الجزائر: الحزب الحاكم يرفض مؤتمر الحوار وسط دعوات جديدة لحله

يأتي ذلك فيما تتجدد الدعوات لحل حزب "جبهة التحرير الوطني" الحاكم، واسترجاع الاسم التاريخي لصالح الشعب، باعتباره "قاسما تاريخيا مشتركا بين الجزائريين، ولمنع استغلال اسم الإطار الذي قاد ثورة التحرير في الساحة السياسية". 

الجزائر: الحزب الحاكم يرفض مؤتمر الحوار وسط دعوات جديدة لحله

(أ ب)

دعا حزب "جبهة التحرير الوطني" الحاكم في الجزائر إلى إجراء الانتخابات الرئاسية، معتبرا أن مؤتمر الحوار الذي دعا إليه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لتجاوز الأزمة "لم يعد ذا جدوى"؛ بحسب ناطقه الرسمي، حسين خلدون، فيما أعلن مدير حملة بوتفليقة بالعاصمة، عبد الكريم بطاش، دعم الحراك الشعبي الرافض لاستمرار الأخير في الحكم.

يأتي ذلك فيما تتجدد الدعوات لحل حزب "جبهة التحرير الوطني" الحاكم، واسترجاع الاسم التاريخي لصالح الشعب، باعتباره "قاسما تاريخيا مشتركا بين الجزائريين، ولمنع استغلال اسم الإطار الذي قاد ثورة التحرير في الساحة السياسية". 

وفي تصريحات نقلتها قناة "الشروق نيوز" الخاصة، قال المتحدث باسم الحزب، خلدون "الحزب لا يرى جدوى من ندوة (مؤتمر) الحوار الوطني وعلى السلطات تنصيب هيئة مستقلة لتنظيم انتخابات رئاسية أخرى".

وأعلن بوتفليقة 11 آذار/ مارس الماضي، سحب ترشحه لولاية خامسة وتأجيل انتخابات الرئاسة إلى جانب عقد مؤتمر للحوار لصياغة دستور جديد، قبل تنظيم انتخابات رئاسة مبكرة لن يترشح فيها، وذلك على وقع انتفاضة شعبية رافضة لاستمراره في الحكم؛ ورفضت المعارضة والحراك الشعبي مقترحات بوتفليقة، وأكدت في عدة مناسبات أن مطلبها هو رحيله مع وجوه نظام حكمه.

وأمس، عرضت أبرز القوى المعارضة في البلاد خارطة طريق لتجاوز الأزمة، تقوم أساسا على اختيار هيئة رئاسية لخلافة بوتفليقة الذي تنتهي ولايته يوم 28 نيسان/ أبريل القادم، وحكومة توافق وهيئة مستقلة لتنظيم انتخابات جديدة.

من جهتها، أعلنت قيادة حزب "جبهة التحرير الوطني" الحاكم بالجزائر، الأحد، رفضها تصريحات للمتحدث باسمه، خلدون، والتزامها بخارطة طريق بوتفليقة لإنهاء الأزمة في البلاد.

وفي بيان، أكدت قيادة الحزب أن مواقفه تعبر عنها بياناته الرسمية، مجددة التزامها بخارطة الطريق، التي طرحها الرئيس الجزائري.

من جهته، ادعى المنسق العام للحزب، معاذ بوشارب، في تصريح صحفي، إن حديث خلدون فُهم خطأ، إلا أن الأخير أعاد تأكيد موقفه لاحقًا، في حوار مع موقع "كل شيء عن الجزائر" (خاص).

وسبق لـ"جبهة التحرير الوطني" أن تراجعت عن تصريحات سابقة لبوشارب، أعلن فيها دعمه المطلق للحراك الشعبي.

ويشير مراقبون إلى أن الحزب الحاكم برئاسة بوتفليقة يعيش أزمة داخلية، منذ استقالة أمينه العام السابق جمال ولد عباس، في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.

وتشرف على الحزب حاليًا قيادة جماعية من 23 عضوًا، أبرزهم وزير العدل الطيب لوح.

دعوات جديدة لحل الحزب الحاكم

في المقابل، ودعت المنظمة الوطنية للمجاهدين (قدماء المحاربين في الثورة التحريرية الجزائرية 1954-1962)، إلى حل حزب "جبهة التحرير الوطني" الحاكم، واعتبرته قد أصبح "عنوانا للفساد". 

