انتخاب رئيس جديد للبنان؟ "ليس قبل توافق إقليميّ بعيد عن متناول اليد"

نواب البرلمان أخفقوا للمرة الخامسة في انتخاب خلف للرئيس المنتهية ولايته ميشال عون وتوقعات باستمرار الفراغ الرئاسي عدة أشهر

انتخاب رئيس جديد للبنان؟

خلال تظاهرة في بيروت (Getty Images)

للمرة الخامسة تواليا، فشل البرلمان اللبناني، أمس الخميس، في انتخاب رئيس جديد للبلاد، خلفا للرئيس ميشال عون، الذي انتهت ولايته في 31 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي؛ ليستمرّ بذلك الفراغ في سدّة الرئاسة، فلم يتوافق الفرقاء السياسيون حتى الآن على اسم الرئيس الرابع عشر للبلاد.

ومنذ أيلول/ سبتمبر الماضي، أخفق نواب البرلمان 5 مرات أحدثها، أمس الخميس، في انتخاب خلف لعون الذي انتهت ولايته، وسط توقعات باستمرار الفراغ الرئاسي عدة أشهر.

وعلى مدى 79 عاما، لم تنتقل السلطة من رئيس إلى آخر بطريقة سلسة، وفي سياق انتخابات رئاسية طبيعية، إلا خلال عهدين من أصل 13، وبعد استقلال لبنان حصل شغور رئاسي 3 مرات.

ويواجه لبنان حاليا أزمة حكم غير مسبوقة مع عدم وجود رئيس للبلاد، وفي ظل حكومة تصريف أعمال برئاسة نجيب ميقاتي، محدودة السلطات، وبرلمان منقسم على عدة خيرات، فلا تملك جهة قوة أن تفرض رئيسا بالانتخاب الحرّ كما ينصذ الدستور.

وينص الدستور اللبناني على أن مجلس النواب ينتخب الرئيس بالاقتراع السري، وهذا المجلس يـتألف من 128 مقعدا يتم تقسيمها بالتساوي بين الطوائف الإسلامية والمسيحية.

وضمن التوافقات، يتولى رئاسة البلاد مسيحي ماروني، ورئاسة الحكومة سُني، ورئاسة البرلمان شيعي.

(Getty Images)

وبحسب المادة 49 من الدستور، يُنتخب رئيس البلاد في دورة التصويت الأولى بأغلبية الثلثين أي 86 نائبا من 128، ويُكتفى بالغالبية المطلقة (النصف +1) في الدورات التالية، على أن يكون نصاب حضور هذه الدورات، سواء الأولى أو الثانية، 86 نائبا.

ووفق مطلعين، فإن النفوذ الأجنبي قد يلعب دورا في إبرام صفقات لانتخاب الرئيس في بلد لطالما لعبت المنافسات الدولية، دورا في أزماته المحلية.

"المشكلة تتعلّق بالأخلاقيات السياسية، لا بالنصوص الدستورية"

وأجمع محللون سياسيون وخبراء قانونيون على أن العيب ليس بالنصوص الدستورية، وإنما باستخدامها بحسب مصالح السياسيين الذين ينتظرون الضوء الأخضر من الخارج لانتخاب الرئيس.

وأعرب أستاذ القانون الدولي، المحامي بول مرقص، وهو رئيس مؤسسة JUSTICIA الحقوقية، عن سخطه "لأن الممارسة التي يتبعها كثير من السياسيين في عملية انتخاب الرئيس، دون مستوى النصوص الدستورية والقانونية الواضحة في هذا الخصوص".

خلال التصويت على انتخاب رئيس جديد للبلاد (Getty Images)

ونقلت وكالة "الأناضول" عن مرقص قوله إن "المشكلة في لبنان تتعلق بالأخلاقيات السياسية، وليس بالنصوص الدستورية، وإن كانت الأخيرة بحاجة إلى تطوير، حيث تُستخدم بسوء نية بدل الممارسة الديمقراطية الحقّة".

وعدّ أن "كثير من السياسيين في لبنان يتجرؤون على تفسير الدستور على هواهم وإذا طبقوه يطبقونه بما يخدم مصالحهم السياسية عبر تعطيل جلسات انتخاب الرئيس".

وانتقد "لعبة التعطيل التي تلحق بالمؤسسات الدستورية، بدءا بمجلس النواب من حيث تعطيل التئامه بحجة النصاب الذي يستعملونه كشماعة بدل أن يذهبوا إلى لعبة الأكثريات الديموقراطية وصولا إلى مجلس الوزراء".

المنظومة الحاكمة

متفقا مع مرقص، قال المحلل السياسي، علي الأمين، إن "كل دستور مهما كان شديد الوضوح، لا يمكن تطبيق بنوده أو تحقيق غايته إذا ساءت نوايا من يُفترض منه التطبيق".

