محللون: اليمن قد تتحول إلى "فيتنام" خليجية في حال اجتياحها بريا

فيتنام مصر... كان هذا هو الوصف الذي اختاره مؤرخون عسكريون للإشارة إلى أوجه الشبه بين التجربة الأميركية في التدخل عسكريا بفيتنام، والتجربة المصرية

محللون: اليمن قد تتحول إلى

'فيتنام مصر'... كان هذا هو الوصف الذي اختاره مؤرخون عسكريون للإشارة إلى أوجه الشبه بين التجربة الأميركية في التدخل عسكريا بفيتنام، والتجربة المصرية في التدخل عسكريا في اليمن في ستينيات القرن الماضي.

وبدأت حرب فيتنام في 13 سبتمبر/ أيلول 1956، وبعدها بست سنوات بدأت الحرب اليمنية (من 1962 حتى 1970)، غير أن هذه السنوات التي تكونت خلالها خبرات تؤكد أن الاجتياح البري في الأماكن ذات الطبيعة الجغرافية الوعره مغامرة غير مأمونة المخاطر، لم تثن الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر عن قراره بخوض مغامرة الاجتياح البري لليمن دعمًا للجمهوريين بقيادة الجيش للإطاحة بالنظام الملكي في البلاد.

وتكبدت الولايات المتحدة خسائر بشرية واقتصادية ضخمة في حرب فيتنام، وتكرر نفس الأمر في التجربة المصرية باليمن التي منيت خلالها القوات المصرية بخسائر بشرية قدرت وفقا لإحصائيات غير رسمية بآلاف القتلى، إضافة إلى تكلفة اقتصادية قدرت بنحو نصف مليون دولار يوميا.

وفي حوار مسجل مع إحدى الفضائيات قبل وفاته في2011، قدّر الفريق سعد الشاذلي، الذي تولي قيادة ألوية الجيش المصري إبان الحرب في اليمن، قبل أن يتولى رئاسة أركان الجيش إبان عهد الرئيس الراحل أنور السادات، عدد القتلى بـ'ألف قتيل'، والخسائر المادية بـ40 مليون دولار. فيما قدر الفريق محمد فوزي، وكان وقتها رئيسًا لأركان الجيش المصرى، فى كتابه 'حرب الثلاث سنوات' أعداد القتلى بنحو خمسة آلاف.

ودخلت مصر حينها هذه الحرب، على الرغم من أن السفير أحمد أبو زيد، الذي كان سفيرًا لمصر في المملكة اليمنية من سنة 1957 إلى سنة 1961، أرسل العديد من التقارير الهامة عن اليمن، تحذر من إرسال جنود مصريين إلى هناك. وإضافة إلى الخبرة السلبية في التعامل العسكري مع الدول ذات الطبيعة الجغرافية الوعرة، والتي خلص إليها العسكريون من حرب فيتنام، كان هناك سببا آخر اجتماعيا تتفرد به اليمن وهو 'الطبيعة القبلية'.

ووفقا لرواية الفريق سعد الشاذلي فإن السفير  أبو زيد حذّر في تقاريره المسؤولين في مصر بأن القبائل اليمنية صعبة المراس وليس لديها شعور بالانتماء للوطن، وعارض السفير إرسال القوات المصرية واقترح دعم الضباط الأحرار اليمنيين بالمال والسلاح، وحذرهم بأن السعوديين سيغرقون اليمن بالمال لتأليب القبائل ضد الثورة. ولا يعرف حتى الآن، إن كانت هذه التقارير وصلت إلى وزارة الدفاع المصرية وتجاهلتها، أم أنها ظلت مدفونة في أدراج وزارة الخارجية.

ولكن ما يمكن تعلمه من حرب اليمن في الستينيات، ومن خبرة الحرب الأميركية في فيتنام أن الاقتحام البري لليمن مسألة في غاية الصعوبة، تنذر بـ'فيتنام خليجية'، إن لم يتم التفكير في حلول مبتكرة، وذلك استنادا إلى خمسة أسباب هي:

أولا: الطبيعة الجبلية
أرض اليمن عبارة عن جبال عالية بركانية، تشرف على ساحل البحر الأحمر من جهة الغرب، وتنحدر في الشرق نحو صحراء الربع الخالي، وتتخللها الأودية. وما بقي من أرض اليمن فهو عبارة عن سهل ساحلي قاحل على البحر الأحمر، عرضه حوالي 70 كلم وسهل ساحلي آخر على بحر العرب وخليج عدن، وهو سهل ضيق جداً تتخلله بعض الواحات.

وتمثل هذه الطبيعة الجبلية، لا سيما إذا صاحبها ندرة في الخرائط الطبوغرافية، عائقًا أمام أي قوة برية نظامية، واعترف بذلك مدير المخابرات العامة المصرية، صلاح نصر، إبان حرب اليمن عام 1962.

