بشارة يفتت مقولة "اسرائيل واحة الدمقراطية" في معرض بيروت للكتاب

"لبنانيون من شتى المشارب أنصتوا، بفرح غامر، لهذا المكافح في سبيل حرية شعبه. وفلسطينيون من القدس وترشيحا وسحماتا ويافا والناصرة وحيفا وبعض بقاع الجليل الأخضر تحلقوا حوله"

بشارة يفتت مقولة
لم تتسع المقاعد أمس للحضور الكثيف الذي حضر الى قاعة المؤتمرات في معرض بيروت العربي الدولي للكتاب رغم انشغال نهار الشارع اللبناني بوداع الشهيد جبران تويني ومتابعة نتائج الحدث العاصف.

القاعة استقبلت عزمي بشارة بالتصفيق وقاطعته بمثله في الكثير من محطات حديثه الذي لم يخض في تفاصيل الوضع اللبناني المتفجر "للحساسية المفرطة التي تمر بها اللحظة السياسية اللبنانية الداخلية".

عزمي بشارة الغاضب على استسلام زعماء العرب غير المبرر في وجه الدولة الصهيونية، فتّت مقولة "إسرائيل واحة الديموقراطية في الشرق الأوسط"، ولم يوفر من سهامه المثقفين العرب المعجبين بالديموقراطية إياها. اضحك جمهوره بانتقاداته اللاذعة الحذقة، هو الذي يعلم أكثر من غيره ان شر البلية ما يضحك. كان يشرح بصوت هادئ، يعطي الحجج والبراهين ليعود فيثور على من يسكتون عن الحق ويرضخون بسهولة، وفي كل هذا ظل استثناء: استثناء بين عرب ال48، واستثناء بين 120 نائبا في الكنيست، بقي يرفض "تمنين" الاسرائيليين بالسماح له بقول كل ما يريد داخل الكنيست، متبجحين وساخرين من ديموقراطية مفقودة في العالم العربي. وبقي يجيبهم: "أعطوني فلسطين وخذوا ديموقراطيتكم"، وأصر في محطات كثيرة على فكرة من "يبطّل" عربيا يصبح مسيحيا او مسلما او...".

بشارة تحدث ايضا عن الدروز في فلسطين وحق العودة، وبقي الجمهور متابعا يريد طرح المزيد من الأسئلة لولا الوقت الضاغط الذي مدّد أكثر من عشرين دقيقة.

ظاهرة متفردة

بداية اللقاء كانت مع دقيقة صمت حدادا على شهداء لبنان وفلسطين، بعدها قدم الزميل صقر أبو فخر اللقاء منطلقا من فقدان الصحافة اللبنانية لتويني: "في هذا اليوم الذي كسر فيه قلم تويني فقدت الصحافة كبار محرريها" عرّف بعدها عن عزمي بشارة بكثير من المحبة بأنه "مثقف دارس للسياسة ومناضل يساري قومي ديموقراطي مشاكس" وتابع: "هو ظاهرة متفردة بين فلسطينيي 48 لم يسبق ان شهد الوسط العربي في فلسطين المحتلة شخصية مثيرة للجدل مثلها"، لافتا الى ان بشارة لم يستند الى سند عائلي او طائفي في مسيرته.

وتابع أبو فخر: "قصته هي نفسها قصة الفلسطينيين الذين شهدوا كيف تسربت فلسطين منهم، جمع القانون الى الفلسفة الى علم النفس الى النضال السياسي ثم درّس في جامعة بيرزيت ومنذ العام 1996 شغل مقعدا في الكنيست حيث يدافع عن العدالة الاجتماعية ويناضل لحق الشعوب العربية والفلسطينيين"، وأكمل: "هو أحد مؤسسي المعهد الفلسطيني للدراسات الديموقراطية، وروائي فاز بجائزة "ابن رشد للفكر الحر".

