"قوائم الارهاب" ماذا تعني وكيف تعمل؟../ خالد بركات*

لو مرّت أمام ناظريك هذه العبارة: "حيث قامت الحكومة الأمريكية بإدراج المنظمة المذكورة على قوائم الإرهاب" أو "تم تجميد أرصدة 3 جمعيات يشتبه أنها على علاقة بالمنظمة ( الفلانية)"، أو "تقوم الأجهزة الأمنية بالتحقيق مع شخص تعتقد أنه على صلة بتحويل مبالغ مالية إلى أشخاص – قد يكونوا - على علاقة بالحزب المذكور".. لو مرّت أمامك، واحدة من هذه العبارات، أو ما يقرب منها، أرجوك عزيزي القارئ/ة، أن لا تقيم لها أي وزن، فهذه خراريف إعلامية ويومية لا تعني أي شيء. وإذا كنت من أنصار المقاومة المسلحة. فيمكنك قراءة "الخريفية" ومتابعة الموضوع، لا لشيء، لكن فقط لترى كيف يعمل جهاز الكذب والتشويه في الإعلام الأمريكي، أو للتعرّف على آخر صرعة في الحرب على ما يسمى "الإرهاب"!

لا نقول ذلك للتبسيط المفتعل، أو للتقليل من شأن هذه القوانين والممارسات العنصرية والتي تستهدف الشعوب وحركات التحرر والجهاد في العالم، بقدر ما نرى ضرورة للتذكير والتنوير بالحقيقة التالية: إن معظم هذه "القضايا الفيدرالية" خسرتها الحكومة، الواحدة تلو الأخرى، خسرتها في المحاكم الأمريكية نفسها، وحسم القضاء رأيه في معظمها لصالح "أعداء أمريكا" لأن الهدف الرئيسي والوحيد من هذه "الأخبار" هو ممارسة الإرهاب الفكري والسياسي الشامل. وليس أي شيء آخر.

معروف أن القوانين الأمريكية، على ما يسمى" الإرهاب" تنطوي على تحقيق أهداف سياسية واضحة ومحددة سلفاً. تتضمن في الوقت ذاته ممارسات خارج إطار القانون، وإرهاب سياسي وإعلامي، هدفه خلق حالة من الهلع الجماعي ( إرهاب ) تطال الشعوب خارج وداخل حدود الإمبراطورية، ولكن هذه الحرب أيضا تطال المواطنين في الداخل أولا، كل "الشعب" الأمريكي، فهو ليس خارج دائرة الاستهداف والترهيب، على يد حكومته، ولأنه يرزح تحت هيمنة المؤسسات الإخبارية الكبرى التي تسيطر عليها الحركة الصهيونية وتتربع فوق شاشاتها وإذاعاتها وصحفها ومواقعها الالكترونية وتتحكم في شركات الإعلان ومراكز الإنتاج الفني والسينمائي في هوليوود وغيرها.
إن حصار المقاومة والضغط على حركات التحرر وتجفيف مواردها، يظل هدفا ثابتا ومباشرا على أجندة الحكومات المعادية، لكن "الخرارايف " الأمريكية الرسمية في الصحافة اليومية، عن الارهاب، إنما هي معدة لتحقيق أهداف إضافية أخرى.

أولا، إيهام قوى المقاومة وحركات التحرر بـ"الغرق " وبوجود حالة حصار مستمرة. وثانيا، هي رسالة يومية لأنصار المقاومة في الداخل الأمريكي، للجالية العربية والإسلامية وأنصارها في الغرب، ولإقصاء شريحة المتعاطفين مع حركات التحرر وإبعادهم عن المشاركة الفعلية والعمل من أجل قضايا أوطانهم وشعوبهم، وبالتالي، تقيد حركة هذه التجمعات والأقليات الاثنية المهمشة وتقبع في صناديق الخوف والترقب ودوائر العزلة والاحباط. جوهر الأمر هو خلق "غيتو عربي" في دول الغرب، وسيطرة دائمة وسهلة لقوى ومراكز اللوبي الصهيوني، خصوصا في الولايات المتحدة الأمريكية.لا يوجد رغبة، أو حتى قدرة، لدى أجهزة الامن الأمريكية والبريطانية والكندية والاسترالية وغيرها في دول الغرب الصناعي للقيام بحملات إعتقال ليلية بحق العرب والمسلمين وأنصارهم من حركات التحرر والتضامن، فهذا لن يحدث، الأمر يختلف في حالة الاحتلال وأنظمة الرجعية والدكتاتوريات، لكن هذه السياسة ليست مجدية ولا تخدم مجتمع " الديموقراطيات الغربية" وتهدد " نظام التعدد الثقافي" ولانها كذلك، قد تضرب إستقرار السوق والنظام الراسمالي برمته. فضلا عن دور القضاء ومؤسسات المجتمع المدني، وهذه ليست بالقوة الهامشية والرخوة، في علاقتها مع مراكز الأمن، كما هو الواقع في أوطاننا، ولن تسمح بتحويل كندا مثلا الى بلد بوليسي يشبه الأنظمة العربية.

