في عيد الأم.. لبنانيات يرهقهن غياب أبنائهن

لا أستطيع وصف الفراغ الذي أحسه، بهذه الكلمات التي تخنقها دموع الحنين إلى أولادها الثلاثة، الذين سافروا جميعًا إلى فرنسا طلبًا للعلم والعمل، تتحدث أم محمد وقد باتت وحيدة مع زوجها وعمّ السكون البيت الذي كان مفعمًا بالحياة.

في عيد الأم.. لبنانيات يرهقهن غياب أبنائهن

من اليمين: أم ربيع، أم كميل، أم محمد

'لا أستطيع وصف الفراغ الذي أحسه'، بهذه الكلمات التي تخنقها دموع الحنين إلى أولادها الثلاثة، الذين سافروا جميعًا إلى فرنسا طلبًا للعلم والعمل، تتحدث أم محمد وقد باتت وحيدة مع زوجها وعمّ السكون البيت الذي كان مفعمًا بالحياة.

وحال أم محمد، المدرسة السابقة، يشبه حال الكثير من الأمهات اللبنانيات اللواتي يمثل لهن عيد الأم (21 آذار/مارس من كل عام)، 'غصّة' لافتقادهن الأبناء الذين دفعتهم الظروف الاقتصادية والأمنية الصعبة في البلاد للسفر، ورغم تطور وسائل الاتصال والتواصل الدائم، فلا شيء يعوّض للأم غياب فلذات أكبادها الذين أفنت عمرها وهي ترعاهم، فما إن اشتد عودهم، حتى سافروا.

وتبلغ نسبة البطالة بين الشباب اللبناني بحسب تقرير 'منظمة العمل الدولية' لعام 2014، نحو 22?، فيما تشير وزارة العمل اللبنانية أن النبسة تفوق الـ30 في المئة.

وتزامنت هجرة اللبنانيين الأولى مع الحرب العالمية الأولى، ويقدر عدد المغتربين والمهاجرين بـ12 مليون نسمة، أي نحو 3 أضعاف عدد المقيمين في البلاد، يتركز معظمهم في البرازيل والولايات المتحدة والدول الأوروبية والإفريقية، إضافة إلى بعض الدول العربية، غالبيتهم لا يحملون الجنسية اللبنانية.

 وتحدثت أم محمد، عن أولادها الذين سافروا مجرد انتهاء المرحلة الثانوية العامة، قائلة: 'أولادي محمد (35 عامًا)، وغسان (33 عامًا)، ووسام (27 عامًا)، جميعهم سافروا في الثامنة عشر من عمرهم، مشيرة أنه في اليوم الذي سافر فيه ابنها الأخير لم تتمكن من البقاء وحدها في البيت، وسافرت إلى جانب زوجها في السعودية'.

وقالت والكلمات تعتصرها الدموع 'كأني قمت بتربيتهم لأرسلهم إلى الخارج'، متسائلة 'لماذا علينا أن نفعل ذلك؟ كل ذلك بسبب الأوضاع في البلاد'.

وتابعت: 'لماذا نعيش في بلد يضطر فيه زوجي رغم كبر سنه، إلى السفر والعمل، لماذا على أولادي أن يسافروا للخارج لتحصيل العلم بدلًا من الدراسة في بلدهم؟'.

وتنتظر أم محمد وزوجها أولادهما ليأتوا في زيارات قصيرة إلى بيروت التي عادا لها من السعودية، قائلة: 'حين يأتون من السفر، الدنيا لا تسعني من الفرح، أحتار ماذا أفعل، لا شيء يعوّض غيابهم، رغم تواصلنا المستمر معهم صوتًا وصورة، عبر برامج الإنترنت'.

أم ربيع من جهتها، تحدثت إلى الأناضول، حول حالتها الخاصة عن 'ابنها' علي، الذي تربى بين أولادها الثلاثة وتعتبره رابعهم، قائلة: 'قمت بتربية أولادي الأربعة سويًا كأنه (علي) واحد منهم، أحبه أكثر من أولادي'.وتابعت بالقول: 'سافر علي إلى فرنسا للعمل واستقر وتزوج هناك، لقد ترك سفره فراغًا كبيرًا في حياتي، حتى أنني قلت لولدي الشابين أن سفرهما بالنسبة لي أسهل علي عاطفيًا من سفر علي، لأنه يفيض حنانَا ويؤثر فينا'. أما أم كميل، فروت كيف دفعتها الظروف لتربية أبنائها الثمانية، لوحدها، بعد وفاة زوجها بجلطة دماغية عام 1979.وتقول أم كميل بحزن: 'بعد وفاة زوجي رفض الارتباط بأحد غيره، وكرست حياتي لتربية أولاد الثلاثة وبناتي الخمس، لينتهي الأمر بهم وقد هاجروا جميعًا باستثناء بنت متزوجة في بيروت، وثانية تسكن قرب صيدا جنوبي البلاد'.وأضافت: 'توزع أبنائي في كندا وفرنسا وروسيا وأستراليا والولايات المتحدة، وبقيت بمفردي في البيت'، معبرة عن وحدتها، بالقول: 'أنا حزينة وأشعر بالغصة، قمت بتربيتهم حتى لا أكون وحيدة كما أنا الآن مع تقدمي في العمر'.

وبحزن عميق وحرقة أردفت أم كميل بالقول: 'حين أدخل بيتي، أول سؤال يخطر ببالي: أين أولادي وأحفادي؟ ماذا ينفع البيت دونهم وأنا أسكنه وحدي؟'.

 وتتذكر أم كميل مناسبة عيد الأم حين تمر عليها ويصادف وجود بعض أولادها في لبنان، فيبرق الفرح في عينيها قائلة 'حين أكون بين أولادي وتمر مناسبة عيد الأم، يهتمون بي ويحضرون لي الحلوى، أنا مصابة بالسكري لا أتمكن من تناول الحلوى لكن اهتمامهم يكفي ليشعرني بالكرامة'.

ورغم غصتها، تحمد أم كميل الله على أن تربيتها لأولادها حمتهم من همجية الحرب الأهلية (1975 – 1990)، مبينة 'ما يعزيني أنهم تركوا لبنان وسافروا طلبًا للعلم ولحياة أفضل، ولم يغرهم أبدا حمل السلاح والانخراط في الميليشات خلال الحرب'.

التعليقات