تواصل الاشتباكات في مخيم نهر البارد وسط تحذيرات من "الفوضى الخلاقة"..

الأوضاع الإنسانية في المخيم مأساوية للغاية بسبب نقص المواد الأساسية والإسعافات الطبية وانقطاع الكهرباء ومياه الشرب * تشابه في ظروف انفجاري الأشرفية وفرادان

تواصل الاشتباكات في مخيم نهر البارد وسط تحذيرات من
تجددت المواجهات عند الفجر حيث يقصف الجيش اللبناني مواقع يقول إنها لفتح الإسلام بالمدفعية الثقيلة والدبابات.

وعُدّ فجر اليوم بأنه الأعنف خلال ثلاثة أيام من مواجهات بين الجانبين سقط فيها نحو ثمانين قتيلا و150 جريحا، في حين لم يعرف عدد المدنيين الذين سقطوا في المخيم بالتحديد.

لكن مفتي فلسطينيي لبنان والشتات الشيخ سليم اللبابيدي قال إن أكثر من مئة قتيل وجريح مدني سقطوا في مخيم نهر البارد، فيما أشار شهود عيان إلى وجود العديد من الجثث والجرحى في طرقات المخيم وتحت الأنقاض لا يمكن الوصول إليهم.

ووصف شهود عيان من داخل المخيم الذي يؤوي ثلاثين ألف فلسطيني الأوضاع الإنسانية هناك بأنها مأساوية للغاية بسبب نقص المواد الأساسية والإسعافات الطبية وانقطاع الكهرباء ومياه الشرب.

وكان قد هز منطقة فردان، قرابة الساعة العاشرة وأربعين دقيقة من مساء أمس، انفجار بين مبنيي الربيع و"نور الحياة" مقابل المركز الثقافي الروسي ناجم عن عبوة، يعتقد أنها كانت مزروعة في سيارة أو بالقرب منها عند مدخل مبنى تجاري. وخلّف الانفجار الذي سمع دويّه في مختلف أحياء العاصمة، سقوط نحو عشرة أشخاص إصاباتهم طفيفة، و أضراراً جسيمة في الممتلكات الخاصة والعامة.

وبناءً على المعطيات الأولية، يمكن تسجيل ثلاث خصوصيات تجمع بين الجهة الجرمية التي وضعت عبوة الأشرفية أول من أمس وعبوة فردان: أوّلاً، تتزامن العبوتان بفارق يوم واحد وبتوقيت مسائي. ثانياً، العبوتان استهدفتا مركزين تجاريين يقعان في حيّين سكنيّين يقطن فيهما مواطنون من الطبقة الوسطى والغنية عموماً. ثالثاً، إنّ زنة العبوّتين تبدو نفسها، أي حوالى 20 إلى 25 كيلوغراماً من مادة ت.ن.ت. أو ما يعادلها.

تجدر الإشارة إلى أنّ العبوتين وضعتا في منطقتين فيهما العديد من كاميرات المراقبة، ما يشير إمّا إلى عدم تنبّه واضعي العبوتين للكاميرات لعدم معرفتهم بالمنطقة، أو لاستخدامهم أساليب تمويه متطوّرة.

إلى ذلك فإنه من الافت للانتباه أن مراجع أمنية وعسكرية لبنانية وضعت انفجاري الأشرفية وفردان في خانة واحدة مع أحداث طرابلس ونهر البارد، وقالت إنها تملك معلومات بأن مجموعة «فتح الإسلام» وبعض المجموعات المتصلة بها بشكل أو بآخر، اتخذت قرارا بتوسيع رقعة المواجهة بحيث تضرب في كل نقطة تصل إليها، من دون استبعاد أي منطقة أو هدف، وذلك بقصد ترويع المدنيين. ولم تستبعد اللجوء إلى انتحاريين، خاصة أنها تملك معلومات بأن كل عناصر هذه المجموعات تدربوا وتمت تعبئتهم على أساس عدم تسليم أنفسهم تحت أي ظرف كان، إلا جثثا هامدة، كما حصل مع الانتحاريين الذين فجّروا أنفسهم، في الزاهرية وشارع المئتين.
وقالت مصادر عسكرية وأمنية لبنانية لـ«السفير» إن الجيش اللبناني وقادة قوى الأمن الداخلي كانوا يرصدون منذ شهور تنامي ظاهرة «فتح الإسلام»، المتصلة بشكل أو بآخر بمجموعات «القاعدة»، خاصة أن زعيمها شاكر العبسي كان في السابق مساعدا لأبي مصعب الزرقاوي وهو مطلوب للسلطات الأردنية وصادرة بحقه أحكام بالإعدام.