عزمي بشارة بدأ كلمته بتقديم العزاء لغسان تويني، وقال: شرف لي أن أحل ضيفا على النادي الثقافي العربي لكنه شرف مسته فاجعة وجريمة نكراء تتمثل باغتيال مثقف ورئيس تحرير، أتقدم باسمي وباسمكم بالعزاء من غسان تويني و"النهار" متمنين طول العمر للصحافيين، وان تأخذ العدالة مجراها.

وانطلق بعدها الحديث عن الديموقراطية التي باتت تقليعة تشبه الحديث عن القومية العربية في الخمسينيات، محذرا من أن تفقد قيمتها لكثرة ما تصور على أنها حل سحري، معتبرا ان "المشكلة" تتمثل بمليون ومئتي ألف فلسطيني بقوا داخل الخط الأخضر "لا هم خونة ولا أبطال، ولا هم مناضلون ولا هم خانوا الأمانة، ولا هم جبناء ولا شجعان، هم من الشعب، ولكن ما يميزهم عن الفلسطينيين أنهم يتجولون بجنسية إسرائيلية مفروضة كجزء من مستلزمات البقاء على أرض الوطن، والتعامل مع الحصول على الجنسية كخيانة أو عدمها كلام مثل أي كلام في العالم العربي".

الوعي القومي

ولفت بشارة الى ان منهج المؤرخين الصهاينة الجدد هو نفسه، ولم يقدموا شيئا جديدا سوى انفتاح الأرشيف البريطاني أمامهم، متوقفا عند اعتبار دافيد بن غوريون "المثقف الكبير والخصم المهم والمؤرخ الأدق"، ان إبقاء بعض العرب في الداخل خطأ تاريخي، لأنه كان يستطيع أن يرى الى المدى البعيد، واجدا في خطاب الزعماء الذين يتحدثون عن "رحم المرأة الفلسطينية كسلاح دمار شامل" خطابا عنصريا عاجزا، فيه تمييز ضد المرأة وفهم قاصر لحقيقة المعضلة الديموغرافية التي ستواجهها إسرائيل بوجود غالبية عربية في دولة تشدد على أنها يهودية، معتبرا ان محاولات إسرائيل إقناع الدروز بأنهم ليسوا عربا، ومحاولات فصل المسيحيين على حدة والفلسطينيين على حدة، ليست مسألة طائفية بل هي ضرب للوعي القومي بحيث يصبح كل شيء قابلا للاحتراق، "فالصراع ليس ديموغرافيا بل قومياً".

وشدد بشارة على فكرة التناقض الحقيقي بين الصهيونية والمواطنة، لافتا الى أن لا أحد كتب عن الاستشراق الصهيوني الذي يهدف الى القول ان العرب ليسوا قومية، مشيرا الى ما حدث في العراق وانصراف عشرات مراكز الأبحاث وتسخير مئات الملايين من الدولارات لهذا الهدف، "فما دام هناك غياب للقومية يسهل تحويل العرب الى غبار انساني بالضبط كما يفعل الاستعمار مع الهنود الحمر"، واعتبر بشارة ان اليهود كلهم من دون استثناء مهتمون بكيفية التوفيق بين وجود كمّ من العرب ووجود إسرائيل كدولة يهودية دينية"، مؤكدا على التمييز الواضح الذي يطال حتى التسميات حيث يترأس شارون لجنة وحيدة لشؤون "غير اليهود" رافضا تحميل العرب وزر تأنيب الضمير الأوروبي وتاريخه فـ"إسرائيل أكبر جريمة سطو تمت في وضح نهار القرن العشرين، وأكبر قادة الصهاينة علمانية لم ينجحوا في طرح برنامج يفصل الدين عن الدولة أو خصخصة القرار الديني كما يقول التعبير السوسيولوجي، وإسرائيل حالة تتمنى لو عممت كنموذج، بحيث انه لا يمكن فصل الانتماء القومي عن الآخر الديني الذي هو معيار الحصول على المواطنة".