ونشرت المنظمة بيانا دعت فيه الجزائريين إلى "التمييز بين جبهة التحرير الوطني التي قادت الشعب الجزائري إلى التحرير وتحقيق النصر على الاستعمار، والحزب الذي أصبح اليوم عنوانا لكل مظاهر الفساد، مما جعل الجماهير تطالب برحيله، وهو ما يؤكد أن الحزب تم استغلاله كمطية للتداول على الحكم طوال نصف قرن".

وطالبت المنظمة، التي تضم كبار قيادات وقدماء ثورة التحرير، وانضمت مبكرا إلى الحراك الشعبي، بـ"تحرير جبهة التحرير الوطني وإنزالها المكانة التي تستحقها، ومنع توظيفها من أي جهة كانت، باعتبارها تراثا تاريخيا مشتركا لكل أبناء الشعب المخلصين".

ودعت المنظمة إلى الاستجابة لـ"مطالب هذا الحراك الشعبي القائم، الذي لا يعبر فقط عن مطالب وطنية مشروعة، بقدر ما هو استفتاء شعبي يعكس المطامح العميقة التي يتوجب على جميع الشرائح مواصلة العمل من أجل تجسيدها".

وشددت المنظمة في بيانها على ضرورة "وضع خط فاصل بين جبهة التحرير الوطني التي قادت الثورة، وبين الحزب الذي استغل الحكم"، ودعا إلى "فك الارتباط السياسي بين الحالتين".

يذكر أنه دعوات المنظمة الوطنية للمجاهدين تعتبر المرة الثانية التي يتم فيها الدعوة إلى حل الحزب واستعادة شعار واسم الجبهة الثورية، وجعلها ضمن "رموز الشعب والأمة في الدستور".

وكانت أصوات من داخل الحزب الحاكم نفسه قد دعت إلى حله، ففي 10 آذار/ مارس الماضي، وجّه 14 قياديا بارزا رسالة استقالة من الحزب، وطالبوا بحله وسحب اسم "جبهة التحرير الوطني" من المعترك السياسي، وتحويلها إلى رمز وقاسم مشترك محميّة بنص الدستور، باعتبارها رصيدا وطنيا قادت ثورة التحرير.

وطالب القياديون، وبينهم عبد القادر شرار ومحمد بوعزارة وعيسى خيري وبوعلام جعفر وحكيمي صالح ونادية حناشي وعبد الرحمن السهلي، رئيس الجمهورية المقبل، بـ"استرجاع جبهة التحرير الوطني كملك للأمة".

مدير حملة بوتفليقة بالجزائر العاصمة يعلن دعمه للحراك

وعلى صعيد متصل، كان بطاش، وهو رئيس بلدية الجزائر الوسطى بالعاصمة، يرد على أسئلة لصحفيين بشأن موقفه من الحراك الشعبي ضد استمرار بوتفليقة في الحكم على هامش اجتماع للمجلس البلدي. وحسب نفس المسؤول "أنا ابن حي شعبي وعائلتي تضم مجاهدين في الثورة التحريرية ضد الاستعمار الفرنسي (1954/1962) أكيد أكون مع صوت الشعب".

وتزامنت تصريحات بطاش مع إضراب لعمال البلدية تضامنا مع الحراك الشعبي المطالب برحيل بوتفليقة.

وعين بطاش في شباط/ فبرار الماضي، مديرا لحملة بوتفليقة بمحافظة العاصمة، قبل أن يسحب الأخير ترشحه لولاية خامسة ويلغي الانتخابات في 11 مارس/ آذار تحت ضغط شعبي رافض لاستمراره في الحكم.

الاحتجاجات تزداد نظافة واتساعًا: "لا نريد نفايات لا في الشارع ولا في الحكم"

"لم تكن شوارع الجزائر العاصمة نظيفة كما هي منذ بداية الاحتجاجات"، يقول نسيم وهو واقف أمام محله بعد جمعة أخرى من التظاهر ضد بوتفليقة. ويرجع الفضل في ذلك إلى العديد من المتطوعين الذين ينظفون بعد انصراف المتظاهرين.

وكل مساء يوم جمعة، بعد نهاية عدة ساعات من التظاهر، لا يبقى من مرور الحشود الكبيرة إلا أكياس القمامة المليئة عن آخرها مركونة بعناية في زوايا شوارع العاصمة.