نحن في عصر ما بعد حركة الحقوق المدنية وما حققته من انجازات كبرى على هذا الصعيد، ولا يمكن تكرار ما جرى مع الجالية اليابانية حين شيدت لهم الحكومات الامريكية والكندية في أربعينات القرن الماضي السجون والمعتقلات، واحتجزت الاولاد والرجال والاطفال والنساء، في معسكرات اعتقال جماعية..

ما يجري في الواقع العملي هو بناء معسكرات اعتقال جماعية من نوع اخر. اذ يجري "تصنيع نماذج" و "قصص" يَعلكها الاعلام الامريكي، يوميا، ثم تصبح القصص، بعد فترة وجيزة، وكأنها أحداث حقيقية وقعت فعلا، يصير لها أسماء ورموز وأرقام، وترتبط في ذهن المواطن الابيض من أبناء الطبقة الوسطى بـ"الإرهاب العربي والإسلامي" ، فيزداد "الأخ " عنصرية وجهلا، فيما تفعل هذه "الاخبار" فعلها في سلوك وذهن "المواطن الاخر"، الاخ القادم من أصول عربية واسلامية، تجعله يتبرع بدور القمع الذاتي ( الاعتقال الذاتي ) يعمل بالنيابة عن أجهزة الحكومة الأمريكية.

هذا هو الارهاب بعينه ، ان تقوم أنت بوظيفة عزل نفسكما يسمى "لائحة المنظمات الاجنبية الارهابية" لم تظهر بعد أحداث الحادي عشر من سيبتمبر. لا أحد يصدق ان منظمات وقوى كحزب الله اللبناني والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحركة الجهاد الاسلامي والحزب الشيوعي الفلبيني والجيش الثوري الكولومبي ( فارك) ومنظمة " إيتا" الباسكية، وغيرها، كانت تفتح مكاتب ومؤسسات لها في العاصمة الامريكية واشنطن قبل 11 / سيبتمبر 2001 وجاءت هجمات الطائرات – البن لادينية - فعطلت الامور والعلاقات الطيبة! فهذه المنظمات أعلاه وضعت على قوائم الارهاب في الغرب وفي الولايات المتحدة منذ الاعلان عن تاسيسها ومنذ انطلاقتها في بلدانها.

قوائم "منظمات الارهاب" تم تجهيزها وإعادة "خرطها"، في عهد الرئيس بيل كلينتون في منتصف التسعينيات وليس في فترة الرئيس الامريكي المنصرف جورج بوش الابن كما يروج في الاعلام.

كانت " لائحة كلينتون" الأولى تهدف إلى الضغط على القوى الفلسطينية التي "ترفض عملية السلام" و "تناهض التسوية السلمية عن طريق العنف" هذا هو النص الحرفي لمبرر وجود اللائحة، بمعنى استهداف القوى التي رفضت اتفاق أوسلو وتوابعه.

ثم جاءت اللائحة بوصفها معادلة مفتوحة للمساومة وفق سياسة العصا والجزرة، لأن عدد هذه المنظمات "الارهابية " المدرجة على القائمة قد يرتفع او يهبط حسب "التقدم في الموقف"، أي موقف المنظمة "الارهابية" المدرجة، وليس لتغييراً ما أو تقدما ً في السياسة الخارجية الامريكية.

الامر ذاته إنطبق على حركات التحرر في كل انحاء العالم، حيث أعادت الحكومة الامريكية انتاج علاقاتها مع "العدو الشيوعي التاريخي" بعد انهيار الكتلة الاشتراكية بقيادة الاتحاد السوفياتي. وبرغم انتفاء "الخطر الاحمر" الا ان جيوب وقوى المقاومة الثورية التي تتبنى الفكر الاشتراكي لم ترضخ جميعها الى شروط و"استحقاقات" مرحلة القطب الواحد، ولم تحول أحزابها الى شبكة مترهلة من المنظمات غير الحكومية والهامشية، ولم تهزم ذاتها بالوهم والاغتراب وتغير اسماءها، لان الاتحاد السوفياتي سقط! كان من الضروري إستخدام سياسة العصا والجزرة مع هذه القوى أيضا، لكن هذه المرة تحت لواء "الحرب على الارهاب" و "مناهضة قوى العنف" وليس وفق شعارات مواجهة الخطر الشيوعي! جوهر القانون ينطبق كذلك على الدول التي تعتبرها الادارة الامريكية "راعية للإرهاب" في العالم.

