ضغوط سياسية وشعبية.. هل يؤثر العدوان الإسرائيلي على التطبيع مع السودان؟

شكلّ العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين في القدس المحتلة وقطاع غزة، ضغوطا متزايدة على السودان آخر البلدان المطبعة مع إسرائيل؛ سيما وأن خطوة التطبيع لا تحظى بإجماع سياسي في السودان ولاقت رفضا شعبيا واسعا

ضغوط سياسية وشعبية.. هل يؤثر العدوان الإسرائيلي على التطبيع مع السودان؟

مظاهرة سودانية رافضة للتطبيع (الأناضول)

شكلّ العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين في القدس المحتلة وقطاع غزة، ضغوطا متزايدة على السودان آخر البلدان المطبعة مع إسرائيل؛ سيما وأن خطوة التطبيع لا تحظى بإجماع سياسي في السودان ولاقت رفضا شعبيا واسعا على الرغم من مضي الحكومة الانتقالية قدما فيها.

وارتقى 243 شهيدا إثر العدوان الإسرائيلي على غزة لغاية اليوم، الجمعة، بينهم 66 طفلا و39 امرأة إلى جانب 1910 جرحى، وفقا لوزارة الصحة في غزة.

ومنذ 13 نيسان/ أبريل الماضي، تفجرت الأوضاع في الأراضي الفلسطينية جراء اعتداءات "وحشية" ارتكبتها الشرطة الإسرائيلية ومستوطنون في القدس والمسجد الأقصى ومحيطه وحي "الشيخ جراح"، إثر مساع إسرائيلية لإخلاء 12 منزلا من عائلات فلسطينية وتسليمها لمستوطنين.

ضغوط شعبية وسياسية

ومع استمرار الاعتداءات الإسرائيلية، تواجه السلطات الانتقالية في السودان مزيدا من الضغوط السياسية والشعبية بشأن الاستمرار في ملف التطبيع، بحسب متابعين.

وتظاهر المئات في العاصمة الخرطوم يوم الثلاثاء الماضي تنديدا بالهجمات الإسرائيلية على غزة والقدس، ودعما للشعب الفلسطيني، بدعوة من قوى شعبية مقاومة للتطبيع.

وطالب المتظاهرون بوقف الهجمات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، رافعين لافتات ترفض التطبيع.

وفي 17 أيار/ مايو الجاري، دعا الحزب الشيوعي السوداني، حكومة بلاده بالإلغاء الفوري لكل خطوات التطبيع مع إسرائيل.

كما تطالب أحزاب أخرى مشاركة في الائتلاف الحاكم (قوى إعلان الحرية والتغيير) منها حزب البعث العربي الاشتراكي، بإيقاف التطبيع مع إسرائيل.

ودعا "البعث العربي"، في 13 أيار/ مايو، "إلى النزول للشوارع رفضا للتطبيع مع إسرائيل، من الرباط إلى المنامة إلى أبو ظبي وانتهاء بالقاهرة وعمان وكل موقع عربي يقيم علاقة مع إسرائيل فوق الطاولة أو تحتها".

وفي نيسان/ أبريل الماضي، صادق مجلسا السيادة والوزراء بالسودان، "بشكل نهائي" على مشروع يلغي قانون مقاطعة إسرائيل، القائم منذ عام 1958.

ويحظر قانون مقاطعة إسرائيل على "أي شخص أن يعقد بالذات أو الوساطة (التفويض) اتفاقا من أي نوع مع هيئات أو أشخاص مقيمين في إسرائيل أو مع هيئات أو أشخاص يعلم أنهم ينتمون بجنسيتهم إلى إسرائيل أو يعملون لحسابها".

وفي 23 تشرين الأول/ أكتوبر 2020، أعلن السودان تطبيع علاقته مع إسرائيل، لكن قوى سياسية عديدة أعلنت رفضها القاطع للتطبيع، بينها أحزاب مشاركة في الائتلاف الحاكم.

بين الدعم لفلسطين والتطبيع

ودافع رئيس مجلس السيادة الانتقالي، عبد الفتاح البرهان، مجددا عن خيار التطبيع مع إسرائيل.

واعتبر البرهان، في مقابلة تلفزيونية مع قناة "فرانس 24"، أن التطبيع "ليست له علاقة بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم".

وقال إن "قيام دولة فلسطينية هو الحل للنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني".

كما أعلنت الحكومة السودانية في 14 أيار/ مايو، دعمها للشعب الفلسطيني في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، معلنة استعدادها لتقديم كل ما يلزم لوقفها.

جاء ذلك في اتصال هاتفي أجرته وزيرة الخارجية مريم الصادق المهدي، مع نظيريها الفلسطيني رياض المالكي، والسعودي فيصل بن فرحان.

