بوتفليقة.. تسلسل زمني لسقوط مشروع الولاية الخامسة

الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، أنهى ولايته الرابعة قبل موعدها المحدد في 28 نيسان/أبريل 2019، بعد مسيرات مليونية طالبت برحيله.

بوتفليقة.. تسلسل زمني لسقوط مشروع الولاية الخامسة

(أ.ب.)

 بعد شهر من الاحتجاجات استفاق الجزائريون، اليوم الأربعاء، للمرة الأولى منذ 20 عاما، من دون أن يكون عبد العزيز بوتفليقة على رأس السلطة، لكنهم رغم فرحتهم لا ينوون وقف حراكهم حتى رحيل "النظام" بكامله.

وحاول الرئيس الجزائري (82 عاما) الذي اختفى تقريبا عن الإعلام منذ عام 2013، إثر إصابته بجلطة دماغية، التشبث بالسلطة، مقدما الاقتراح تلو الاقتراح لتهدئة الشارع، من دون جدوى.

وأنهى الرئيس الجزائري، مساء الثلاثاء، ولايته الرئاسية الرابعة قبل موعدها المحدد في 28  نيسان الجاري، ووضع بوتفليقة، بذلك حدا لحكمه الذي استمر عشرين سنة، بدأها في أبريل 1999.

استقالة الرئيس الجزائري، جاءت نتيجة مسيرات سلمية صنفت أنها الأكبر في تاريخ البلاد، منذ إعلان رغبته في الترشح لعهدة رئاسية خامسة.

إعلان الترشح

رغم وضعه الصحي المنهك، أعلن حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، في 9 شباط/فبراير الماضي، ترشيح بوتفليقة لعهدة رئاسية خامسة، تحسبا للاستحقاقات التي كانت مقررة في 18 نيسان 2019.

وجمع الحزب الحاكم آلاف المواطنين بالقاعة البيضوية، في مركب محمد بوضياف الأولمبي، لإعلان الترشح وسط أجواء احتفالية، سرعان ما تحولت إلى مصدر استهجان وغليان شعبي على مواقع التواصل الاجتماعي.

بداية الحراك الشعبي

في 15 شباط/ فبراير الماضي، خرجت أول مسيرة رمزية ضد ترشح الرئيس بوتفليقة لعهدة خامسة، من ملعب الشهيد رويبح حسين، بولاية جيجل شرق البلاد.

في اليوم الموالي، نظم سكان مدينة خراطة بولاية بجاية، مسيرة أكبر حجما وأكثر تنظيما، تطالب بإسقاط العهدة الخامسة.

وانتشرت دعوات مجهولة المصدر، للتظاهر يوم الجمعة 22 فبراير، على منصات مواقع التواصل الاجتماعي.

استجاب الجزائريون لهذه الدعوات بشكل كبير، ولم تفلح عمليات قطع الإنترنت والهاتف النقال، في التعتيم على حجم وعدد المتظاهرين ضد العهدة الخامسة.

فشل خريطة الطريق رقم 1

بعد المسيرة الثانية التي كانت أكثر عددا وأوسع انتشارا، قدم بوتفليقة، من خلال مدير حملته عبد الغاني زعلاني، خطة عمل تقضي بتقليص العهدة الرئاسية الخامسة إلى سنة واحدة، ينظم خلالها ندوة وطنية، تتوج بتعديل الدستور والتأسيس لتغيير النظام.

وطرحت الخطة، عند وضع ملف الترشح على مستوى المجلس الدستوري، في 3 مارس/ آذار الماضي.

رد الشعب الجزائري على هذه الخطة بالرفض المطلق، في مسيرات عارمة بتاريخ 8 مارس، تزامنت مع اليوم العالمي للمرأة، ما أعطى فرصة لمشاركة واسعة للجزائريات فيها.

فشل خريطة الطريق رقم 2

فور عودته من رحلة علاجية من جنيف السويسرية، قام الرئيس الجزائري، في 11 آذار/مارس، بتعيين وزير الداخلية نور الدين بدوي وزيرا أول، خلفا لأحمد أويحيى المستقيل.

واستحدث منصب نائب الوزير الأول، كلف به مع حقيبة الخارجية، وزير الخارجية السابق رمطان لعمامرة.

واقترح بوتفليقة خطة عمل، من خلال الانتخابات الرئاسية، واقترح تنظيم ندوة وطنية، تتوج بإصلاحات عميقة تفضي إلى انتخابات رئاسية، ليسلم بعدها صلاحيات ومهام رئيس الجمهورية للرئيس المنتخب.

رفض الشعب الجزائري في مسيرات حاشدة هذه الخطة، في مسيرة الجمعة 15 آذار، كما اتضح ارتفاع سقف المطالب إلى ضرورة رحيل كل الوجوه التي قدمها بوتفليقة لقيادة الحكومة وتسيير الأزمة.

