التغييرات في المناصب... وسيلةُ السعودية لطمأنة الرأي العام وإبعاد التُّهَم

لا شكّ أن السعودية، شهدت في الأشهر الأخيرة من العام الحالي، أكبر أزمة في تاريخها الحديث، عقب مقتل الصحافي جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده في إسطنبول، الذي فتح مقتلهُ أبواب التغيير  على مصراعيها في السعودية، ولكن ليس التغييرُ من باب

التغييرات في المناصب... وسيلةُ السعودية لطمأنة الرأي العام وإبعاد التُّهَم

بن سلمان (أ ب)

لا شكّ أن السعودية، شهدت في الأشهر الأخيرة من العام الحالي، أكبر أزمة في تاريخها الحديث، عقب مقتل الصحافي جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده في إسطنبول، الذي فتح مقتلهُ أبواب التغيير  على مصراعيها في السعودية، ولكن ليس التغييرُ من باب التجديد، بل من باب درأ الفضائح والالتفاف على الحقيقة وطمس الأدلة.

وشملت هذه التغييراتُ صعود موقوف سابق، إلى رأس الدبلوماسية السعودية، وإبعاد وزيري الإعلام والحرس الوطني، ونقل رئيس الهيئة الرياضية المقرب من ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وغيرها.

ومنذ مقتل خاشقجي، في تشرين أول/ أكتوبر 2018، أجرت السعودية تغييرات بعد أن أعلنت مسؤوليتها عن الجريمة في 20 من الشهر ذاته، وتم إبعاد عدد من المسؤولين بينهم سعود القحطاني، وهو مستشار بالديوان الملكي، ونائب مدير الاستخبارات، أحمد عسيري، وتُعدُّ هذه ثاني تغييرات تشهدها البلاد، ويبدو أنها لن تكون الأخيرة، بحسب ما أفاد محلل عربي أوردت وكالة "الأناضول" للأنباء، توقعاته بأن ملف خاشقجي،  سيكون كلمة السر في كل التغييرات.

وستبقى الاتهامات تحوم حول بن سلمان، حتى تقبل السعودية بذهابه كما تطالب مؤسسات غربية أو تتمسك به بصورة نهائية لتولي مقاليد الحكم، وفق ما يرى المُحلل.

وذكر محلل ثان بارز، لـ"الأناضول"، أن التغييرات السعودية تحمل تطمينات للرأي العام وللاستهلاك الداخلي، وتمكين ابن سلمان، وترضية للعائلة المالكة، خاصة بعد أزمة خاشقجي.
أطاح التغيير الأول الذي كان في  تشرين أول، أكتوبر 2018، بالقحطاني، وعسيري، المقربين من ابن سلمان، وأبقى على الأخير، ومنحه صلاحيات لهيلكة الاستخبارات،  بينما جاء التغيير الثاني، يوم الخميس، بأوامر ملكية، ليبقي على صلاحيات ولي العهد السعودي، ومنصبيه نائبا لرئيس مجلس الوزراء، ووزيرًا للدفاع، وترأس إعادة تشكيل مجلس الشؤون السياسية والأمنية، رغم الاتهامات الكثيرة التي لاحقته ارتباطا بقضية خاشقجي، وأبرزها من مجلس الشيوخ الأميركي.

وشهد التغيير وفق مراقبين، تقليم أظافر مقربين بارزين من ابن سلمان، وخفض من مناصبهم، كوزير الخارجية السابق عادل الجبير، أو إبعاد خالد بن عبد العزيز العياف، وزير الحرس الوطني، أحد أبرز مسؤولي الوزارات العسكرية السيادية والمعنية بالتدخل لحفظ واستقرار الأوضاع ومواجهة أي عدوان خارجي.

ولم يسلم رئيس هيئة الرياضة السابق، تركي آل الشيخ، المقرب من ابن سلمان من التغييرات، بعد فترة قصيرة من انتقادات كثيرة لاحقته في إدارة ملف الرياضة ببلاده وعربيا، وكذلك وزير الإعلام السابق، عواد بن صالح.

وكان اللافت أيضا، هو استقدام موقوف سعودي سابق من توقيفات فندق ريتز كارلتون الشهير في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، هو إبراهيم العساف، الذي شغل منصب وزير المالية سابقا، ووضعه على رأس وزارة الخارجية، في ظل ظروف تشهد تطورات دولية كثيرة مرتبطة بـ"خاشقجي".

واستحدثت الأوامر الملكية التي أصدرها العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز، هيئة باسم "الهيئة السعودية للفضاء" برئاسة سلطان بن سلمان، نجل العاهل السعودي.

فيما شملت التغييرات إعفاء محمد بن صالح الغفيلي، مستشار الأمن الوطني من منصبه، وتعيين خالد بن قرار الحربي مديرًا للأمن العام خلفا لسعود هلال، وعواد العواد مستشارًا بالديوان الملكي.