وأعربت المهدي، بحسب بيان للخارجية، "عن قلقها وقلق بلادها من استمرار الاعتداءات الإسرائيلية ووقوف السودان حكومة وشعبا مع الشعب الفلسطيني أمام هذه الاعتداءات".

تباطؤ التطبيع

وقال المحلل السياسي السوداني، عبد الله رزق، إنه بحسب تصريحات "البرهان"، فإنه ليس هناك علاقة بين موقف الحكومة من القضية الفلسطينية وحل الدولتين، من جهة، واتجاهها نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني، من جهة أخرى.

وأشار رزق إلى أن "وتيرة المضي في اتجاه التطبيع تباطأت منذ وقت سابق للعدوان الصهيوني على غزة، بسبب النقد الواسع الذي وجدته الخطوة التطبيعية للحكومة السودانية من الداخل والخارج".

وأضاف أن "تضامن الشعب السوداني وقواه السياسية مع شعب فلسطين ونضاله وتأييد حقوقه المشروعة، بجانب حركة التضامن في كل العالم من شأن كل ذلك أن يحاصر دعاة التطبيع ويجبرهم على التراجع التكتيكي، عن مواقفهم المعلنة، والكف عن الاندفاع غير المحسوب على طريق التطبيع.

وأوضح رزق أن "قرار التطبيع الذي لم يصدر من إرادة داخلية، ولم يكن محل توافق وطني، ستبقى قِواه مُقيدة بالتزاماتها تجاه الإملاءات الخارجية، وفي مقدمتها التطبيع".

ورأى أن "اتباع سياسات الصندوق والبنك الدوليين، فيما يخص الاقتصاد.. يجعل التطبيع ونهج الاقتصاد الحر، وجهان لعملة واحدة، هي الاستسلام للإرادات الخارجية، والقطيعة مع الشعب وتطلعاته".

تطبيع تحت الضغط

واتفق عدد من المراقبين أن التطبيع مع إسرائيل هو في الأساس ناتج عن ضغط أميركي على السودان وتم مقابل إزالة اسمه من "قائمة الدول الراعية للإرهاب".

وهو ما ذهب إليه المحلل السياسي السوداني، عبد المنعم أبودريس، قائلا إن "خطوات التطبيع بين السودان وإسرائيل تمضي ببطء".

وأضاف "لا أعتقد أن ما يجري في الأراضي الفلسطينية يمكن أن يؤثر على التطبيع، باعتبار أن خطوة السودان جزء من صفقة إزالة اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب".

وقال المحلل السياسي والخبير الاستراتيجي السوداني، أمين إسماعيل مجذوب، "مشروع التطبيع بين الخرطوم وتل أبيب جاء نتيجة لضغط وشروط لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب".

وأضاف مجذوب "إذًا الظروف والوقائع التي تم فيها التطبيع ما زالت موجودة، وهي إرضاء الولايات المتحدة في المقام الأول، والمحافظة على إبعاد السودان من المقاطعة والعقوبات".

ولفت إلى أن هناك عوامل أخرى تجعل أمر التطبيع يسير بصورة "حسنة"، بالرغم مما يجري الآن في فلسطين من صراع ضد إسرائيل.

واستطرد مجذوب قائلا على رأس هذه الأسباب، أن "الحكومة الانتقالية في السودان ليس لها علاقة بما يدور في فلسطين والجماعات التي تقاوم إسرائيل".

وأردف "لأول مرة يكون هناك عدوان إسرائيلي على فلسطين ولا يكون السودان معلقا أو مشارك بالاحتجاجات الواسعة في رفض واسع لهذا العدوان".

وشدد على أن "التطبيع أصبح أمرا واقعا مرتبطا بكل "الجذر"، الذي سيقدم للسودان في المستقبل حتى لا يتعرض لضغوط أو عقوبات أخرى".

ووقع الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، في 23 تشرين الأول/ أكتوبر 2020 ، قرارا برفع اسم السودان من قائمة الإرهاب، حيث أدرجته واشنطن على هذه القائمة منذ 1993، لاستضافته آنذاك زعيم تنظيم "القاعدة"، أسامة بن لادن.

وفي اليوم نفسه، أعلن وزير الخارجية السوداني المكلف عمر قمر الدين حينها، أن الحكومة الانتقالية وافقت على تطبيع العلاقات مع إسرائيل.

وفي 14 كانون الأول/ ديسمبر 2020، أعلنت السفارة الأميركية لدى الخرطوم بدء سريان قرار إلغاء تصنيف السودان "دولة راعية للإرهاب".

التعليقات