والخرائط الطبوغرافية توضح تضاريس سطح الأرض في أي بلد، وهذا ما يميزها عن الخرائط الأخرى، وهي هامة في أي عمل عسكري.

وقال نصر، في مذكراته، إن 'القادة الميدانيين المصريين كانوا يعانون من انعدام الخرائط الطوبوغرافية مما سبب لهم مشكلة حقيقية في الأشهر الأولى من الحرب… فلم يستطع القادة وضع الخطط للعمليات العسكرية ولأن مصر لم يكن لديها سفارة في اليمن منذ سنة 1961، فقد طلبت معلومات من السفير الأميركي في اليمن، لكن كل ما أرسله في تقريره كانت معلومات عن الاقتصاد اليمني'.

وواجهت الولايات المتحدة نفسها هذه المشكلة مرتين، ولم تستطع رغم تقدم وسائل الاستطلاع لديها وتوافر الخرائط الطبوغرافية في حلها، وكانت المرة الأولى في حربها بفيتنام عام 1956، حيث المساحات الشاسعة من الغابات، والمرة الثانية في حربها بأفغانستان عام 2001 حيث الطبيعة الجبلية.

عسكريًا، فإن التعامل الأمثل مع مثل هذه الطبيعة الجبيلة، لا يكون بالاجتياح البري، لكن تلعب قوات العمليات الخاصة دورًا مهما في هذا الصدد، كما يقول صفوت الزيات، الخبير العسكري والعميد المتقاعد بالجيش المصري، في حديثه مع وكالة الأناضول. ويضيف: 'هذه القوات لن تكون تحركاتها وفق أهداف تكتيكية واضحة، ولكن سيكون الهدف منها هو تنفيذ أهداف محددة لمواجهة مشكلة بعينها'.

ويبدو أن السعودية تستعد لهذا السيناريو من خلال التدريب المشترك مع قوات العمليات الخاصة الباكستانية، والتي لها خبرة طويلة في هذا المجال.

وأعلنت السعودية في 30 مارس/آذار الماضي عن انطلاق التمرين المشترك 'الصمام 5' بين القوات البرية الملكية السعودية ووحدات من القوات الخاصة بالجيش الباكستاني، وذلك في ميدان متخصص بالقتال الجبلي.

ونقلت وكالة الأنباء السعودية عن مدير التدريبات، العميد ركن شائح بن عبدالله القرني، قوله إن 'التدريب امتداد لسلسلة من التمارين المشتركة بين القوات البرية الملكية السعودية ومجموعة من قوات الدول الشقيقة والصديقة ومن ضمنها جمهورية باكستان الإسلامية'، موضحًا أن التدريبات على الحرب ستتم 'في بيئات ذات تضاريس جبلية صعبة وفي عمليات غير نظامية'.

ثانيا: الطبيعة العقائدية  
'لا تحارب الجبال والإسلام معًا”... هذه العبارة التي قالها ونستون تشرشل، رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، حينما كان مراسلا حربيا في شبابه، تلخص إلى حد كبير ما يمكن أن يضيفه البعد العقائدي للحرب في اليمن. وجاءت هذه العبارة تعليقا على عدم نجاح الحملة البريطانية في أفغانستان أواخر القرن الـ19، والتي أرجعها تشرشل لأمرين: الطبيعة الجبلية، إضافة إلى الطبيعة العقائدية.

وتحظى جماعة 'أنصار الله' (الحوثيين) بالطبيعة العقائدية، ويؤكد ذلك قول القيادي السابق في الجماعة، علي البخيتي، في تصريحات صحافية يوم 26 فبراير/ شباط الماضي، بأن 'الجماعة تتعاطى مع السياسة من منطلق عقائدي ويصنفون أنفسهم جند الرب الذي يأمرهم فيطيعون'، مشيرا إلى أنهم لا يعطون أي اعتبار أو اهتمام للمعطيات السياسية، فضلا عن الطبيعة الجبلية الوعرة التي تتمتع بها اليمن.

ومثل هذه الجماعة العقائدية لن تجدي معها الضربات الجوية وحدها، بل تحتاج لوجود جماعة عقائدية تملك القوة مثلها، وفق رأي السياسي والأكاديمي الكويتي عبد الله النفيسي. وطالب النفيسي في لقاء مع فضائية 'الجزيرة' القطرية يوم 30 مارس/ آذار الماضي، بتسليح وتمويل حزب 'التجمع اليمني للإصلاح' (محسوب على إخوان اليمن)، مؤكدا أنه يملك 40 ألف مقاتل، لكنهم بحاجة إلى السلاح.

