احتجاجات شعوب عربية بالتزامن مع ذكرى الثورات

تشهد ثمانية دولٍ عربيّة مؤخّرًا احتجاجات تعدّدت أسبابها إلّا أن جميعها تنطلق مطالبةً بتحسين الأوضاع الاقتصادية المتردّية، ليتطوّر بعضها إلى مطالب سياسيّة، وتأتي هذه الاحتجاجات في كلٍّ من السودان، وتونس، والمغرب، وليبيا، ولبنان، والعراق والأردن والجزائر، متزامنةً مع الذكرى الثامنة

احتجاجات شعوب عربية بالتزامن مع ذكرى الثورات

احتجاجات في السودان (أ ب)

تشهد ثمانية دولٍ عربيّة مؤخّرًا احتجاجات تعدّدت أسبابها إلّا أن جميعها تنطلق مطالبةً بتحسين الأوضاع الاقتصادية المتردّية، ليتطوّر بعضها إلى مطالب سياسيّة، وتأتي هذه الاحتجاجات في كلٍّ من السودان، وتونس، والمغرب، وليبيا، ولبنان، والعراق والأردن والجزائر، متزامنةً مع الذكرى الثامنة لاندلاع ثورات الربيع العربي، التي بدأت في تونس، يوم 17 كانون الأول/ ديسمبر 2010، وأطاحت بالأنظمة الحاكمة في عدد من الدول.

أوّلًا، الاحتجاجات في السّودان:

تعتبر الاحتجاجات المستمرة في السودان هي الأشد حدة والأعلى سقفًا في مطالبها، حيث بلغت حد المطالبة برحيل النظام، بعد أن انطلقت المظاهرات في العديد من المدن لتصل إلى العاصمة الخرطوم، في 19 كانون الأول/ ديسمبر، وقد وصلت 14 ولاية من الولايات الـ 18 بالسودان.

ويعدّ تدهور الأوضاع المعيشية السبب الرئيسي لهذه الاحتجاجات، إذ أقدمت الحكومة مؤخرًا على زيادة أسعار الخبز، ليرتفع سعر الرغيف من جنيه واحد إلى ثلاثة جنيهات؛ كما يشكو السودانيون منذ وقت طويل من عدم توفر الوقود والسيولة النقدية؛ إذ تمتنع المصارف عن تمكين الناس من الحصول على السيولة، بادعاء عجزها عن توفيرها لسحب المواطنين لمدخراتهم وتحويلها إلى الدولار.

وبعد التنديد بغلاء المعيشة في بداية الاحتجاجات، هتف المحتجون بشعار: "الشعب يريد إسقاط النظام"، وهو الشعار الأبرز خلال ثورات الربيع العربي، وفي اليوم السادس من الاحتجاجات، وعد الرئيس السوداني، عمر البشير، في 24 كانون الأول/ ديسمبر، "بإصلاحات حقيقية لضمان حياة كريمة للمواطنين"؛ في أول تصريح له منذ اندلاع الاحتجاجات المستمرة.

وشهدت الاحتجاجات سقوط 8 قتلى بحسب السلطات، بينما ترفع المعارضة العدد إلى 22 قتيلًا، إضافة إلى عشرات الجرحى.

ثانيًا، الاحتجاجات في تونس:

شهدت تونس أول أمس، الإثنين، إحراق مصوّر صحفي يدعى عبد الرزاق الزرقي، لنفسه في مدينة القصرين احتجاجًا على الأوضاع الاقتصادية والسياسية وارتفاع البطالة، بعد أن نشر مقطع فيديو له يقول في "باش نعمل ثورة وحدي"، في تذكير بحادثة إحراق محمد البوعزيزي لنفسه قبل ثمانية أعوام، ليشعل شرارة الثورة التونسية في كان الأول/ ديسمبرر من عام 2010 التي أطاحت بالرئيس الأسبق، زين العابدين بن علي.

وأثارت حادثة انتحار الزرقي احتجاجات في مدينة القصرين، شهدت مواجهات مع الشرطة أطلقت خلالها الغاز المسيل للدموع، كما تشهد تونس بين الحين والآخر احتجاجات فئوية، منها مسيرة في شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة، في وقت سابق من الشهر الجاري، شارك بها الآلاف من أساتذة التعليم الثانوي والإعدادي.

ويطالب هؤلاء بزيادة الأجور، ويحظون بدعم الجامعة العامة للتعليم الثانوي (نقابة أساتذة الإعدادي والثانوي)، التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر نقابة عمالية في تونس، الذي أعلن إضرابًا عامًّا خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، وهدّد بإضراب جديد في كانون الثاني/ يناير المقبل ما لم تتحقق مطالبه.

