بشارة يفتتح أعمال منتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية

في كلمة افتتاحٍ للمنتدى، أكد المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدكتور عزمي بشارة، الأهمية التي يكتسيها منتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية الذي ينظمه المركز؛ إذ أصبح - وهو يعقد دورته الثالثة - من أهم الفعاليات

بشارة يفتتح أعمال منتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية

من المؤتمر

انطلقت أمس السبت أعمال منتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية، الذي ينظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. واختار المركز موضوع 'تنويع الاقتصاد في دول الخليج العربية' محورًا للمنتدى في دورته الثالثة، إضافةً إلى المحور المتعلق بالتحديات الإقليمية والدولية. ويتميز المنتدى هذا العام بتخصيص يومه الأول لدراسة العلاقات بين دول الخليج العربية وتركيا ضمن المحورين المقررين للمنتدى، بمشاركة باحثين أتراك وبالتعاون مع مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في تركيا (سيتا).

في كلمة افتتاحٍ للمنتدى، أكد المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدكتور عزمي بشارة، الأهمية التي يكتسيها منتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية الذي ينظمه المركز؛ إذ أصبح - وهو يعقد دورته الثالثة - من أهم الفعاليات الأكاديمية التي تعنى بدراسة شؤون دول الخليج العربية.

وشدد الدكتور بشارة على الطابع الأكاديمي الأصيل للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، مشيرًا إلى أنّه أصبح بعد نحو ست سنوات من تأسيسه أحد أهم مراكز الأبحاث في المنطقة العربية والشرق الأوسط عمومًا. وأوضح أنّ عاملين رئيسين مكّنا المركز من أن يتبوّأ هذه المكانة؛ أولهما الدعم اللامشروط الذي يقدّمه البلد المستضيف قطر للمركز من دون التدخل إطلاقًا في أجنداته البحثية؛ وثانيهما خيار المركز في أخذ الوطن العربي كلّه مجالًا أو نطاقًا بحثيًا واحدًا، وهو ما يتيح سعةً في النطاق البحثي ويفتح المجال أمام تفاعل أكبر بين عدد كبير من الباحثين ويؤدي إلى إنتاجٍ بحثي أفضل.

وقال المدير العام للمركز العربي إنّ المؤتمرات السنوية التي يعقدها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وعددها ستة مؤتمرات في الغالب، وبينها منتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية، تتيح مجالًا لتفاعل عددٍ كبير من الباحثين، وقد جمع المركز من خلالها نحو ألف باحث حوله.

وأكد بشارة أنّ المركز العربي مركز أبحاث وليس 'ثينك تانك' Think Tank؛ فهو في الأساس ينجز ويدعم إنجاز بحوث في التاريخ والفلسفة والسوسيولوجيا والعلوم الاجتماعية والإنسانية كلّها، ويضم إضافةً إلى ذلك 'وحدة تحليل السياسات' التي تنتج تحاليلَ عن القضايا الراهنة.

وقال بشارة إنّ المركز العربي حقق إلى حد الآن العديد من الإنجازات الأكاديمية والبحثية التي تعدّ إسهامًا كبيرًا في التراكم المعرفي في العلوم الاجتماعية في الوطن العربي. وأحد أبرز إنجازات المركز هو إنشاء معهد الدوحة للدراسات العليا الأول من نوعه في الوطن العربي والمفتوح أمام الطلاب من جميع الدول العربية، والذي سيشهد افتتاحه الرسمي، الأحد (4 كانون الأول/ ديسمبر 2016). كما يعدّ مشروع معجم الدوحة التاريخي للغة العربية أحد أهم إنجازات المركز، أيضًا.

ودعا بشارة المشاركين والحضور في المنتدى إلى الوقوف دقيقة صمت ترحمًا على أرواح شهداء حلب تحديدًا وشهداء باقي الوطن العربي 'الممزق الجريح' في اليمن وليبيا وغيرهما.