وكعادة المراسيم الملكية لا تقدم أسباب استبعاد ذلك أو تخفيض منصب آخر، ولا يعتاد الإعلام الخاص أو الرسمي على تناول مثل هذه الأمور الحساسية بالبلاد الذي يحكم عبر عائلة تعد أطول نظام ملكي مستقر بالعالم العربي.

كلمة السر

يرى المحلل المصري مختار غباشي، نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والإستراتيجية أن "كلمة السر في هذه التغييرات التي تأتي في نهاية العام هي جمال خاشقجي"، موضحا أن "إدارة المملكة لهذا الملف بدرجة أو أخرى لم يكن مرضيا، ولأجل ذلك نقل وزير الخارجية، لوزير دولة معناه لا رضا على هذا الأداء في هذه القضية تحديدا".

ويقول غباشي إن "هذه القضية خلقت ضغوطا على السعودية من الجانب الأمريكي الذي صارت علاقة مؤسساته بالمملكة تكاد تكون متوترة للغاية، فكان لازما هذه التغييرات".

ويُضيف: "وزير حرس وطني أو وزير الخارجية لهم جزء كبير في ملف خاشقجي وتركي آل الشيخ كان محل جدل في إدارته لملف الرياضة".

ويرى أن ملف الخارجية السعودية مرتبط بثوابت لديها، معروفة من زمن، والمال السعودي يلعب دورا كبيرا في هذه العلاقات، وبالتالي مجيء أي شخص سيكون مرتبطا بهذه الثوابت، مُشيرا إلى أن "المال السعودي في ملف خاشقجي لم يستطع احتواء الأزمة وكذلك مسؤولون منهم الجبير لم يستطيعوا إدارته".

تغييرات تحمل دلالة تخص ابن سلمان

ويؤكد غباشي أن التغييرات تحمل دلالة تخص ابن سلمان، قائلا: "كل التغييرات في النهاية لم تمس ولي العهد"، مضيفا: "محمد بن سلمان، ليس خطا أحمر ولكن محطة أخيرة (...) هل ستتحمل المملكة الضغوط التي تمارس عليها من المؤسسات الأميركية ومن الخارج في ذهاب محمد بن سلمان؟ هل سيتم تغيير هذا الوضع وفي النهاية يتم تبديله؟ هذا هو السؤال".

ويقول: "أتصور أن المستقبل يحمل تغييرات جديدة، والكل يترقب، تغييرات لا ترضى طموح الغرب وبالتالي هناك"، ويذكر أن "محمد بن سلمان، ذهب وبقيت تلك كل التغييرات كلّ هؤلاء فلا مشكلة، فالقضية عند المؤسسات الأميركية والغرب بعيدا عن الإدارة هو ابن سلمان، متى سيذهب وهل قادم ليحكم وماذا ستكون علاقاته مع واشنطن؟ أسئلة تبحث عن إجابات".

تطمينات للرأي العام وللاستهلاك الداخلي

بدوره، قال المحلل في الشأن الخليجي، عبد الله باعبود، أن التغييرات السعودية تحمل تطمينات للرأي العام وللاستهلاك الداخلي، وترضية للعائلة المالكة خاصة بعد أزمة المملكة الأخيرة.

وحول دلالة وصول العساف، لمنصب وزير الخارجية بديلا عن الجبير، يضيف: "العساف، رجل اقتصادي، ومهم أن تقول السعودية أنها أعفت عنه بعد إثبات براءته، وهذا التغيير أتوقع له علاقة بجلب بالاستثمار للملكة، خاصة وأنه مسؤول يتحدث بلغة المستثمرين".

ويتوقع باعبود، الأستاذ الزائر بجامعة حمد بن خليفة، أن ما حدث مع الجبير، متعلق بأزمة السعودية الأخيرة، وعدم القدرة على حماية ابن سلمان، أو أن يتفرغ للتحدث باسم الوزارة، أو المملكة.

ومتطرقا إلى إعادة تشكيل المجلس الأمني والاقتصادي برئاسة ولي العهد، يتوقع باعبود، أنه لن يحمل تغييرا في السياسات، ولا في الوجوه، في ظل السعي من وقت لآخر لتمكين محمد بن سلمان.

وفي 2 أتشرين الأول/ أكتوبر 2018، اختفى الصحافي السعودي جمال خاشقجي، عقب دخوله قنصلية بلاده بإسطنبول، وهو ما أثار أزمة دولية كبيرة، اضطرت المملكة على إثرها للاعتراف في 20 من الشهر ذاته بمقتله داخل القنصلية، بعد 18 يوما من الإنكار.

وقدمت الرياض روايات متناقضة عن اختفاء الصحفي الراحل، قبل أن تقول إنه تم قتله وتجزئة جثته بعد فشل "مفاوضات" لإقناعه بالعودة للسعودية، ما أثار موجة غضب عالمية ضد المملكة ومطالبات بتحديد مكان الجثة.

التعليقات