وأضاف: 'لا يمكن لعاصفة الحزم أن تنجح دون وجود قوات على الأرض، وأن المؤهل للمواجهة هو القبائل اليمنية وكتلة الإصلاح، خاصة أنها لم تواجه من قبل؛ لأن المواجهة كانت ستعدّ انتحارا بعد تسليم الجيش اليمني سلاحه الثقيل للحوثيين'.

ثالثا: الطبيعة القبلية
تشير بعض الدراسات اليمنية إلى أن القبائل تشكل حوالي 85 بالمئة من تعداد السكان البالغ عددهم ما يزيد على 25 مليون نسمة، وبحسب الدراسات نفسها فإنه يتواجد ما يقارب 200 قبيلة في اليمن وبعضها أحصى أكثر من 400 قبيلة.

وقال الباحث اليمني فؤاد الصلاحي، في دراسة بعنوان 'المجتمع والنظام السياسي في اليمن'، نشرها مركز الجزيرة للدراسات والبحوث في 27 مارس/ آذار عام 2011، إن القبيلة تبرز في المجتمع اليمني كبنى اجتماعية فاعلة وليست مجرد تشكيلات تنتمي إلى الماضي.

وأوضح الباحث أن النظام السياسي في اليمن اعتمد على سياسات أعطت مكانة كبيرة للقبيلة وأضعفت مرتكزات الدولة الحديثة وغيبت منظومتها الثقافية، فكان من أهم عيوب وأزمات الدولة في اليمن أنها لا تتعامل مع المواطنين مباشرة من خلال مؤسسات الدولة المدنية والقضائية والخدمية، بل من خلال واسطة المشايخ، مما عظم من دور هؤلاء في مقابل تقزيم أدوار مؤسسات الدولة.

وقال مراسل الأناضول إن 'القبيلة الواحدة في اليمن تتكون من أفخاذ، وقد تكون هناك أفخاذ مع تحالف عاصفة الحزم، وأفخاذ مع الحوثيين وعلي عبد الله صالح، كما هو الحال في قبيلة بكيل”. وأشار إلى مفارقة أخرى تكشف عن صعوبة تحديد الولاءات والانتماءات بالنسبة للقبائل، وهي أن صغير بن عزيز، وهو من رموز قبيلة 'حرف سفيان' من المقربين لعلي عبد الله صالح، وفي الوقت ذاته يقاتل ضد الحوثيين ومن أشد كارهيهم.

وأضاف أن اتجاهات بعض مشايخ القبائل الصغيرة تبدلت بعد بدء ضربات تحالف عاصفة الحزم من تأييد لمعسكر الحوثيين والقوات الموالية لعلي عبد الله صالح، إلى تأييد لعاصفة الحزم.

وقال الزيات إن مصر عانت في حربها باليمن من هذه الطبيعة القبلية. وأضاف الزيات: 'القبيلة بتكوينها الثقافي والاجتماعي لم يكن يعنيها شعارات التحرر التي رفعها الرئيس المصري جمال عبد الناصر، فكل ما يعنيها هو المصلحة القبلية'.

وعبّر عسكريون مصريون شاركوا في الحرب اليمنية عن هذا المعنى بمقولة لا تخلو من المبالغة، لكنها معبرة، حيث قالوا 'كانت القبيلة تصبح مؤيدة للجمهورية، وتمسي مؤيدة للملكية'.

رابعا: انتشار السلاح
في ظل الدور الكبير للقبيلة، وقيامها بالوظائف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية التي يمكن للدولة أن تقوم بها، فرض ذلك أن تكون القبيلة اليمنية تنظيمًا حربيًا، يضمن أمن أفرادها وحماية ممتلكاتهم. ويعتبر السلاح بالنسبة لكل يمني جزءًا مهمًا من مظهره الخارجي، وكما تتخذ النساء زينتهن من أنواع الحلي والمساحيق يمثل السلاح أهم زينة يتزين بها الرجال.

ويحمل اليمني السلاح في الأعياد والأفراح والمناسبات، حيث ينظر إلى السلاح على أنه من لوازم زينة الرجل ومعززات مكانته الاجتماعية، كما أنه رمز للقوة والبطولة والشرف والرجولة، ومدعاة للفخر والاعتزاز.

وطبقا لمسح الأسلحة الصغيرة لعام 2007 الصادر عن المعهد العالي للدراسات الدولية، ومقره جنيف، يوجد 61 سلاحا ناريا لكل 100 مواطن يمني، وحاولت وزارة الداخلية اليمنية وأجهزتها الأمنية حل المشكلة في وقت سابق عبر حملات تفتيشية لحظر حمل الأسلحة والتجوال بها في المدن.

