مجلس الأمن يقرّ المحكمة الدولية بقرار رقم 1757 وواشنطن ولندن تحمّلان برّي المسؤولية

-

مجلس الأمن يقرّ المحكمة الدولية بقرار رقم 1757 وواشنطن ولندن تحمّلان برّي المسؤولية
على وقع احتفالات عمّت قسماً من اللبنانيين، وحال من الحذر والترقب اجتاحت البعض الآخر، في ظل تساؤلات وشكوك في شأن المرحلة المقبلة، أقر مجلس الأمن الدولي أمس المحكمة الدولية الخاصة بمحاسبة قتلة الرئيس رفيق الحريري، بغالبية عشرة أصوات من أصل 15 وامتناع خمسة، وذلك في خطوة تاريخية لا سابق لها إلا ما حدث من مجازر وتطهير عرقي في يوغوسلافيا السابقة ورواندا.

وهكذا، وبعدما أصبحت الحدود الجنوبية للبنان تحت وصاية الأمم المتحدة، بفعل قرار سابق صدر عن مجلس الأمن، وتوسيع مهامها نحو الحدود الشمالية والشرقية ينتظر قراراً آخر، وفيما الاقتصاد اللبناني وتنفيذ تعهدات مؤتمري باريس 2 و3 رهن شروط المؤسسات الدولية، وبرامج تنمية الوزارات والإصلاح الإداري خاضعة لممثل الأمم المتحدة في بيروت غير بيدرسون، جاء القرار الدولي الجديد ليعلن، من خلال أعلى سلطة دولية، عدم صلاحية المؤسسات اللبنانية بكل فروعها، التشريعية والتنفيذية والقضائية. وإذا كان حسم معركة نهر البارد يتطلب جسراً جوياً لنقل المساعدات والدعم العسكري، فماذا بقي للإقرار بأن لبنان بات كله تحت الوصاية الدولية؟

وامتنعت عن التصويت على القرار، الذي حمل الرقم 1757، كل من روسيا والصين وقطر وجنوب أفريقيا وأندونيسيا، التي تمثل غالبية سكان العالم. فقطر تمثل المجموعة العربية، وأندونيسيا تمثل المجموعة الإسلامية، وجنوب أفريقيا تمثل مجموعة عدم الانحياز، والصين وروسيا دولتان كبريان تتمتعان بحق النقض، عدا عن ثقلهما السكاني الهائل.النائب سعد الحريري يتلو الفاتحة عن روح والده (باتريك باز - أ ف ب)
ويقضي القرار بإنشاء المحكمة بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ابتداءً من العاشر من حزيران المقبل، إذا لم يقرّها مجلس النواب اللبناني قبل هذا التاريخ. وسيحدد مقر المحكمة وطرق تمويلها مع الدولة اللبنانية وغيرها في وقت لاحق.

ودخل الوفد اللبناني، بقيادة وزير الثقافة طارق متري، إلى الاجتماع مصحوباً بنائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري ومحمد شطح وأمل مدللي وأعضاء البعثة اللبنانية، وقد بدوا منشرحين، بينما كانت خمس دول في مجلس الأمن تسجل قلقها الشديد من عواقب هذا التفرد الذي يهدّد مستقبل الاستقرار في لبنان.

ورأى المندوب الصيني لدى مجلس الأمن غوانغ غوافا أن اللبنانيين منقسمون حول هذا الشأن، «فلماذا لا نقلق على مضاعفات قرار كهذا؟»، وأعلن امتناع بلاده عن التصويت.
أما المندوب الروسي، فيتالي تشوركين، فأعلن من جهته دعم بلاده للقرار لكنه رأى أنه «غير متوازن» وحذر من عواقبه على المنطقة بكاملها، مشيراً إلى أن هذا القرار ينال من سيادة لبنان. وأوضح أن «الفصل السابع استخدم في محكمتي يوغوسلافيا ورواندا، حيث كانت هناك مذابح في مستوى مجازر عالمية. وهذا لا ينطبق على الوضع في لبنان. المجلس تجاهل رسالة (الرئيس إميل) لحود وبنى على رسالة (الرئيس فؤاد) السنيورة. وعليه فإن القرار منحاز»، معلناً امتناع وفده عن التصويت.

وقال تشوركين، بعد الجلسة، «لم نستخدم الفيتو رغم تحفظاتنا لكي لا نلام على وقف إنشاء المحكمة».
كذلك، وصف المندوب القطري ناصر عبد العزيز الناصر القرار بأنه «خرق قانوني ويمكن أن يعقّد الأمور في دولة في حاجة ماسة إلى تماسك في هذا الظرف». وأكد دعم بلاده لإنشاء المحكمة «لكن اعتمادها بموجب الفصل السابع، يخرق الهدف الحقيقي من المحكمة ويمكن أن يعقد الوضع في لبنان. والفصل السابع لن يؤمن الاستقرار في هذه الدولة. نواصل دعمنا للوحدة اللبنانية».
وتقدم مندوب اندونيسيا حسن كليب بطرح مماثل، رافضاً تأييد المحكمة ومشدداً على أهمية الوحدة اللبنانية.