الجيش يخرج عن صمته ويعقب

في 18 آذار، تطرق الجيش الجزائري، بقيادة نائب وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أحمد قايد صالح، لأول مرة للأزمة السياسية التي تعرفها البلاد.

واعتبر قايد صالح أن "ما يجري مشكلة، ولكل مشكلة حلول".

في ذات اليوم، أصدر بوتفليقة رسالة بمناسبة عيد النصر، تمسك فيها بخطته القائمة على تنظيم ندوة وطنية، وتسليم السلطة لرئيس منتخب.

تواصل الضغط الشعبي، للجمعة الرابعة تواليا، وتظاهر الجزائريون بالملايين في كافة الولاية، في 22 مارس، مجددين رفضهم المطلق لاستمرار بوتفليقة في الحكم، معتبرين خطته "تمديدا غير دستوري للحكم".

البيان الثاني للجيش

أمام عدم رد بوتفليقة، على مسيرات الجزائريين بمبادرات أخرى، استشعر الجيش حساسية الوضع، وتوجهه نحو انسداد خطير.

وعاد الفريق أحمد قايد صالح في 26 مارس، للحديث عن الوضع، معتبرا هذه المرة أن "البلاد تعرف أزمة، لن تحل إلا في إطار دستوري، وبتفعيل المادة 102 من الدستور".

وتنص المادة المذكورة على شغور منصب رئيس الجمهورية بسبب المرض أو الاستقالة أو الوفاة.

الجيش يحسم

لم تستجب رئاسة الجمهورية والمجلس الدستوري، لمقترح الجيش بتفعيل الآليات الدستورية لإنهاء حكم بوتفليقة، وضمان مخرج دستوري للأزمة.

ورد الشعب الجزائري بالتظاهر في جمعة 29 آذار، مرددين شعارات تطالب برحيل بوتفليقة وجميع رموز نظامه.

في اليوم الموالي 30 آذار، عقدت قيادة أركان الجيش برئاسة أحمد قايد صالح، اجتماعا عاجلا جددت فيه ضرورة تفعيل المواد 07 و08 و102 من الدستور، لإنهاء الأزمة.

وكشفت فيه معلومات خطيرة، تتعلق باجتماع جهات وصفها "بغير الدستورية"، حضرت فيه لشن حملة تشويه ضد الجيش عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.

هذه الجهات سرعان ما اتضح أنها الشقيق الأصغر للرئيس، السعيد بوتفليقة، وقائد جهاز المخابرات السابق، محمد مدين المدعو توفيق، والرئيس السابق اليمين زروال.

وعرض على الأخير قيادة مرحلة انتقالية، وفق خريطة طريق، قابلها بالرفض.

 الأحداث تتسارع

ردت الرئاسة الجزائرية في 31 آذار، على بيان قيادة الأركان، بتعيين حكومة يرأسها الوزير الأول بدوي، لقيت رفضا شعبيا، وأثارت غموضا واسعا بعد تواجد الفريق أحمد قايد صالح ضمنها بحقيبة نائب وزير الدفاع.

وفي الأول من أبريل، أصدرت رئاسة الجمهورية بيانا، قالت فيه إن "الرئيس بوتفليقة سيتخذ قرارات هامة، قبل أن يقدم استقالته من الحكم دون انتظار نهاية عهدته في 28 نيسان الجاري".

وانتشرت على مواقع التواصل، بيانات مزيفة، تزعم إنهاء الرئيس بوتفليقة مهام الفريق أحمد قايد، وإحالته على القضاء العسكري، وحرصت وزارة الدفاع على تكذيبها بشكل حازم.

الاجتماع الأكبر والاستقالة

في الثاني من نيسان، ترأس الفريق أحمد قايد صالح، أكبر اجتماع للجيش الجزائري منذ عقود.

وحضره قادة القوات البرية، والبحرية، والجوية، وقوات الدفاع الجوي عن الإقليم، وقادة النواحي العسكرية الستة، وقائدا سلاحي الحرس الجمهوري والدرك الوطني.

توج الاجتماع ببيان شديد اللهجة، أكد المخرج الدستوري للأزمة بتفعيل المواد 07 و08 و102 من الدستور.

وهاجم بشدة الدائرة المقربة من الرئيس بوتفليقة، المشكلة من شقيقه السعيد بوتفليقة، ورجال أعمال صدرت بحقهم قرارات بالتحقيق القضائي، والمنع من السفر.

وقال قايد صالح، إن عصابة استولت على مقدرات الجزائريين، وتحاول الالتفاف على مطالبهم، وإطالة أمد الأزمة وتعقيدها.

أقل من ساعتين على اجتماع كبار قادة الجيش، أخطر الرئيس بوتفليقة، رسميا المجلس الدستوري باستقالته، واضعا حدا لحكم استمر 20 سنة.

 

التعليقات