكثر تحديدا".

ونفى الاسد ما يتردد عن انه لا يمسك بزمام السلطة في دمشق. وردا على سؤال عن "بعض الأشخاص الذين يشككون بسلطتك وسيطرتك على مفاصل حكمك"، قال "يتهمونني في الوقت نفسه بانني دكتاتور. عليهم ان يحسموا خيارهم. لا يمكن ان اكون دكتاتورا ولا اسيطر (على السلطة). فان كنت دكتاتورا فانك تسيطر تماما، وإن لم تكن مسيطرا فلا يمكن أن تكون دكتاتورا. أنا لست الأول (غير مسيطر) ولست الثاني (دكتاتورا)". واضاف "انني استمد سلطتي من الدستور السوري... لكن يجب اقامة حوار مع اوسع شريحة ممكنة من الشعب لاتخاذ القرار. هكذا أعمل".

كذلك رفض الأسد وصفه بانه "رئيس طارئ لسوريا جاء إلى السلطة بسبب مقتل شقيقه" باسل في حادث سيارة في التسعينيات. وقال متوجها الى امانبور "لا أستطيع قبول سؤالك. لقد اختارني الشعب السوري" مؤكدا أن أي سوري يمكن أن يكون "بديلا لرئاسة سوريا وهناك الكثيرون".

وعن مسيرة الاصلاحات في بلاده، قال الاسد انه ملتزم تماما باجراء اصلاحات لكنه اشار الى "عوائق" داخلية وخارجية عديدة مثل عدم الاستقرار في المنطقة وتطورات العراق والحاجة الى مساعدات اقتصادية وتقنية وسياسية. وقال "نحن نسير بخطى ثابتة ومتواصلة، لكن ربما ليس بسرعة كبيرة. امامنا مشوار طويل كي نقطعه ولكننا انجزنا الكثير خلال السنوات الخمس الماضية".

وعما اذا كان مستعدا لوقف تسلل المسلحين الى العراق، قال الرئيس السوري "ليس هذا صحيحا بالمرة، هناك اوجه عديدة لهذه المشكلة. الاول هو انه لا يوجد دولة بإمكانها السيطرة بشكل كامل على حدودها. هناك الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، والكثير من المسؤولين الاميركيين اخبروني انه لا يمكنهم السيطرة على الحدود مع المكسيك، ولكنهم يقولون لنا انه يجب عليكم السيطرة على حدودكم مع العراق".

واضاف "الامر مستحيل. ابلغت السيد (وزير الخارجية الاميركي السابق كولن) باول بعد انتهاء الحرب انه من المستحيل السيطرة على الحدود وطلبنا الحصول على بعض الدعم التقني، ونحن بحاجة للكثير من الخطوات للسيطرة على الحدود". وتابع "ليس تماما، ولكننا اتخذنا خطوات عديدة، ونريد دعوة أي وفد دولي او اميركي للمجيء ورؤية حدودنا والخطوات التي اتخذناها والنظر الى الجانب الآخر... كي يرى لاشيء، لا احد، كلهم عراقيون".

وسئل الاسد لماذا لا يستطيع ان يوقف المتسللين، فاجاب "من المستحيل لاي دولة ان توقفهم، ولكن العديد من المسؤولين يقولون ان هناك ما بين 1000 و3000 متمرد، او ارهابي كما يسمونهم". واضاف "الفوضى في العراق هي السبب لا الحدود، علينا ان نكون صريحين جدا في ذلك، المشكلة سياسية ولا تتعلق بالحدود مع سوريا، وعندما يكون هناك فوضى فإن التربة خصبة للارهابيين وهنا تكمن المشكلة".