وقال مندوب جنوب أفريقيا دوميساني كومالو إن هناك إجماعاً على ضرورة العدالة وإقامة محكمة عادلة من أعلى المواصفات، لكن «لا يجوز فرض المحكمة بموجب الفصل السابع. ولا يحق للمجلس تجاهل الدستور اللبناني، ووحدة لبنان». وأضاف «لا يجوز للمجلس أخذ موقف من النزاع الداخلي اللبناني، وهذا الموقف يؤثر سلباً على استقرار لبنان ويتعارض مع ركائز القانون الدولي».
وعلمت «الأخبار» أن المندوب الفرنسي جان مارك دو لا سابليير قال لمندوب جنوب أفريقيا، خلال سجال بينهما، «نحن صنعنا لبنان».

أما مندوبو الدول المؤيدة لإقرار المحكمة، من خارج آلية النظام الدستوري اللبناني، فقد ألقوا كلمات رأوا فيها أنها ضرورة ملحة لدعم العدالة والاستقرار في لبنان والمنطقة، وأنها جاءت تجاوباً مع تطلعات الحكومة الديموقراطية اللبنانية ومن تمثلهم من الشعب اللبناني.

وكان المندوب البريطاني أمير جونز باري قد حرص، قبيل الجلسة، على تبرير تولي مجلس الأمن دوراً كان يخص مجلس النواب اللبناني، وقال، في تبسيط لافت للأمور، «لم يحدث في أي مكان آخر من العالم أن مأموراً في برلمان دولة وحده يعصي توصيات حكومته ويعطل البرلمان كما فعل رئيس مجلس النواب اللبناني» نبيه بري. وأضاف أن مجلس الأمن «يبعث إلى اللبنانيين برسالة سياسة سليمة عندما يصوّت على إنشاء المحكمة، رسالة تقول إن الأمم المتحدة تدعم الشعب الذي يريد تطبيق العدالة».

وقال باري، رداً على المندوب الروسي الذي استنكر إبرام مجلس الأمن للمحكمة نيابة عن مجلس النواب اللبناني، «إنها معاهدة بين الأمم المتحدة ولبنان، كنا نفضل لو أن (الإبرام) تم في لبنان. والمجلس، حسب رأينا، في حاجة لأن يتولى مسؤولياته بحيث يتحقق حل في لبنان». واعتبر أن الخطوة «ممكنة قانوناً، وواجبة أخلاقياً، ولبنان في واقعه الحالي يستحق دعمنا».

ولم يجد باري تأييد تسعة أصوات أو عشرة ضعيفاً. ورفض أن يكون القرار تدخلاً في الشأن اللبناني، ذلك «أن سوريا تعرف أكثر عن التدخل في لبنان مني».

بدوره، حرص المندوب الأميركي زلماي خليل زاد، الذي تتولى بلاده رئاسة مجلس الأمن لشهر أيار، على تحميل الرئيس بري المسؤولية عن عدم عقد جلسة نيابية لإبرام قانون المحكمة. وقال «كنا نود لو أن رئيس البرلمان عقد جلسة لإبرام المعاهدة، ولا يزال هناك متسع من الوقت لذلك بموجب المهلة المتاحة في القرار».

وإذا لم يبرم لبنان المعاهدة قبل العاشر من حزيران المقبل، فإن مجلس الأمن، بحسب القرار، سيبرمها من جانب واحد نيابة عن الدولة اللبنانية، أسوة بما فعل في رواندا ويوغوسلافيا، وتصبح المحكمة أمراً واقعاً يستطيع المجلس أن يمنح تنفيذها دعماً عسكرياً عند أي تمرد على قراراتها أو مذكرات الجلب التي تصدرها. ولقد عبّر زاد عن ذلك بتحذير سوريا من زيادة الضغوط.

وعلق المندوب السوري بشار الجعفري على القرار قائلاً إنه «خطير ويؤسّس لمرحلة من عدم الاستقرار في المنطقة». وأضاف إن «العملية هذه تفتح الباب على مصراعيه لاستمرار استهداف المنطقة واستقرارها»، مشدداً على أن «سوريا لا تتدخل في الشأن اللبناني وهذا أمر داخلي. اللبنانيون وحدهم يقررون مصيرهم».

ومن دمشق، نقلت وكالة «سانا» السورية للأنباء عن مصدر إعلامي سوري مسؤول قوله «لا تغيير في الموقف السوري ازاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان». وأضاف إن «إنشاء المحكمة تحت الفصل السابع يعد انتقاصاً من سيادة لبنان، الأمر الذي قد يلحق مزيداً من التردي في الأوضاع على الساحة اللبنانية».

التعليقات