جريمة تاريخية في الموصل: تهجير مئات العائلات المسيحية وإجماع على التصدي لـ"داعش"

فر المئات من المسيحيين من مدينة الموصل العراقية على إثر إنذار وجهه تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) الذي شن هجوما كاسحا على شمال وغرب البلاد.

جريمة تاريخية في الموصل: تهجير مئات العائلات المسيحية وإجماع على التصدي لـ

تصوير: أ ف ب

فر المئات من المسيحيين من مدينة الموصل العراقية على إثر إنذار وجهه تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) الذي شن هجوما كاسحا على شمال وغرب البلاد.
 
وفي الموصل (شمال العراق) التي سقطت منذ الساعات الأولى لهجوم الجهاديين، وجهت رسائل عبر مكبرات الصوت في المساجد الجمعة الماضي إلى المسيحيين بمغادرة المدينة اعتبارا من ظهر السبت بحسب شهود، مع التذكير ببيان "الدولة الإسلامية" والتأكيد على أن من يمتنع عن الخروج سيكون مصيره التصفية.
 
وقالت مصادر عراقية أن 600 عائلة مسيحية غادرت الموصل وبحسب الهلال الأحمر العراقي، فإن 200 عائلة على الأقل هربت من الموصل  أمس السبت.
 
وقال مراسل وكالة فرانس برس في الموصل، مركز ما يسمى بـ"الدولة الإسلامية" في شمال العراق، إنّ المسيحيين من أهالي المدينة هربوا بسيارات خاصة وسيارات أجرة، قبل ظهر أمس.
 
وقال أبو ريان، وهو عراقي مسيحي، غادر للتو المدينة أن "المسلحين سرقوا أموالا ومجوهرات بعض العائلات عند نقاط تفتيش يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية عند خروجهم من الموصل".
 
وانتشر على مواقع على الإنترنت بيان صادر عن "ولاية نينوى" يحمل توقيع "الدولة الإسلامية" وتاريخ الأسبوع الماضي جاء فيه أن هذا التنظيم أراد لقاء قادة المسيحيين حتى يخيرهم بين "الإسلام" أو "عهد الذمة" أي دفع الجزية، مهددا بأنهم "إن أبوا ذلك فليس لهم إلا السيف".
 
ودفعت هذه التهديدات بأهالي المدينة التي تعد بين أقدم المدن التي يعيش فيها المسيحيون العراقيون، إلى الهرب.
 
ورغم التهديدات قرر بعض مسيحيي الموصل البقاء في منازلهم، بينهم أبو فادي وهو مدرس لديه طفل رفض ترك الموصل حتى وإن كلفه ذلك حياته. وقال لوكالة فرانس برس: "نحن ميتون أساسًا إنسانيًا، ولم يبق لدينا سوى هذه الروح، فإذا أرادوا أن يقطعوا هذه الروح، فأنا مستعد لذلك، لكنني لا أغادر مدينتي التي ولدت وتربيت فيها".
 
وأضاف: "فرت 25 عائلة من أقربائي امس (الجمعة) عن طريق تلكيف والحمدانية، لكنهم تعرضوا للسلب ونهبت جميع مقتنياتهم من أموال وذهب وحتى أجهزة الهاتف وحاجياتهم وملابسهم".
 
وكان بطريرك الكلدان في العراق والعالم لويس ساكو قال لفرانس برس مساء الجمعة: "لأول مرة في تاريخ العراق، تفرغ الموصل الآن من المسيحيين"، مضيفًا أن "العائلات المسيحية تنزح باتجاه دهوك واربيل" في إقليم كردستان العراق.
 
وقال ساكو إن مغادرة المسيحيين وعددهم نحو 25 ألف شخص لثاني أكبر مدن العراق التي تضم نحو 30 كنيسة يعود تاريخ بعضها إلى نحو 1500 سنة، جاءت بعدما وزع تنظيم "الدولة الإسلامية" الذي يسيطر على المدينة منذ أكثر من شهر بيانا يطالبهم بتركها.
 