ومنذ الدعوات الأولى للاحتجاج في الجزائر عبر الشبكات الاجتماعية بالشعار الشهير "سلمية، سلمية"، ثم أضيف شعار "حضارية"، وفي جميع أنحاء البلاد تمت دعوة المحتجين لجلب أكياس القمامة للحفاظ على نظافة الشوارع.

ووصلت الرسالة للعديد من الشباب الذين خرجوا للتظاهر في 22 شباط/ فبراير، أول جمعة من سلسلة التظاهرات المتتالية، وهو حال سمير، طالب في علم الأحياء يبلغ من العمر 23 عامًا، ويقول: "أخذت كيس قمامة في المنزل وفعل صديقي الشيء نفسه. وقمنا بجمع قوارير المياه والأوراق المرمية بشكل أساسي، بينما كنا نسير".

وذكر هشام (22 عامًا) أنه في "أول جمعتين" من التظاهر "نظفنا تلقائيًا، كل على حدة"، وقال الشاب، الذي يعمل في النظافة أصلا، بما أن مهنته غسل السيارات "ساعدنا السكان المجاورون لمكان التظاهر بالمكانس وأكياس القمامة".

ثم تنظم الشباب عبر مواقع التواصل الاجتماعي فانضم سمير إلى مجموعة "الشارات الخضراء" أما هشام فالتحق بـ"السترات البرتقالية"، ويقدم هؤلاء المتطوعون أيضًا الإسعافات الأولية، ويسهرون على السير الحسن للموكب أو يوجهون المتظاهرين التائهين.

وأوضح أمين (23 عاما) وهو يعمل في مجال الاتصال "نريد أن ننقل صورة السلمية والمواطنة" عن الاحتجاج. وكان الشاب يرتدي "سترة برتقالية " ويلبس قفازات وهو بصدد ملء كيس القمامة بعد نهاية المسيرة.

وفي حي "تيليملي" تشكلت لجة حي يرأسها نبيل موهوب (40 عاما)، وهو من يهتم كل جمعة بتوزيع السترات البرتقالية التي حصل عليها من بلدية الجزائر الوسطى وأكياس القمامة.

وأوضح "كل جمعة نقوم بملء أكثر من 150 كيس قمامة من الحجم الكبير بكل أنواع الفضلات في شارع كريم بلقاسم فقط"، وهو الشارع الرئيسي للحي.

وكان هذا الشارع، الذي تطوقه الشرطة كل جمعة لمنع الوصول إلى محور يؤدي إلى الرئاسة، شهد مواجهات بين مئات المتظاهرين ورجال الأمن، على هامش التظاهرة السلمية.

وعندما تصد الشرطة بالغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي، المتظاهرين الرافضين للتراجع، يتبعهم على بعد أمتار قليلة جيش من السترات البرتقالية لإزالة الأحجار والمقذوفات وكل المتاريس أو القمامة من الشوارع.

ويقدم السكان والتجار المجاورون للشارع في بعض الأحيان، خراطيم المياه، حتى أن الأمر لا يستغرق أكثر من ساعتين حتى يسترجع الحي مظهره الطبيعي.

وعلى بعد شارعين أو ثلاثة أسفل الحي، انتهت التظاهرة دون تسجيل حوادث، لكن هناك أيضا ينشط المتطوعون لتنظيف المكان.

وقام يونس (23 عاما)، من مجموعة "الشارات الخضراء"، بإعادة المرور عبر المسار و"جمع الكثير من الأشياء: قارورات بلاستيكية وعلب بسكويت فارغة وعلب سجائر، وأكواب كرتونية... وأحيانا يتم العثور على أشياء غير عادية مثل مقبض باب".

وبعد نهاية المسيرة من أجل "التغيير" وبعد انصراف أغلب المتظاهرين، يساعد بعض الشباب، ذكورا وإناثا والأعلام الوطنية على ظهورهم، المتطوعين الذين ينظفون الشوارع من أي قاذورات.

ويتعاون بعض الشباب لشراء الأكياس، بينما يطلب آخرون من المتظاهرين المساعدة المالية، فيستجيب هؤلاء بكل سرور.

وبعد إسعاف أحد المتظاهرين سقط أرضا، عادت سمية (25 عاما) من مجموعة "السترات البرتقالية" إلى التقاط كيس القمامة قائلة "لا نريد نفايات لا في الشارع ولا في الحكم".

التعليقات