تجدد الحراك اللبناني: إغلاق الطرقات احتجاجا على مراوغة السياسيين

عاد المتظاهرون مجددًا إلى الشوارع، اليوم الثلاثاء، في عدد من المناطق اللبنانية، احتجاجًا على تعثّر تشكيل حكومة وازدياد حدّة الأزمة الاقتصادية والمالية، بعد ثلاثة أشهر من انطلاق تظاهرات غير مسبوقة ضد الطبقة السياسية.

تجدد الحراك اللبناني: إغلاق الطرقات احتجاجا على مراوغة السياسيين

(الأناضول)

عاد المتظاهرون مجددًا إلى الشوارع، اليوم الثلاثاء، في عدد من المناطق اللبنانية، احتجاجًا على تعثّر تشكيل حكومة وازدياد حدّة الأزمة الاقتصادية والمالية، بعد ثلاثة أشهر من انطلاق تظاهرات غير مسبوقة ضد الطبقة السياسية.

وتداول ناشطون ومجموعات بارزة في التظاهرات دعوات للتحرك في "أسبوع الغضب"، والى تنظيم مسيرات سيّارة وقطع الطرق ومشاركة المدارس والجامعات، بالإضافة إلى التظاهر أمام منزل رئيس الحكومة المكلف، حسان دياب، الذي تعهّد منذ تكليفه قبل نحو شهر بتشكيل حكومة اختصاصيين.

وعمد المتظاهرون، اليوم، إلى قطع طرق رئيسية في محيط بيروت وعدد من المناطق بالإطارات المشتعلة ومستوعبات النفايات، وخاصة عند "المدينة الرياضية" و"فرن الشباك"، وطريق "نهر الموت" ما تسبب بزحمة سير خانقة.

وتجمّع عشرات الشبان أمام البنك المركزي في بيروت وفروعه في المناطق، وسط استنفار أمني، مرددين هتافات مناوئة للمصارف والقيود المشددة التي تفرضها على سحب الأموال.

ووصلت آليات للجيش اللبناني، إلى نقطة "الأوتوستراد" في "جونية" شمال العاصمة، حيث تجمع عدد من الطلاب المحتجين على "الأوضاع الاقتصادية ومراوغة السياسيين في تشكيل حكومة".

وفي محافظة الشمال، فقد قطع المحتجون عدة طرقات في المحافظة بالإطارات والعوائق وسمحوا فقط بمرور الصليب الأحمر والحالات الطارئة والآليات العسكرية.

كما قام المتظاهرون بإقفال عدد من محلات الصيرفة في صيدا (جنوب)، واعتصم عدد منهم أمام "مصرف لبنان" في المدينة، فيما نصب عدد آخر خياما وسط مدخل المدينة الجنوبي.

ودخل عدد من المحتجين، مركز "أوجيرو" للاتصلات (حكومي) في مدينة جبيل شمال بيروت، مرددين هتافات منددة بالقوى السياسية، وتوجهوا إلى مبنى شركة الكهرباء في المنطقة.

و قطع محتجون، عددا من الطرقات في مختلف مناطق محافظة البقاع (شرق)، مطالبين بالإسراع بتشكيل الحكومة لمعالجة الأوضاع الاقتصادية.

وأكد المحتجون أنهم سيواصلون "الاحتجاج لحين تشكيل حكومة جديدة من اختصاصيين مستقلين قادرة على إنقاذ لبنان من الأزمات المتتالية التي تعصف به".

وقالت المتظاهرة ليلى يوسف (47 عامًا) في محلة فرن الشباك قرب بيروت، بينما كان شبان يقطعون الطريق، "سنعاود قطع الطرق لأننا لم نعد نقوى على التحمّل أكثر". وأضافت "ما نجنيه (من المال) لا يكفينا لشراء حاجات المنزل"، في خضم أسوأ أزمة اقتصادية في البلاد منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975-1990).

وخسر عشرات آلاف اللبنانيين وظائفهم أو جزءًا من رواتبهم خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة؛ فيما يشكو المواطنون من تقلص قدرتهم الشرائية مقابل ارتفاع الأسعار وعجزهم عن تسديد التزاماتهم المالية.

وتقترب الليرة اللبنانية من خسارة نحو نصف قيمتها عمليًا. ففيما لا يزال سعر الصرف الرسمي مثبتًا على 1507 ليرات مقابل الدولار، لامس الدولار عتبة 2500 ليرة في السوق الموازية.

وتفرض المصارف قيودًا مشددة على عمليات السحب بالدولار، وتشهد فروعها بشكل شبه يومي إشكالات يثيرها زبائن يريدون الحصول على أموالهم.