وأضاف أن "الدستور في لبنان تحول إلى وجهة نظر، لأن تطبيقه يتصادم مع مصالح قوى المنظومة الحاكمة والمتحكمة".

الرئيس المنتهية ولايته، عون (Getty Images)

ورأى أن "التفسيرات المعطلة لنص الدستور وروحه فرضت أن يتم انتخاب الرئيس بأكثرية ثلثي مجلس النواب في كل الدورات الانتخابية، وهذا ما يسبب تعطيل جلسات الانتخاب التي تتم بعد الدورة الأولى"، بحسب ما نقلت عنه "الأناضول".

وعدّ أن "غاية التفسير المشبوه للدستور في هذه الحال، هو ضرب فكرة الانتخاب والتنافس بين المرشحين، بسبب منع وصول رئيس متخفف من الشروط المسماة زورا وبهتانا شروط التوافق".

تعقيد

وعن انتخاب رئيس في لبنان بالطريقة الديمقراطية، رأى خلدون الشريف، السياسي والمستشار السابق لرئيس الحكومة، ميقاتي، أن "الأمر شديد التعقيد".

بعيد خلوّ قصر بعبدا، بسبب انتهاء ولاية عون (Getty Images)

وأضاف أنه "ليس لأن لبنان بحاجة إلى نظام جديد بل إلى معرفة كيفية تطبيق دستوره، ما يحتم الحاجة إلى حوار بين الفرقاء اللبنانيين للخروج بتوافقات لإدارة البلاد".

ولفت إلى أنه "منذ الاستقلال عام 1943 لبنان لم يستطيع اللبنانيون انتخاب رئيس عبر الانتخاب الديمقراطي إلا لمرة واحدة، وهو الرئيس سليمان فرنجية (1970- 1976) بفارق صوت واحد".

ضوء أخضر خارجيّ

وبهذا الخصوص، قال مرقص إن "عددا من الفرقاء السياسيين ينتظرون للأسف إشارات خارجية حول انتخاب الرئيس، وهو أمر لم ينضج".

وتابع :"كثير من السياسيين يستخدمون النصوص الدستورية، مطيّة للمضي قدما في عملية التعطيل والتسويف، إلى حين نضوج الظروف الإقليمية والدولية، لإعطاء الإشارة اللازمة بانتخاب الرئيس".

(Getty Images)

أما الشريف فعدّ أن "ممارسة الانتخاب في مجلس النواب صعبة، بسبب قبول اللبنانيين وخاصة المسؤولين السياسيين منهم منذ الاستقلال، أن لا يكون هناك خيار ديمقراطي صرف، وأن يكون الخيار مرتبط بخيارات إقليمية ودولية".

وتابع: "النواب اللبنانيون لن ينتخبوا رئيسا جديدا للبلاد، قبل توافق إقليمي ليس بمتناول اليد في هذا الوقت".

"التوافق" تقييد للسلطة

وعدّ الأمين أن "الانتخاب الحر والتنافس الديمقراطي يطلق من موقع الرئاسة الأولى دينامية ديمقراطية في بقية المؤسسات الدستورية، ويتيح آفاقا جدية لتغيير سلس وديمقراطي في مؤسسات الدولة المصادرة بقوة الميليشيات الطائفية، وبتوافق مدمر للدولة في ما بينها".

أما في ما يخصّ التوافق، فرأى أنه "تقييد لسلطة الرئاسة وتجويف للديمقراطية، وكبح لمسارات التغيير، وتواطؤ بين أطراف المنظومة الحاكمة بمختلف فرقائها، لمنع أي جديد من الدخول إلى مسرح السلطة، قد يقلب المعادلة أو يحد من تأثيرها وسطوتها".

وسقطت محاولة رئيس البرلمان نبيه بري لإجراء حوار برلماني واسع للوصول إلى رئيس جمهورية توافقي، بعدما لاقى اعتراضا من كتلتي "القوات اللبنانية" برئاسة سمير جعجع، و"التيار الوطني الحر" بقيادة النائب جبران باسيل.

(Getty Images)

ومرارا، قال بري إنه "لو اجتمع البرلمان عشرات المرات، فسنبقى في الدوامة ذاتها، ولن ينتخب رئيسا، لأن التوافق السياسي أساس لوصول أي مرشح لسدّة الرئاسة".

وبالدرجة الأولى، يُتهم كل من بري و"حزب الله"، و"التيار الوطني الحرّ"، و"تيار المردة" برئاسة سليمان فرنجية، بتعطيل جلسات انتخاب الرئيس.

وهؤلاء يواصلون اقتراعهم بالورقة البيضاء، ويعمدون في كل جلسة إلى إفقاد نصابها، خاصة في دورتها الثانية، ويكررون مشهد خروجهم من قاعة البرلمان، حتى فرض مرشح بالتسوية السياسية، والتوافق عليه.

التعليقات