غير أن الشيخ أحمد الذهب، وهو شيخ قبيلة 'قيفة' وسط اليمن، قال في تصريحات صحافية يوم 21 أغسطس/ آب 2011، إن 'الحكومة غير جادة لأن النظام الحاكم (نظام علي عبد الله صالح) هو المستفيد الأول من انتشار السلاح في اليمن، وسعى من خلاله لتغذية النزاعات القبلية وإشعال نار الثارات والحروب بين القبائل'.

وأضاف: 'السلاح في العرف القبلي هو لتأمين الأمن والحماية للنفس والعرض والأرض، وليس لإثارة الفتن، لكن النظام الحاكم استغله على مدى 33 عاما لإضعاف القبيلة وإدخالها دوامة الاحتراب القبلي، وفقا لسياسة: فرق تسد'.

وفي ضوء هذا الوضع، ليس غريبا أن تشاهد صورة مصاحبة لموضوع عن القبائل اليمنية في موسوعة ويكيبيديا، يظهر فيها شخص وهو يحمل السلاح وخلفه لافتة مكتوبًا عليها 'للسلاح والصرافة'، في إشارة إلى أن هذا المكان يتعامل في تجارة العملة والسلاح.

وتزيد هذه الحالة من خطورة التدخل البري في اليمن، فجيش التحالف حينها، لن يواجه جيشا نظاميا، لكنه سيواجه شعبا تم تسليحه من منطلق ثقافي 'العرف القبلي' وبتأييد حكومي كما قال أحمد الذهب، شيخ قبيلة قيفة (وسط اليمن).

خامسًا: خطورة حرب العصابات
طبيعة جبلية تدعمها طبيعة قبلية وعقائدية وفوق ذلك سلاح في يد أغلب المواطنين، كل هذا يصب في اتجاه مخاطر كبيرة سيواجهها أي اقتحام بري لليمن.

الخطورة ليست في أن ميزان القوة سيكون لصالح الحوثيين ومن يواليهم، لكن الخطورة في أن جيش التحالف لن يواجه جيشًا نظاميًا، ولكن ستتم محاربته بأسلوب 'حرب العصابات'.

 وحرب العصابات كما يتم تعريفها في العلوم العسكرية، هي حرب غير تقليدية، بين مجموعات قتالية يجمعها هدف واحد وجيش تقليدي، وتتكون هذه المجموعات من وحدات قتالية صغيرة نسبيا مدعمة بتسليح أقل عددًا ونوعية من تسليح الجيوش، وتتبع أسلوب المباغتة في القتال ضد التنظيمات العسكرية التقليدية في ظروف يتم اختيارها بصورة غير ملائمة للجيش النظامي.

 ويتفادى مقاتلو حرب العصابات الالتحام في معركة مواجهة مع الجيوش التقليدية لعدم تكافؤ الفرص، فيلجأون إلى عدة معارك صغيرة ذات أهداف استراتيجية يحددون هم مكانها وزمانها بحيث يكون تأثيرها موجعًا للخصم.

وعانت القوات المصرية في حرب اليمن عام 1962 من هذا الأسلوب، وقال الفريق سعد الشاذلي، في حديثه لبرنامج 'شاهد على العصر' مع المذيع أحمد منصور بقناة 'الجزيرة' القطرية: 'إن قوات الجيش المصري النظامي، كانت تعاني من محاربة الجيش غير النظامي في اليمن، فقد كان أسلوب الحرب بالنسبة لهم هو أسلوب العصابات'، مشيرا إلى أن معظم الخسائر كانت بسبب الألغام المزروعة بشكل عشوائي، لافتا إلى أن القوات المصرية اكتسبت عادات حرب سيئة، لأنها لا تحارب عدوًا بالمعنى المفهوم لديها.

ودائما ما تحب الجيوش النظامية أن تواجه جيشا نظاميا مثلها، لكن أسلوب حرب العصابات يكون مرهقا لها، وحدث ذلك مع الجيش المصري في اليمن عام 1962، ومع الجيش الأمريكي في حربي فيتنام عام 1956، وأفغانستان (2001 حتى الآن).

ويرى مراقبون أن الحوثيين يفضلون المواجهة البرية مع قوات التحالف حتى يتمكنوا من تحقيق انتصارات بأسلوب 'حرب العصابات'، لتتحول اليمن إلى 'فيتنام الخليج'.

لكن صفوت الزيات، العميد المتقاعد بالجيش المصري، يقول في تصريحات لـ'الأناضول': 'من الواضح أن جيش تحالف عاصفة الحزم مدرك تماما لخطورة الاقتحام البري، وهو حتى الآن يتعامل مع الموقف بحالة من حالات الرشد الإستراتيجي التي تعجبني شخصيا'.

لكن إلى أي مدى يستطيع التحالف الحفاظ على هذا الرشد الإستراتيجي؟  من المؤكد أن التطورات على الأرض هي التي ستتحكم في ردود الأفعال.

التعليقات