وقال متظاهر غاضب (75 عامًا) في محلة جل الديب، شمال بيروت، عرّف عن نفسه باسم "ثورة"، "لم يجد الزعماء ما يسرقونه، ولكي يُذلوا الشعب اللبناني شكلوا مافيا مع المصارف"، متسائلًا "هل يُعقل أن يرتفع الدولار بين ليلة وضحاها من 1500 إلى 2500 ليرة؟".

ومنذ 17 تشرين الأول/ أكتوبر، خرج عشرات الآلاف من اللبنانيين إلى الشوارع والساحات وقطعوا الطرق احتجاجًا على أداء الطبقة السياسية التي يتهمها المتظاهرون بالفساد ويحملونها مسؤولية تدهور الوضع الاقتصادي وعجزها عن تأهيل المرافق وتحسين الخدمات العامة الأساسية.

وتسببت هذه الاحتجاجات باستقالة رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري، ومن ثم تكليف دياب تشكيل حكومة إنقاذية في 19 كانون الأول/ ديسمبر. وتراجعت منذ ذاك الحين وتيرة التظاهرات لتقتصر على تحركات تجاه المصارف أو تجمعات ونشاطات رمزية، في ما بدا إفساحًا في المجال أمام دياب لتشكيل حكومة جديدة.

ويطالب المتظاهرون اليوم بالإسراع في تشكيل حكومة تنصرف لوضع خطة إنقاذية للاقتصاد، ومنذ تكليفه، لم يتمكن دياب من تشكيل حكومة يريدها مصغّرة ومؤلفة من اختصاصيين تلبية لطلب الشارع، فيما تنقسم القوى السياسية الداعمة لتكليفه حول شكلها، ويطالب بعضها بحكومة تكنو سياسية.

وتحدّث دياب، الجمعة، عن "ضغوط" يتعرض لها، إلا أنه أكّد في الوقت ذاته أنه "مهما بلغت، لن تغير من قناعاتي ولن أرضخ للتهويل".

وأقر رئيس الجمهورية ميشال عون، أمس الثلاثاء، في كلمة ألقاها خلال استقباله أعضاء السلك الدبلوماسي في لبنان، بأن "بعض العراقيل حالت دون" ولادة الحكومة التي يجب أن يكون لديها "برنامج محدد وسريع للتعامل مع الأزمة الاقتصادية والمالية الضاغطة، ومجابهة التحديات الكبيرة التي تواجه لبنان وكل المنطقة".

في المقابل، أعلنت قوى سياسية عدة عدم نيتها المشاركة في الحكومة على رأسها "تيار المستقبل" بزعامة الحريري.

وأعرب المتظاهر سعيد طوق (60 عامًا)، وهو جندي متقاعد، عن اعتقاده بأن القوى السياسية "لن تتمكن من تشكيل حكومة مع تمسّك كل طرف بوزاراته".

وقال خلال مشاركته في مظاهرة جل الديب "لم يعد بإمكانهم أن يفرضوا أنفسهم علينا نحن الشعب اللبناني. ليرحلوا، لقد فقّرونا وجوّعونا، لا ماء ولا كهرباء والفساد مستشر. ماذا ننتظر بعد؟".

وتأمل القوى السياسية أن يفتح تشكيل الحكومة الباب أمام تقديم المجتمع الدولي مساعدات ملحة يحتاج إليها لبنان لتفادي انهيار اقتصادي أكبر، بينما يعيش ثلث سكانه تحت خط الفقر، بحسب الأمم المتحدة، ويشهد أزمة سيولة حادة وارتفاعًا في أسعار المواد الرئيسية.

وتعدّ الأزمة الاقتصادية الراهنة وليدة سنوات من النمو المتباطئ، مع عجز الدولة عن إجراء إصلاحات بنيوية، وتراجع حجم الاستثمارات الخارجية، عدا عن تداعيات الانقسام السياسي الذي فاقمه النزاع في سورية. وارتفع الدين العام إلى نحو تسعين مليار دولار، أي ما يعادل أكثر من 150 في المئة من إجمالي الناتج المحلي.

في مدينة طرابلس (شمال)، أكد علاء خضر (30 عامًا) رفض تشكيل "حكومة محاصصة" سياسية، موضحًا أنه لا يمكن للفرقاء السياسيين "أن يسموا مستشاريهم وزراء ويقولوا لنا إن هؤلاء مستقلين وتكنوقراط". ودعا إلى الإسراع في تشكيل حكومة إنقاذ لأن "الوضع الاقتصادي لم يعد يحتمل الانتظار والبلد ينحدر نحو الانهيار" الكامل.

التعليقات