كذلك، فقد شهدت مدن تونسية عديدة خلال الشهر الأخير احتجاجات "السترات الحمراء" المستلهمة من احتجاجات "السترات الصفراء" في فرنسا، والتي يقول نشطاؤها إنهم سينفذون تحركات سلمية، في الأيام المقبلة؛ احتجاجًا على الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الصعب الذي تعيشه تونس.

ثالثًا، "السترات الصفراء" في المغرب:

وصل حراك "السترات الصفراء" إلى المغرب مرفوقًا بمطالب فئوية؛ إذ ارتدى موظفون مغاربة في القطاعين الحكومي والخاص، في 17 كانون الأول/ ديسمبر، "سترات صفراء"؛ لمطالبة الحكومة بتحسين وضعهم المعيشي وزيادة أجورهم، وجاء هذا الحراك الاحتجاجي بدعوة من "نقابة الاتحاد المغربي للتقنيين"، متزامنًا مع اندلاع حراك الربيع العربي في تونس، يوم 17 كانون أول/ ديسمبر 2010.

قبل ذلك بيوم واحد، شهدت العاصمة الرباط مسيرة احتجاجية دعت إلى إطلاق سراح الموقوفين على خلفية احتجاجات شهدتها كل من مدينتي الحسيمة وجرادة بمنطقة الريف، وإلى توفير فرص عمل وبناء مستشفيات وجامعات.

رابعًا، الاحتجاجات في ليبيا:

تتركّز الاحتجاجات الليبية في مدن ليبيا الجنوبية، انطلاقًا من مطالب فئوية، حيث أقدم محتجون، ألّفوا ما عُرف بــ"حراك غضب فزان"، على إغلاق حقل الشرارة النفطي، قرب مدينة أوباري، في 8 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، قبل أن تتوسع الاحتجاجات لتشمل 12 منطقة بالجنوب؛ للمطالبة بتوفير فرص عمل وتنمية المنطقة وتوفير وقود لسكانها.

ليقوم المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، برئاسة فائز السراج، في 19 من الشهر ذاته، بإعلان إعادة فتح حقل الشرارة، إذ قال المجلس، في بيان، إن هذه الخطوة جاءت في ختام زيارة قام بها السراج للحقل، حيث التقى ممثلين عن حراك "غضب فزان"، وأطلعهم على إجراءات وآليات العمل لتحسين خدمات المرافق في الجنوب، متعهدًا بتوفير احتياجات المواطنين.

خامسًا، "السترات الصفراء" تلهم احتجاجات لبنان:

اقتبس نشطاء في لبنان فكرة "السترات الصفراء"، لإطلاق موجة احتجاجية على تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية، إذ خرجت أول مظاهرة في هذا الإطار الأحد الماضي؛ حيث تظاهر المئات في ساحتي الشهداء ورياض الصلح وسط العاصمة بيروت، استجابة لدعوات على مواقع التواصل الاجتماعي، عبر هاشتاغ #أنا_نازل_عالشارع، وشهد التظاهرات قطع طرق رئيسية ليتدخل الجيش في فضّ المظاهرات.

وامتدت شرارة التظاهر من بيروت إلى مناطق أخرى، منها صور وصيدا والنبطية، وطرابلس، لكن بأعداد أقل، وسط دعوات إلى التصعيد وتحويل المظاهرات إلى حراك أسبوعي كل يوم أحد.

وللمحتجين ثلاثة مطالب أساسية، هي: خفض الضرائب على أسعار المحروقات، إيجاد خطة صحية شاملة تشمل البطاقة الصحية، وأخيرًا إعادة الفائدة على سندات الخزينة إلى ما كانت عليه بنسبة 7.5% بعدما صارت 10%؛ وتأتي تلك الاحتجاجات وسط ظروف اقتصادية صعبة يمر بها لبنان، وتترافق مع خلافات سياسية تعطل تشكيل حكومة جديد، جرى تكليف سعد الحريري، زعيم تيار "المستقبل" بتشكيلها، في 24 أيار/ مايو الماضي.

سادسًا، العراق.. نقص خدمات وفساد:

تتركز الاحتجاجات في مدن وسط وجنوبي العراق؛ للمطالبة بتوفير وظائف وتحسين الخدمات خاصة المياه والكهرباء، إضافة إلى القضاء على الفساد في الجهاز الحكومي؛ ومحافظة البصرة هي مهد تلك الاحتجاجات المتواصلة على نحو متقطع منذ 9 تموز/ يوليو الماضي.