التشكل والذوبان السريع للأحزاب في الآونة الأخيرة واستمرار فعاليتها في إسرائيل، وجد فيها بشارة دليلا آخر على نقيض الديموقراطية وحضور القبلية "الصمغ اللاصق الذي يمنع المجتمع من الانقسام".

كما ان استعداد بعض زعماء العرب للاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية وجد فيه بشارة عمليا القول بأن لا حق بالعودة وتوجه إليهم بالقول: "إذا كنتم تريدون الاستسلام يا زعماء العرب، فلا تفرضوا الاستسلام علينا".

وختم عزمي بشارة: "لن أعترف أبدا بالصهيونية حتى ولو فعل كل العرب، لن نتخلى عن فلسطين ونحن وإياهم والزمن طويل".
عزمي بشارة: لسنا أبطالاً ولا خونة

كان من الممكن ان يمتد الكلام مع عزمي بشارة الى أبعد من منتصف الليل. فالأسئلة كثيرة جدا، والأفكار والآراء والمواقف التي تزاحمت في المحاضرة التي ألقاها أمس في معرض بيروت العربي والدولي للكتاب حوّلت المكان الذي ضاق بالناس، وفاض عن سعته واتساعه، الى احتفال بهي بالمفكر والسياسي والمناضل الآتي من الناصرة.

لبنانيون من شتى المشارب أنصتوا، بفرح غامر، لهذا المكافح في سبيل حرية شعبه. وفلسطينيون من القدس وترشيحا وسحماتا ويافا والناصرة وحيفا وبعض بقاع الجليل الأخضر تحلقوا حوله في نهاية المحاضرة ليتشمموا فيه عطر الجليل، ويحملوه رسائل القلب الى ذويهم في الديار الدامعة.

قال عزمي بشارة كلاما قاسيا وشجاعا معا: "لسنا أبطالا ولسنا خونة".

هكذا تكلم عزمي بشارة وتساءل:"لماذا يقدمون لسيلفان شالوم منزلا في أحد البلدان العربية بينما يدمر جيشه مئات المنازل في فلسطين يوميا؟".

ولعل بيروت التي أثخنتها الجراح طويلا وجدت في مجيئه ما يعيد الثقة اليها كعاصمة حقيقية للثقافة والحرية معا. وتلك النخب التي استمعت اليه البارحة طوال ساعتين كان لسان حالها يردد: "اذا كنا نودع شهداء للحرية، فها نحن نستقبل ايضا مناضلا فلسطينيا في سبيل الحرية ايضا". صيدا "السفير"

زار النائب العربي في الكنيست الاسرائيلي عزمي بشارة رئيس التنظيم الشعبي الناصري النائب اسامة سعد، وبحث معه في الاوضاع على الساحتين الاقليمية والدولية.

واثر اللقاء ادلى بشارة بتصريح اعتبر فيه ان الحالة الاسرائيلية اليوم تعيش اجواء انتخابات برلمانية، والسياسات الشارونية مستمرة في التصعيد، متوقعا ان تتصاعد سياسة الاغتيالات، وأشار الى ان السياسة الاسرائيلية لن تتغير ونوايا شارون لم تتغير هي ايضا، سوى ان هناك اعادة اصطفاف حزبي جديد.

وعن الوضع الجديد للكنيست الاسرائيلي في ضوء الحزب الجديد لشارون، قال: ان حزب "كاديما" هو عبارة عن نسخة جديدة من حزب الليكود، من دون تغيير في المواقف السياسية عند شارون منذ الانتفاضة الفلسطينية الاولى، فالليكود كما نعرفه هو الان بقيادة شارون، لكن باتت لديه تسمية جديدة، وقد يكون هو الحزب الذي يركب الحكومة بعد الانتخابات.

أما سعد، فرحب ببشارة الذي هو من الشخصيات العربية البارزة التي نعتز بمواقفها، والحريصة دوما على وحدة الموقف العربي وعلى المعالجة الحكيمة والواعية لملف العلاقات اللبنانية الفلسطينية، وهو له على الدوام دور ايجابي في هذا الاتجاه.

التعليقات