وتابع "بغض النظر عما تريده الولايات المتحدة، اني مهتم كما سوريا بان يكون هناك عراق مستقر، وعندما يكون لديك متمردون او ارهابيون او أي شيء كهذا، فستحدث المزيد من الفوضى وعندما يكون هناك المزيد من الفوضى، سيكون لديك عراق مفتت، وهذا ما سوف يؤثر على سوريا بشكل مباشر. لغاية الآن رأينا هو انه يتوجب علينا مساعدة العراقيين على القضاء على الارهاب ولكن يجب ان نفرق بين المتمردين، والشعب (أي) العراقيين الذين يقاتلون القوات الاميركية والبريطانية، وهذا امر مختلف" موضحا "اني اتحدث عن الاشخاص الذين يقتلون العراقيين، واولئك الذين نسميهم الارهابيين ونحن ضدهم تماما".

وعن الاسباب التي حدت بسوريا الى وقف التعاون الاستخباراتي مع الولايات المتحدة، قال الاسد "لا يمكن وجود تعاون امني عندما تؤدي المضاعفات السياسية الى نتيجة عكسية تماما"، مشيرا الى "هجمات اخرى من الادارة الاميركية" على دمشق. واضاف "من جانب آخر، هناك تحليل ضعيف ونقص معرفة بالمنطقة من جانب الوكالات الاميركية في الكثير من الحالات. وهذا التعاون الامني كان له أثر سلبي على المصالح السورية. لقد فقدنا الثقة، لم يعد هناك ثقة بين الامن السوري والوكالات الاميركية، ولذا توقف التعاون بين الجانبين، وكانت هناك محاولات لاعادة التعاون مؤخرا".

واشار الرئيس السوري الى وساطات قامت بها بعض الدول العربية والاوروبية لاعادة هذا التعاون، موضحا "قلنا انه ليس لدينا أي اعتراض طالما انها تمر عبر طرف ثالث. والآن تلك الاطراف العربية وغير العربية ذهبت لتسأل الجانب الاميركي ماذا يريد من سوريا. حتى الآن لا جواب".

وعن شروطه لمساعدة الولايات المتحدة في العراق، قال الاسد "ليس لدينا اي مشكلة، وقلنا ذلك علنا. يتكلمون عن استقرار العراق، ولدينا مصلحة في استقراره، ولدينا مصلحة مباشرة في عراق موحد... ولدينا مصلحة في دعم المسيرة السياسية لان ذلك يساعد على الاستقرار، اذاً، ليس هناك اي اختلافات. لا نعرف ماذا يريدون، ولا يعرفون ماذا يريدون".

وردا على سؤال عما اذا كانت واشنطن قد قصفت "ملاذات آمنة" للمسلحين داخل سوريا، اجاب الاسد "كلا". وفي حال اقدمت الولايات المتحدة على ذلك فماذا سيكون الرد السوري؟ "سنتعامل مع كل حالة في وقتها، ولا استطيع الدخول في مسألة افتراضية الآن. لا وجود لملاذ آمن او مخيمات (داخل سوريا) كي تقصف".

سئل الاسد حول دعم والده الرئيس الراحل حافظ الاسد للرئيس جورج بوش الاب في حربه لتحرير الكويت من الغزو العراقي، ورفضه هو دعم غزو العراق، فأجاب أن "الرئيس حافظ الأسد لم يؤيد الرئيس بوش الأب بل أيد تحرير الكويت، وأنا هنا لا أؤيد الرئيس بوش الابن أو أعارضه، وإنما أعارض الحرب لاحتلال العراق". وقال "لا نعرف ماذا تريد أميركا، وكنا دائماً على استعداد لمساعدتها في العراق" معتبرا "أن المشكلة مع سوريا مشكلة سياسية وليست مشكلة حدود مع العراق".

واعرب الاسد عن خشيته من اندلاع حرب اهلية في العراق. وقال "عندما تكون هناك فوضى، فإن التربة ستكون خصبة (لحرب اهلية)... لا يمكن تحقيق الاستقرار ومنع الحرب الاهلية من دون مسيرة سياسية... نؤيد العراق بطريقة تختلف عن تلك التي يراها الاميركيون".

التعليقات