>> التحديات المشتركة تدفع نحو تقارب أكبر بين تركيا والخليج

ناقشت الجلسة الأولى لمنتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية في دورته الثالثة واقع العلاقات الخليجية – التركية واتجاهاتها المستقبلية. وتقاربت أوراق الباحثين الأتراك والخليجيين المشاركين في هذه الجلسة في تشخيص الوضع الراهن لهذه العلاقات، إذ إنّ الأوضاع المضطربة للمنطقة والتحولات التي عرفتها منذ بداية الثورات العربية فرضت تقاربًا أكبر بين الجانبين الخليجي والتركي، غير أنّ مستوى العلاقات بينهما لم يصل إلى الحد المطلوب المتوافق مع هذه التحديات.

ويرى نائب المدير العام لمركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية (SETA) في أنقرة، محيي الدين أتامان، أنّ تركيا تتقاسم ودول الخليج العديد من المخاوف الإقليمية؛ مثل مستقبل اليمن والحرب الأهلية في سورية، وارتفاع عدد الدول الفاشلة في المنطقة، والسيطرة المتنامية لأطرافٍ فاعلة من غير الدول كداعش، إضافةً إلى السياسة الإيرانية التوسعية في الشرق الأوسط. فضلًا عن ذلك، تقتضي الديناميات العالمية المتغيّرة إعادة توجيه السياسات الخارجية للدول الإقليمية. وما كان من تلك المشكلات السياسية والتهديدات الإقليمية كلّها إلاّ أن رفعت مستوى الترابط، ما تطلّب تحسين العلاقات الثنائية بين تركيا وبلدان الخليج. ومن أجل تحقيق نظام إقليمي مستدام، ينبغي لتركيا ودول الخليج تطوير مشاريع سياسية واقتصادية تخدم مستقبلهما المشترك. كما يحتاج الطرفان إلى تعزيز التعاون من أجل إدارة فترة التحول الانتقالية في المنطقة.

من جانبه، أكد رئيس قسم شؤون الخليج في مركز الشرق الأوسط لبحوث السلام في أنقرة، عبد الله الشمري، أنّ المستجدات السياسية التي حدثت خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة أعادت الدفء للعلاقات الخليجية - التركية بعد تجاوز آثار الربيع العربي، وتبعات الأزمة المصرية، بخاصة العلاقات الإماراتية والسعودية. وأشار الباحث إلى تأثير تعاظم الدور الإيراني في المنطقة وتزايد التقارب الإيراني - الأميركي، وشعور الطرفين الخليجي والتركي بضرورة التعاون لمواجهة التهديدات المشتركة. وتحدّث عن بطء تطوير العلاقات التركية - الخليجية على الرغم من الفرص الكبيرة والعوامل المحفزة. وعدّد من بين العوائق حصر إدارة العلاقات بين الدول الخليجية وتركيا في الهيئة الرئاسية لدى الجانبين، وضعف التبادل الأكاديمي، إضافةً إلى دور أطراف خارجية في التأثير في الجانبين حول مشاريع التقارب والتعاون.

من جانبه، قدّم أستاذ العلوم السياسية في جامعة قطر، الدكتور محمد المسفر، عرضًا تقييميًا للعلاقات القطرية - التركية، مشيرًا إلى أنّ قطر في نظرتها السياسية الواقعية تتعامل على قدم المساواة مع القوى الفاعلة في الساحة الدولية، الولايات المتحدة الأميركية وروسيا الاتحادية، القوتين الأعظم في الوقت الراهن. وهي تتعامل مع القوى الإقليمية الآسيوية الصاعدة، إيران وتركيا بطريقتين مختلفتين؛ إذ اعتمدت مع الأولى على دبلوماسية التحييد والاستقطاب، وعلى الشراكة والتحالف مع القوة التركية لما يجمع بينهما من علاقاتٍ وروابط تاريخية.

وفي تحليله 'السياسة التركية إزاء منطقة الشرق الأوسط: قبل الثورات العربية وبعدها'، أوضح الأستاذ في جامعة إسطنبول شهير، مسعود أوزجان، أنّ اندلاع الانتفاضات العربية مثّل عنصرًا جديدًا في علاقات تركيا بالشرق الأوسط. وقد انحازت تركيا إلى مطالب الشعب؛ إذ رأت أنّ أسباب تلك الثورات هي أسباب محلّية، ومن ثمّ يجب تلبية مطالب الشعوب العربية. صحيح أنّ نتائج هذه الثورات ليست دائمًا إيجابيةً كما كان متوقعًا، إلّا أنّ صنّاع السياسة في تركيا رأوا أنّ البلدان العربية تشهد فترةً انتقاليةً، وأنّ أسباب الإصلاحات السياسية والاقتصادية في المنطقة لا تزال قائمةً. ورأى الباحث أنّه على الرغم من أنّ التحديات الحالية قد تؤدي إلى إشاعة جوٍّ من السلبية، يبقى مستقبل المنطقة والعلاقات التركية بالشرق الأوسط، واعدًا.

