عام على تولي سلمان الحكم: تصعيد غير معهود

بعيد وفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز مطلع العام 2015، رجّح السعوديون أن يواصل الملك سلمان سياسة قائمة على مبادئ سلفه نفسها، لكن العاهل السعودي والمحيطين به خصوصا نجله محمد، اتخذوا خطوات وقرارات تمثل اختلافا جذريا مع نمط حكم ساد لعقود.

عام على تولي سلمان الحكم: تصعيد غير معهود

بعيد وفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز مطلع العام 2015، رجّح السعوديون أن يواصل الملك سلمان سياسة قائمة على مبادئ سلفه نفسها، لكن العاهل السعودي والمحيطين به خصوصا نجله محمد، اتخذوا خطوات وقرارات تمثل اختلافا جذريا مع نمط حكم ساد لعقود.

وتسلم الملك سلمان مقاليد الحكم في 23 كانون الثاني/يناير 2015، وهو في التاسعة والسبعين من العمر. بعد ساعات، عيّن نجله الأمير محمد، الذي لم يكن قد أتم عقده الثالث، وزيرًا للدفاع، وسماه بعد أشهر وليا لولّي العهد. وأصبح الأمير الذي يتولى، أيضًا، رئاسة الديوان الملكي، الوجه الأبرز لعهد والده ومقاربته الجديدة للسياستين الداخلية والخارجية.

واعتمدت السعودية منذ بدء عهد الملك سلمان سياسة أكثر جسارة إقليميا، وشرعت في إجراءات اقتصادية جذرية لمواجهة عجز مالي قياسي ناتج عن انخفاض أسعار النفط. كما واجهت تنامي التهديد الجهادي على أرضها، وانتقادات دولية لسجلها في حقوق الإنسان والإعدامات.

ويقول الباحث الزائر في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، آدم بارون، إن "التحول الرئيسي (في عهد سلمان) هو السياسة الخارجية الأكثر حزمًا".

ويضيف "رأينا السعوديين يعتمدون دورًا أكثر صرامة في المنطقة، مدفوعا بشعور بفراغ متزايد في موقع القيادة، وقلقهم من تنامي نفوذ إيران".

وشكل التجاذب مع إيران، الخصم الإقليمي اللدود الذي تتهمه السعودية بـ "التدخل" في شؤون الدول العربية وفق أسس مذهبية، أحد أبرز سمات سنة الحكم الأولى.

ومن المظاهر المباشرة للسياسة السعودية المختلفة وقرارها بمواجهة إيران، قيادتها تحالفًا عربيًا في اليمن، بدأ في آذار/مارس تنفيذ ضربات جوية (عملية أطلقت عليها تسمية "عاصمة الحزم")، ضد الحوثيين القريبين من طهران.

وتتناقض هذه الخطوة مع ما عرف عن "السياسة الهادئة" التي اعتمدها الملك الراحل خلال عهده الذي استمر عشر سنين، خصوصًا في مجال السياسة الخارجية.

ويقول بارون "سيترك التدخل العسكري المستمر في الجار الجنوبي للمملكة (اليمن) أثرًا على شبه الجزيرة العربية لسنوات، إن لم يكن لعقود".

واتخذ التوتر مع إيران أشكالا مختلفة خلال العام، منها اتهام إيران للسعودية "بتقصير تسبَّبَ بتدافع خلال شعائر الحج أودى بزهاء 2300 حاج بينهم مئات الإيرانيين".

وجمعت المملكة أطيافًا مختلفة من المعارضة السورية في كانون الأول/ديسمبر، لحضها على توحيد صفوفها قبل مفاوضات مطلوبة دوليا مع النظام المدعوم من إيران. وفي الشهر نفسه، أعلنت الرياض تشكيل تحالف عسكري إسلامي لا يشمل إيران، بهدف محاربة "الإرهاب".

وتصاعد التوتر بين الرياض وطهران بشكل حاد إثر إعلان السعودية مطلع كانون الثاني/يناير، إعدام رجل الدين السعودي المعارض، الشيخ نمر النمر، من ضمن 47 مدانًا "بالإرهاب"، ما أثار انتقادات حادة من إيران، وهجوم محتجين على مقار دبلوماسية سعودية، فما كان من الرياض إلا أن ردت بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران.

ويرى دبلوماسيون ومحللون أن من أسباب القرار السعودي بمواجهة إيران، ما تعتبره الرياض انكفاء لحليفتها الولايات المتحدة من المنطقة.

وقال بن سلمان في حديث لصحيفة "إيكونومست" البريطانية، هذا الشهر، إن "على الولايات المتحدة أن تدرك أنها الدولة الأولى في العالم، وعليها التصرف بمقتضى ذلك".

وبحسب دبلوماسي غربي، يشعر السعوديون أنهم "معزولون وقد تخلّى عنهم صديق قديم". ومن أبرز أسباب ذلك، التقارب بين واشنطن وطهران على خلفية المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني، والذي أفضى الاتفاق حوله إلى رفع عقوبات اقتصادية عن إيران.

جيل شاب

ولم تقتصر التغييرات السعودية على السياسة الخارجية، فقد فتح المجال أمام جيل شاب لتولي مواقع أساسية، في خطوة مخالفة للتقاليد السائدة حتى اليوم. فقد عين الملك سلمان ابن أخيه محمد بن نايف (56 عامًا) وليا للعهد. كما عين نجله محمد (29 عامًا في حينه) وليًا لولي العهد، وعادل الجبير (53 عامًا) وزيرًا للخارجية بدلًا من الأمير سعود الفيصل، الذي أمضى قرابة أربعة عقود في منصبه.

دور محمد بن سلمان

ويرى دبلوماسيون أن جانبًا أساسيًا من التغيير في العهد، يأتي بدفع من محمد بن سلمان. فالأمير الشاب الطويل القامة وذو اللحية الداكنة، اكتسب نفوذًا متزايدًا، وبات على رأس مجلس الشؤون الاقتصادية، ومجلس آخر يشرف على شركة "أرامكو" النفطية العملاقة.

وكانت مقابلة بن سلمان مع "إيكونومست" أول حديث مطول له مع الإعلام الأجنبي. وعنونت الصحيفة البريطانية أحد مواضيعها عنه بعبارة "أمير شاب على عجلة من أمره"، ووصفته بأنه "الرجل الذي يكتسب قوة خلف عرش والده".

لكن الأمير سعى في حديثه إلى التقليل من محورية دوره، وقال "أنا لست مهندس العملية العسكرية في اليمن، نحن بلد مؤسسات"، مؤكدا أن دوره "هو تنفيذ أي قرار يأمر به جلالة الملك" وفقًا لتعبيره.

التعليقات