مجزرة النورس وسلامة الملاحة الجوية في لبنان

ما لبث لبنان أن تجاوز أزمة النفايات التي فجّرت احتجاجات واسعة في البلاد، حتى واجهه مشكلة جديدة مرتبطة بها، تتمثل في التهديد الذي تشكله طيور النورس على سلامة الطيران المدني في المطار الوحيد، بالعاصمة بيروت.

مجزرة النورس وسلامة الملاحة الجوية في لبنان

(أ ف ب)

ما لبث لبنان أن تجاوز أزمة النفايات التي فجّرت احتجاجات واسعة في البلاد، حتى واجهه مشكلة جديدة مرتبطة بها، تتمثل في التهديد الذي تشكله طيور النورس على سلامة الطيران المدني في المطار الوحيد، بالعاصمة بيروت، مع ارتفاع أعدادها بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة.

أزمة سعى مسؤولون لبنانيون إلى حلها مؤقتا عبر اصطياد وقتل تلك الطيور المتواجدة بكثافة في مطار رفيق الحريري الدولي ببيروت، منذ بدء العمل في مطمر "الكوستا برافا" للنفايات المحاذي للمطار، إلى جانب وجود نهر "الغدير" الذي ترتفع فيه نسبة التلوث، ما يؤدي في النهاية إلى تجمع هذه الطيور حولهما.

أحد الطيارين العرب الذين يقلعون بشكل دوري من مطار بيروت، قال إن "مشكلة تكاثر طيور النورس على مدرج المطار، جديدة لم تكن موجودة، ولم يشهدها الطيارون في السنوات الماضية".

وأضاف الطيار، الذي فضل عدم الكشف عن هويته، أن "طائر النورس والطيور بشكل عام تؤثر على سلامة الطيران، وعلى الملاحة الجوية، خصوصًا أنها تستطيع التحليق حتى ارتفاع ثلاثة آلاف متر عن سطح الأرض، وبالتالي يؤثر بشكل خطير على الطائرة وسلامتها خصوصًا في المراحل الأولى للإقلاع".

ويعد تواجد الطيور على مدارج المطارات، بحسب الطيار، ليس أمرًا غريبًا في عالم الطيران، فهو أمر شائع في مطارات عدة بالمنطقة والعالم، وعادة ما يقوم الطيار قبل الإقلاع بإبلاغ برج المراقبة بتواجدها، فتلجأ الجهات المختصة إلى طردها بآلات تصدر أصواتًا معينة لإبعادها.

غير أن الطيار يرى أن "المشكلة في مطار رفيق الحريري، هي ارتفاع عدد الطيور في الأسبوع الأخير إلى درجة استثنائية، الأمر الذي أثار مخاوف القائمين على هذا القطاع".

وبشأن الحل التي لجأت إليه السلطات اللبنانية بقتل الطيور، قال الطيار، إن "اصطياد هذه الطيور يومي الجمعة والسبت أدّى إلى انخفاض أعدادها على المدرج، وهذه الخطوة كانت فعالة، لكن لا يمكن اعتمادها لأنها تضر بالبيئة وبحياة هذه الطيور".

وتابع: "الحل الأفضل هو إزالة أسباب وجود هذه الطيور، أي إغلاق مكب الكوستا برافا، وتنظيف مجرى نهر الغدير القريب من المطار، لأن هذا النوع من الطيور يمكن أن يتأقلم مع الأصوات المستخدمة لإبعادها عن المدارج".

وأعرب رئيس "الحركة البيئية اللبنانية"، التي تعتبر التجمع الأكبر للجمعيات والجهات الناشطة بيئيا في لبنان، بول أبي راشد، "استغرابه من حصر المشكلة في المطار بطائر النورس وكأن القضاء عليه يحل المشكلة".

وأوضح في حديث أن "لبنان يشهد حركة مرور للطيور تصل إلى 400 نوع، تنقسم إلى خمس فئات، منها ما يعبر مع الخريف من أوروبا إلى أفريقيا عبر لبنان، ومنها ما يأتي من أوروبا ويمضي الشتاء في لبنان، ومن هذه الأنواع طائر النورس، وهناك أنواع أخرى دائمة البقاء".

وشرح أبي راشد، أن "طائر النورس سيغادر لبنان نهاية نيسان/ أبريل، لكن مطمر الكوستا برافا سيجذب أنواعًا أخرى من الطيور على مدار السنة وليس موسميًا، إلى جانب اجتذاب طيور ليلية يصعب رصدها أو رؤيتها في الظلام".

وطالب الناشط في مجال البيئة "بحماية حياة الناس وسلامة الطيران عبر إغلاق المطمر، ووضع آلات خاصة لطرد الطيور، لأن الصيادين ارتكبوا مجزرة بحق النورس الذي اصطادوا معه أيضا عشرات الأنواع الأخرى من الطيور".

وانتقد أبي راشد اصطياد الطيور واعتبرها تسيء إلى صورة لبنان في الخارج، خصوصا أنه موقع على اتفاقيات دولية بشأن ذلك.

وقال: "نحن لدينا حلّ بيئي فوري وغير مكلف والمطلوب من رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة تخصيص اجتماع لحل هذه الأزمة، خصوصًا أن مطمر الكوستا برافا يؤدي إلى انبعاث غاز الميثان القابل للاشتعال".

والخميس الماضي، أعلن وزير الأشغال الجديد، يوسف فنيانوس، عن تركيب آلات فوق المدارج تصدر أصواتا تبعد هذه الطيور.

وشهد لبنان في الأسابيع القليلة الماضية، توجدًا كثيفًا وغير مسبوق لطيور النورس، الأمر الذي أثار مخاوف من تأثيره على سلامة الطيران المدني.

وغضت الدولة النظر عن حركة عدد من الصيادين الذين قصدوا المنطقة وعملوا على إطلاق النار على عدد كبير من الطيور، فيما أعلن مدير عام شركة طيران الشرق الأوسط، الخطوط الجوية اللبنانية محمد الحوت، في تصريح صحافي قبل يومين، أن "هذا الإجراء مؤقت".

وأشار إلى أنّه "لم يكن أمام الشركة سوى الوقوف عند هذا الحل المؤقت، الخيار الأهم هو حماية سلامة المواطنين وطيور الميدل ايست (في إشارة إلى طائرات الشركة)، قبل طيور النورس".

وكان القضاء اللبناني، أصدر قرارا في وقت سابق من الشهر الجاري، يقضي بإغلاق مؤقت لمطمر "الكوستا برافا"، جنوبي بيروت.

وهذا المطمر هو واحد من ثلاثة مؤقتة، تنقل إليها نفايات بيروت ومحافظة جبل لبنان، بناء على خطة أقرتها الحكومة في آذار/ مارس 2016، بعد أشهر عدة من أزمة نفايات أغرقت شوارع بيروت وضواحيها صيف 2015، واندلعت احتجاجات واسعة بشأنها.

وكان اللبنانيون قد استيقظوا، خلال الأسبوع الماضي، على صور انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي، لصيادين مجهزين بالذخيرة والبنادق، لاصطياد طيور النوارس عند مصب نهر الغدير ومكب الكوستا برافا، ما أثار غضب المستخدمين والنشطاء.

التعليقات