وأشارت المصادر إلى أنه منذ أكثر من شهر، بدأت القوى العسكرية والأمنية ترصد تمددا ملحوظا لـ«فتح الإسلام» من داخل مخيم نهر البارد نحو تخومه وذلك بقصد محاولة الإمساك بالطريق الدولية في منطقة العبدة، وأن حركة «فتح»، ردّت بتوسيع انتشارها أيضا كي تحول دون أي محاولة من «فتح الإسلام» لإحكام الطوق على نهر البارد، وقد استدعى ذلك تدخلا عسكريا وأمنيا مع عدد من القيادات الإسلامية في المخيم وخارجه، من أجل إقناع الطرفين بالانكفاء إلى داخل المخيم، وطلب من عناصر «فتح الإسلام» المطلوبين في بعض القضايا ومنها عين علق تسليم أنفسهم على أن تضمن لهم قيادات سياسية وعسكرية وأمنية محاكمة عادلة أمام القضاء اللبناني، لكن كل الجهود باءت بالفشل.

وأضافت المصادر أن الجيش وقوى الأمن ركّزا جهودهما في أعقاب توقيف مجموعة عين علق، في شهر آذار الماضي، على مطاردة بعض المجموعات، ونجح الجيش بتوقيف 12 عضوا في إحدى الشبكات فيما أوقفت شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي 4 عناصر.

ونفت المصادر العسكرية وجود أي قرار سياسي أو عسكري باقتحام المخيم، «وكل ما يجري هو محاولة استدراج للجيش من جهة وتحويل أبناء المخيم إلى أكياس رمل من جهة أخرى، وبالتالي تقديم مشهد للرأي العام بأن الجيش يقوم بالقصف عشوائيا على المدنيين».

وقالت المصادر العسكرية إن الجيش اللبناني ليس في وارد التفاوض مع هذه المجموعة، وكل ما نريده هو تسليم من غدروا بالجيش ومحاصرة واستئصال هذه الظاهرة التي لا تمت بصلة إلى الشعبين اللبناني أو الفلسطيني، وقرار قيادة الجيش واضح، الآن، وسابقا، برفض زج وتوريط الجيش في أي عملية ضد المخيمات، تكون نتيجتها تكرار «حرب المخيمات».

ودعت المصادر الفصائل الفلسطينية الحريصة على السلم الأهلي اللبناني والشعب الفلسطيني إلى تحمل مسؤولياتها عبر تطويق هذه المجموعة وعزلها ومنعها من استمرار مسلسلها الانتحاري. وحذرت المصادر من محاولة بعض القوى الفلسطينية داخل المخيم تزويد «فتح الإسلام» بالأسلحة والذخائر.

وفيما كانت تُبذل مساع من قبل قوى وشخصيات لبنانية وفلسطينية لإقناع شاكر العبسي بتسليم المجموعة أسلحتها، تمهيدا للبدء بصياغة مخرج مشرف يستنقذ الجيش اللبناني والمخيم، أفاد مراسلو «السفير» في الشمال أن أكثر من محاولة لوقف النار سقطت طوال نهار وليل أمس جراء قرار اتخذته حركة «فتح الإسلام» بعدم التجاوب مع أي طرح يؤدي إلى نزع سلاحها.

وبحسب مصادر فلسطينية متابعة، فإن الفصائل الفلسطينية كانت قد وضعت صيغة تنص على الآتي: وقف إطلاق النار، إدخال المواد التموينية والغذائية والطبية والمحروقات إلى المخيم، إخلاء الجرحى ودفن القتلى، العمل على نشر عناصر من الفصائل الفلسطينية كافة في المخيم وتحديدا في مناطق المواجهات وتشكيل لجنة لمتابعة الأمر مع السلطات اللبنانية وصولا إلى إخراج ظاهرة «فتح الإسلام» من المخيم.

وقد بُذلت جهود كبيرة لمحاولة تأمين الظروف المناسبة لاستصدار قرار ينيط بفصائل فلسطينية مهمة إبعاد مسلحي «فتح الإسلام» عن حدود المخيم ومن ثم تجميعهم في أماكن محددة، من دون حصول اقتتال فلسطيني ـ فلسطيني داخل المخيم، ويصبح المخيم تحت إشراف مرجعية فلسطينية واحدة.

وكشفت مصادر أمنية لبنانية رفيعة المستوى لـ«السفير» انه سقط لـ«فتح الإسلام»، خلال مواجهات اليومين الماضيين، أكثر من خمسة وعشرين قتيلا، بينهم 17 قتيلا في طرابلس وحدها، معظمهم من اللبنانيين، وبعضهم قام بتفجير نفسه، فيما كانت القوى الأمنية والعسكرية تشن حملة مطاردات أفضت إلى توقيف حوالي مئة من المشتبه فيهم، تبين حتى الآن، أن حوالي العشرين منهم، ينتمون إلى «فتح الإسلام» بينهم أشخاص من جنسيات خليجية ومغربية وتونسية وجزائرية وسورية ولبنانية، بالإضافة إلى قلة فلسطينية.