>> الاقتصاد والأمن مجالان مفتوحان لتعزيز التعاون

ناقشت الجلستان الثانية والثالثة من اليوم الأول لمنتدى الخليج المخصص للعلاقات التركية - الخليجية، العلاقات الاقتصادية بين الطرفين وقضايا الأمن والتحديات الإقليمية المشتركة.

ففي الجلسة الثانية، أكد الباحثون المشاركون بأوراق بحثية التحسن الملحوظ الذي تشهده المبادلات التجارية والاقتصادية غير أنّها لم ترْقَ بعد إلى الإمكانات التي يتوفر عليها الطرفان. وشهد العقد الأخير تناميًا ملحوظًا في التعاون التجاري والسياسي بين تركيا ودول مجلس التعاون؛ ففي عام 2005، وقّع مجلس التعاون وتركيا اتفاقيةً إطاريةً تاريخيةً للتعاون الاقتصادي مهّدت لعدّة معاهدات ثنائية لاحقة؛ مثل المعاهدة الثنائية لتجنّب الازدواج الضريبي، واتفاقية تشجيع الاستثمارات المتبادلة وحمايتها. وارتفعت قيمة التجارة من 1.5 مليار دولار أميركي في عام 2002 إلى 16 مليار دولار أميركي في عام 2014. وفضلًا عن ذلك، ارتفع الاستثمار الخارجي المباشر ارتفاعًا ملحوظًا من 5 ملايين دولار أميركي في عام 2002 إلى 1.9 مليار دولار أميركي في عام 2008. وفي هذا العام، جرى إطلاق الحوار الإستراتيجي الرفيع المستوى بين تركيا ومجلس التعاون؛ من أجل تعزيز الروابط في جميع المجالات. وقد أنشأ الحوار لجانًا متخصّصة في مجالات تضمّ، على سبيل المثال لا الحصر، التجارة والاستثمار، والطاقة، والسياحة، والزراعة، والأمن الغذائي، والقضايا الاقتصادية، والمالية والنقدية. صحيح أنّ التعاون التجاري والاقتصادي بين الطرفين شهد تناميًا منذ تولّي حزب العدالة والتنمية الحكومة في عام 2002، إلا أنّ الانتفاضات العربية التي اندلعت في أواخر عام 2010 بيّنت بوضوح القيود التي تكبّل تلك العلاقة.

أما في محور التعاون الأمني والعسكري بين دول الخليج وتركيا الذي غطته أوراق الجلسة الثالثة، فأكد المحاضرون حتمية التعاون بين الطرفين في مواجهة التحديات والمخاطر الحادثة في المنطقة من تداعيات الثورات العربية وظاهرة الإرهاب الدولي وكذا المطامح الإيرانية التوسعية في المنطقة. ودعا بعض المشاركين إلى تشكيل لجنة خليجية مشتركة، تسعى لتحديد شكل العلاقة العسكرية بتركيا، وتقوم على إقامة اتفاقيات تعاون عسكري مرتبطة بالعلاقات الاقتصادية مع تركيا. وكذا تعزيز التنسيق الخليجي – العربي مع تركيا بشأن القضايا الإقليمية، على أساس رسم سياسة من التعاون، تقوم على الاحترام المتبادل، من دون التدخل في الشؤون الداخلية للطرفين.

يواصل منتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية أعماله على مدار ثلاثة أيام. ويركّز في اليومين الثاني والثالث (الأحد والإثنين) في التحديات التي تواجه دول مجلس التعاون في محورين: يتناول الأول قضايا التنويع الاقتصادي في الاقتصادات الخليجية، ويركز الثاني في التحديات الإقليمية والدولية. ويتخلل أعمال المنتدى في يومه الثاني حفل الافتتاح الرسمي لمعهد الدوحة للدراسات العليا.

التعليقات