وأعلن يونادام قنا، وهو سياسي عراقي،  "إنه تنظيف عرقي لكن لا يتكلم احد عنه".
 
اتفاق على مواجهة "داعش"
قال القيادي في المجلس العسكري لعشائر العراق، الشيخ عبد الله الشمري، لـموقع صحيفة "العربي الجديد"، إنه "علينا الآن الاعتراف أن لدينا ورماً خبيثاً في ثورتنا التي أردناها ناصعة بيضاء تحمل مظالم وهموماً سبّبها نوري المالكي لنا، لكننا أصبنا بداء داعش كما أصيبت به سورية".
 
وأضاف الشمري: "بينما يقوم مقاتلو الفصائل المسلّحة بعمليات الصد والرد على جيش المالكي ومليشياته ومرتزقة إيران، ينشغل "داعش" بالاستبسال على العُزّل". وتابع: "نحن كعشائر، كنا ولا زلنا نعتبر أنفسنا في الموصل ضيوفاً لدى المسيحيين، فهم أهل الدار".
 
وكشف الشمري عن "اتفاق بين الفصائل المسلحة في الموصل لردع "داعش" عن تدخله في حياة الناس وتركيبتهم الدينية والاجتماعية، أو سيكون لنا رد مختلف تماماً، لأننا نؤمن بشيء اسمه فقه الواقع والشريعة السمحاء، ولم يثبت على المسلمين، منذ عهد النبي عليه الصلاة والسلام وحتى الآن، أنهم طردوا نساءً وأطفالاً ومدنيين عزّل مسيحيين ولا حتى يهود"، مضيفاً "نحن نرفض ذلك، وأردنا طرد المالكي، فجاء داعش وطرد المسيحيين الذين أصابهم الشيء الكثير من طائفية وظلم المالكي".
 
من جانبه، قال عضو اللجنة الوطنية للمصالحة في العراق، زهير الجلبي، خلال مؤتمر صحافي في بغداد، إن "تنظيم داعش خيّر، في وقت سابق، المسيحيين بين إعلان إسلامهم أو دفع الجزية، وهو ما دفعهم إلى النجاة بأنفسهم الى كردستان".
 
وأوضح الجلبي أن "عناصر داعش منعوا المسيحيين من أخذ أي شيء من أموالهم أو ممتلكاتهم"، لافتاً الى أن "مسلحي داعش قاموا بنهب وسرقة تلك الأموال والممتلكات".
 
وأشار الجلبي إلى أن "المسيحيين بدأوا بالفعل بمغادرة الموصل"، داعياً "الجهات المعنية الى الالتفات لما يتعرض له أبناء المكوّن المسيحي من ظلم واعتداء، وإنقاذ هذه الشريحة المهمة".
 
وقال أحد قادة مجلس العشائر العسكري، لـ"العربي الجديد"، إن "تنظيم داعش لديه هدف أكبر وأخطر من طرد المسيحيين، وهو يتوسع بشكل خبيث ويحاول سرقة ما أنجزناه، وهذا يثبت لنا صحة ما ذهبنا إليه من أن هدف "داعش" تشويه الثورات وتأليب العالم، كما فعل في سورية، ومَن يريد إعادة المسيحيين عليه أن يتفاوض مع إيران، فهي الراعي الرسمي لداعش". وأضاف القيادي، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه: "نسعى لمنح داعش مهلة زمنية لبيان موقفه والتراجع عن تصرفاته، وإلا فسيكون لنا موقف منه ونطرده كما طردنا جيش المالكي من قبل".
 
من جانبه، قال النائب عن كتلة "متحدون"، خالد الدليمي، لـ"العربي الجديد": "اتصلنا بعشائر الموصل وأكدوا أن رحيل المسيحيين عن أرضهم سيكون مؤقتاً وهم غير راضين ومستعدين لمواجهة الإرهابيين". وأوضح الدليمي أنه "بات من الضروري التفريق بين عصابات تسيّرها استخبارات دول إقليمية لترسيخ التقسيم وإفشال كل مشروع ضد المالكي، وبين فصائل مسلّحة لديها مطالب يمكن التفاوض معها وحلّها". 
 

التعليقات