سورية: الحرب تدمر إرثا عمره آلاف السنين

طالت الحرب المستمرة منذ أربع سنوات في سورية نحو 300 موقع أثري دمر بعضها ولحقت أضرار ببعضها الآخر في كارثة ثقافية إنسانية لا تعوض، بحسب تقرير للأمم المتحدة.

سورية: الحرب تدمر إرثا عمره آلاف السنين

طالت الحرب المستمرة منذ أربع سنوات في سورية نحو 300 موقع أثري دمر بعضها ولحقت أضرار ببعضها الآخر في كارثة ثقافية إنسانية لا تعوض، بحسب تقرير للأمم المتحدة.

وتعتبر سورية التي مرت عليها حضارات مختلفة من الكنعانيين إلى العثمانيين أقامت في مدنها التي تعتبر بين الأقدم في العالم، متحفا مفتوحا نظرا لما تحويه من آثار تعود إلى حقبات الرومان والبيزنطيين والمماليك وغيرها، إضافة إلى عشرات الكنائس والمساجد والقصور التاريخية.

ويتعرض هذا الإرث الخضم منذ بداية النزاع في منتصف آذار (مارس) 2011 الذي قتل فيه أكثر من 200 ألف شخص، إلى التخريب والتدمير من قبل أطراف النزاع كافة، النظام والمعارضين له والجماعات المتطرفة، وحتى السكان.

وقال التقرير الذي نشره، اليوم الثلاثاء، معهد الأمم المتحدة للتدريب والبحث أن 'مناطق مثل حلب حيث يعود تاريخ السكن فيها إلى سبعة آلاف سنة ودمشق وقلعة الحصن والرقة وتدمر أصيبت بأضرار كبيرة'.

وركز المعهد في بحثه هذا على 18 منطقة في سورية، معتمدا بشكل خاص على صور الأقمار الاصطناعية، حيث تمكن من تحديد الأضرار في 290 موقعا أثريا مختلفا، إذ تعرض 24 منها للتدمير و104 لأضرار جسيمة و85 لأضرار متوسطة و77 لأضرار مختلفة.

ورأى المعهد الذي حصل على مواد التقرير عبر برنامج 'يونوسات' المتخصص بتحليل صور الأقمار الاصطناعية أن 'هذا التحليل هو بمثابة شهادة على خطورة الأضرار التي تصيب الأثار في سورية”، داعيا إلى 'جهود وطنية ودولية لحماية هذه المواقع'.

وقال مدير برنامج 'يونوسات' ارينار بيوجر لوكالة فرانس برس “إنه أمر محزن بالنسبة إلى سورية وبالنسبة إلى العالم. الإنسانية تخسر آلاف السنين من إرثها'.

ومن بين أكثر المواقع رمزية، والمدرجة على لائحة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونيسكو)، المدن القديمة في حلب وبصرى (جنوب) ودمشق. 

وتظهر الصور الصادمة بشكل واضح الأضرار التي لحقت بأربعة من هذه المواقع.

ففي حلب، ثاني مدن سوريا وعاصمتها الاقتصادية التي تعصف بها معارك بين قوات النظام ومعارضيه، دمرت المئذنة السلجوقية للجامع الأموي الكبير الذي يعود تاريخ بنائه إلى القرن الحادي عشر، كما دمر فندق كارلتون الشهير لتحل مكانه فجوة كبيرة.

ولا يسمي التقرير المسؤولين عن هذه الأضرار في حلب، لكن مدير جمعية حماية الآثار السورية شيخموس علي يقول لوكالة فرانس برس إنه 'في كل مرة كان يسيطر فيها النظام أو المعارضين على المسجد، يصعد قناص إلى المئذنة، حتى تعرضت إلى ضربة مدمرة'. ويشير علي إلى أن السوق القديم المسقوف في حلب، وهو السوق المسقوف الأكبر في العالم، أصيب بأضرار جسيمة أيضا.

وفي تدمر التي تشتهر بأعمدتها الرومانية، تظهر الصور طريقا حفر داخل الموقع، ما أدى إلى الحاق الضرر بالعديد من المقابر.

ووفقا لعلي فإن القوات النظامية شقت طريقا 'بطول كيلومترين ويهدف إلى تسهيل سير الدبابات. كما أن الدبابات الأخرى المتمركزة قرب وادي المقابر تجعل المقابر البرجية أكثر هشاشة عندما تطلق قذائفها'.

وتعرض جزء كبير من ضريح أوس القرني والصحابي عمار بن ياسر في مدينة الرقة، معقل داعش، إلى التدمير. وقد اتهمت منظمات غير حكومية التنظيم بالوقوف وراء عملية التدمير هذه على اعتبار أن هذه الجماعة تصف الصوفيين بالمرتدين. ودمر تنظيم الدولة الإسلامية في الحسكة (شمال شرق) تماثيل آشورية، بحسب علي.

كما أن آثار الصالحية المعروفة باسم دورا اوروبوس قرب دير الزور في شرق البلاد 'لم يعد بالإمكان التعرف عليها بسبب أعمال النهب فيها'، وفقا للمعهد إذ سرقت منها تماثيل وأدوات من الفخار وأحجار بيزنطية.

وبحسب جميعة حماية الآثار السورية، تعرضت أيضا مدينة أفاميا التاريخية في وسط سوريا للنهب. وقد جرى حفر نحو 14 ألف موقع فيها بشكل عشوائي، علما أن 18 قطعة فسيفساء تعود إلى هذه المدينة عثر عليها في لبنان. وقد طالت أعمال الحفر العشوائية هذه كذلك مملكة ماري (تل الحريري) في جنوب شرق سورية.

ودمرت في قلعة الحصن قرب حمص بعض الأسقف والواجهات بعدما تحولت هذه القلعة إلى معقل للمعارضة المسلحة، ما جعلها هدفا للقصف من قبل القوات النظامية.

وجرى في موازاة ذلك حفر أنفاق في موقع أبلا (شمال غرب)، أحد أقدم الممالك في سورية.

ويقول علي إن 'الخطر في سورية أكبر من ذلك الذي واجهه العراق، إذ تحولت المواقع (الأثرية) هنا إلى مقرات عسكرية أو ساحات حرب'، بينما أقدم نازحون لجأوا إلى المدن المنسية الأثرية في شمال غرب سورية “إلى تكسير حجارة قديمة من أجل بناء منازل'. وتابع “إنها كارثة وخسارة للإنسانية لا تقدر بثمن'.

التعليقات