فبعد تصعيد احتجاجي كبير، خلال أيلول/ سبتمبر الماضي، شمل حرق مقر القنصلية الإيرانية في البصرة، ومقارٍ لقوات "الحشد الشعبي"، تراجعت وتيرة الاحتجاجات على خلفية وعود حكومية بتنفيذ برامج إضافبة لتنمية المحافظات الغاضبة، لكن الاحتجاجات ما تزال تتجدد على نحو متقطع بين الحين والآخر.

وأحدث تلك الاحتجاجات كان في 21 كانون الأول/ ديسمبر الجاري؛ حيث قطع متظاهرون في البصرة الطرق المؤدية إلى مبنى المحافظة، وتجمعوا أمام المبنى، مطالبين بإقالة المحافظ، وانتخاب آخر غير حزبي، إذ يُحمّل سكان البصرة الحكومة المحلية جزءًا من مسؤولية تردي الخدمات العامة في المحافظة، وهي مركز صناعة النفط في العراق ومنفذها البحري الوحيد.

سابعًا، الأردن يجدّد عهده بالدوار الرابع:

كسابقيه، شهد الأردن خلال 2018 احتجاجات على الأوضاع الاقتصادية السيئة وفرض ضرائب جديد، إذ بدأت الأحداث في الأول من شباط/ فبراير الماضي باحتجاجات شعبية طالبت برحيل الحكومة وحل البرلمان، إثر إقرار زيادة ضريبة المبيعات وأسعار الوقود، ورفع الدعم عن أسعار الخبز بأنواعه.

وتدريجيًا امتدت الاحتجاحات، التي تركزت على رفض مشروع قانون ضريبة الدخل المعدل، إلى جميع محافظات المملكة ومدنها، واستمرت ثمانية أيام، أواخر أيار/ مايو الماضي، وكان مركزها الأساسي محيط الدوار الرابع وسط العاصمة عمّان، حيث مقر الحكومة، ودفع زخم الاحتجاجات رئيس الوزراء هاني الملقي إلى تقديم استقالته.

وفي الخامس من حزيران/ يونيو، كلف العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني بن الحسين، عمر الرزاز، الذي كان يشغل حقيبة التربية والتعليم، بتشكيل حكومة جديدة، ووعد الرزاز بسحب مشروع القانون الضريبي المثير للجدل، ما أعاد أعاد الهدوء إلى الشارع، وأوفى بوعده فور حلفه اليمين الدستورية، رضوخًا لإرادة الشارع.

وعلّق الشارع الأردني آماله وطموحاته على حكومة الزاز، لكن لم يحققها، وبات رحيله مطلب الشارع الذي جاء به، ففي الثاني من كانون الأول، تمت المصادقة نهائيًا على قانون ضريبة الدخل المعدل، وهي خطوة أعادت الشارع الأردني إلى غضبه، وخرج آلاف المواطنين إلى المكان ذاته الذي أسقط الملقي، وهو الدوار الرابع، مُطالبين برحيل الرزاز والبرلمان.

ثامنًا، الجزائر.. رجل البئر:

اندلعت، في 25 كانون الأول/ ديسمبر، احتجاجات في بلدة عياش محجوبي الذي توفي، الأحد الماضي، بعد أن بقى عالقًا لستة أيام على عمق 30 مترًا في بئر بمحافظة المسيلة جنوب شرقي الجزائر العاصمة، وبدأت الاحتجاجات عقب وصول وفد حكومي من عدة وزارات إلى البئر الذي توفي فيه الضحية، الذي بات يُعرف بـ"رجل البئر"، ولا تزال جثته عالقة تحت الأرض.

ومنع المحتجون الوفد من زيارة الحفرة التي قضى فيها محجوبي (31 عامًا)، وأظهرت مقاطع فيديو عمليات رشق بالحجارة للوفد الذي ضم ممثلين عن وزارات الداخلية والموارد المائية والتضامن والأسرة والمدير العام للحماية المدنية، بعد أن تحولت قصة الشاب محجوبي إلى قضية رأي عام، شغلت الجزائر وجلبت متضامنين من عدة محافظات، ومتطوعين بآليات للحفر، في حين قضى متضامنون لياليهم قرب البئر رغم البرد الشديد.

وقبل ذلك بنحو أسبوعين، تظاهر عشرات الآلاف في مدينة جاية بمنطقة القبائل (شرق)، في 11 كانون الأول/ ديسمبر؛ للتنديد بـ"تعطيل مشروعات" رجل الأعمال القبائلي الكبير يسعد ربراب، مالك "سيفيتال" أضخم مجموعة للصناعات الغذائية في البلاد. واعتبر مراقبون تلك المظاهرة "استعراض عضلات ضد النظام" خاصة أن قادة أحزاب وشخصيات معارضة شاركوا فيها.

التعليقات