وقالت المصادر إن بعض الوثائق أظهرت بما لا يقبل الشك أن المجموعة مرتبطة بجهات خارجية وخاصة بتنظيم «القاعدة»، وهذا ما يفسر التمويل والتسليح والتدريب والتجهيز والتقنيات المتطورة للاتصالات والتفجير، و«بالتالي فإننا كنا أمام خيار استراتيجي بالانقضاض على هذه المجموعة لأنها لو تمكنت من تنفيذ مخططها، لكنا وجدنا أنفسنا أمام عراق جديد في جونية وبيروت وكل المناطق اللبنانية خلال أقل من شهر».

يذكر أن التوتر بلغ ذروته في منطقة تعمير ومخيم عين الحلوة ليل أمس، في ضوء معلومات تم تداولها على لسان أكثر من مسؤول فلسطيني في المخيم من أن «فتح الإسلام» أجرت اتصالات بعناصر من «جند الشام» في تعمير عين الحلوة وطلبت إليهم فتح جبهة من جهة التعمير التحتاني حيث يوجد آخر حاجز للجيش اللبناني.

ومن جهتها كتبت صحيفة "الأخبار" أن الجيش تمسك بقراره عدم الدخول الى المخيم، برغم ضغوط قوى من 14 آذار ومن قادة فلسطينيين مؤيدين للرئيس محمود عباس. وأجريت مشاورات موسعة لكن دون التوصل الى قرار، علماً بأن مصادر عسكرية رفيعة لم تنف نهائياً احتمال القبول بوقف لإطلاق النار شرط توافر ضمانات كاملة وأكيدة بكبح جماح المسلحين وتسليم أنفسهم الى السلطات القضائية والعسكرية سريعاً. وعلى القوى الفلسطينية الحريصة على عدم توسع المواجهات العمل على إنجاز هذا الأمر سريعاً.

وقال مصدر رفيع لـ«الأخبار» إن الجميع يعيش الآن «مأزق ما يحصل، فلا الجيش قادر على الحسم ولا هو راغب في معركة مفتوحة، ولكنه غير قادر أيضاً على القبول بوساطات مع مجموعة إرهابية تواصل الاعتداء عليه. كذلك فإن السنيورة يرفض وقف العمليات العسكرية قبل الإجهاز على هذه المجموعة، وهو غير قادر في الوقت نفسه على تحمّل مسؤولية أي قرار من شأنه توريط البلاد في مزيد من المواجهات مع تزايد الاحتمالات باستعداد قوى متعاطفة مع فتح الإسلام وموجودة في أكثر من مخيم فلسطيني لفتح جبهات جديدة، وسط هبوط مريع في صدقية الأجهزة الأمنية خلال عرضها لما تملكه من معطيات عن قدرات هؤلاء المسلحين، وخصوصاً بعد فضيحة طرابلس أول من أمس، وتلقي الاجهزة تحذيرات جديدة من احتمال توسع أعمال التفجير كما حصل في الأشرفية وفردان".

ووسط هذه الاجواء كانت فصائل فلسطينية ورجال دين يحاولون التوسط لأجل إدخال فرق الصليب الاحمر والدفاع المدني الى مخيم نهر البارد والتوصل في الوقت نفسه الى تفاهم على وقف إطلاق النار، ولكن المحاولات ووجهت برفض السلطات اللبنانية وقف النار ورفض أي تفاهم مع المجموعة المسلحة من جهة، وبنقص حاد في آليات التواصل والثقة بين الفصائل الفلسطينية نفسها وبين المسلحين.

لكن المواجهات تواصلت وعلم أنه تم تدمير جزء من مقر قيادة شاكر العبسي الأمر الذي أجبره على الانتقال الى مركز «صامد» داخل المخيم، وأن عدداً من القياديين المساعدين قد أصيبوا بجروح خطرة ومنهم «أبو مدين» نائب العبسي للعمليات و«أبو علي» المسؤول عن الإمداد ونقلا الى مستوصف فلسطيني في عمق المخيم، كما أصيب قائد إحدى المجموعات المسلحة وهو شهاب خضر قدور الملقب بـ«أبو جريرة».إلى ذلك تجدر الإشارة إلى أن وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، كان قد أوضح يوم أمس، الإثنين، أن وزارة الداخلية السورية، منذ بضعة أسابيع عندما حدث تفجير في لبنان (عين علق)، أصدرت بيانا ووثائق عن قادة فتح الإسلام، أن القوات السورية تلاحقهم حتى من خلال الإنتربول.

وقال: "إننا نرفض هذا التنظيم. إنه لا يخدم قضية الشعب الفلسطيني، ولا يستهدف تحرير فلسطين».

التعليقات