وللتدليل على ترجمة سياسة العصا والجزرة، مع المنظمات والدول، فقد قامت الادارة الامريكية بادراج الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين ثم عاودت وحذفتها عن تلك القائمة بعد توسط الراحل ياسر عرفات و "السلام " الذي جرى بين السيد نايف حواتمة ورئيس وراء العدو في عمان!

أما على المستوى الرسمي العربي، فالنموذج الليبي حي وصارخ، فتحول نظام "كدافي الرهيب" الى طرف "طبيعي" و "عادي" يمكن جداً التفاهم معه بل وعقد صفقات تجارية وصلت بلايين الدولارات.

الامر يختلف بين حالة المقاومة عنه مع "الدولة الراعية للارهاب"، وذلك نسبة إلى حجم الضرر المباشر الذي تلحقه القوانين بالطرف المعني. الدول لها مصالح اقتصادية وعلاقات بنكية ومصرفية مكشوفة ومتشابكة مع هيئات محلية واقليمية ودولية متعددة، وحصارها اسهل، اما في حالة المقاومة فأشك ان يذهب شخص ما ويفتح حسابا بنكيا باسم سماحة السيد حسن نصرالله! المقاومة لا تعمل وفق آليات الدولة. والقوى الثورية لا تسلك طرق الدولة ولا تريدها أصلا.

في الوقت ذاته، لا تتولى المؤسسات القضائية والتشريعية متابعة "الارهاب"، في شقه بل وزارة المالية ( الخزينة الامريكية ) باعتبارها الخصم، لأن جوهر القرار يتصل بالدعم المادي للمقاومة. فلا يستطيع أحدٌ ما، مهما علا شانه السياسي او القضائي، تجريم شخص اخر لانه يؤيد المقاومة أو يصف عملياتها العسكرية في العراق ولبنان وفلسطين وافغانستان بالبطولية، وهي كذلك، أو لان له/ها وجهة نظر في شرعية "اسرائيل"، فلن يعتقلك أحد، لانك ترفض شرعية أمريكا ذاتها، قل ما تشاء ومتى تريد، المهم أن لا تعطي دولارا واحدا لقوى ومنظمات مُدرجة على قوائم الارهاب.تضخمت "اللائحة" بعد أحداث الحادي عشر من سيبتمبر، وشملت 45 منظمة فلسطينية وعربية وإسلامية ودولية.

وعلى ذات اللائحة، وبهدف تشويه صورة العربي أمام الرأي العام الامريكي، ستجد حركات المقاومة الشعبية المسلحة والى جانبها منظمة "كاخ" الصهيونية! وهذه منظمة عنصرية وهامشية، لا أحد يريدها حتى في تل ابيب، ومرفوضة من عتاة القتلة والارهابيين في الاحزاب الصهيونية ويرون فيها مصدرا للقلق والضرر على سياسة وصورة الكيان الصهيوني. لكن إدراج " كاخ" سيجعل الادارة الامريكية تبدو "منصفة" وهي تلعب دور "الوسيط النزيه" وتصنف معسكر "التطرف والعنف" على قدم المساواة !

الامر ذاته ينطبق على منظمة ( كو كلوكس كلان ) العنصرية في الولايات المتحدة، ويزداد التشويه المقصود أكثر، حين تدرج هذه المنظمة على قوائم الارهاب. النتيجة طبعا، هي مساواة المنظمات العنصرية الامريكية والاوروبية والصهيونية الهامشية في مجتمعاتها بـ"مثيلاتها في العالم "!بعد احداث الحادي عشر من سيبتمبر عام 2001، شنت الحكومة الامريكية حملة عنصرية على بعض المؤسسات العربية والاسلامية ذات الطابع الاجتماعي والخيري.

وجدت الادارة فرصة ذهبية سانحة تمكنها من إبعاد المؤسسات الاجتماعية والخيرية عن محيطها الجماهيري عبر ترهيب المواطن الامريكي وهي تردعه بالقانون عن التفكير بتقديم الدعم المالي لهذه الهيئات. سيما بعد ان نقلت وسائل الاعلام العالمية صور الحرب الامريكية المدمرة في العراق وما تخلفه الحرب الصهيونية المستمرة على فلسطين ولبنان.

ولم ترغب الادارة في تنامي دور حركات التضامن مع الحقوق العربية. صحيح ان الحكومة فشلت في تجريم أيً من هذه الجمعيات وفشلت في اثبات "تورط قياداتها"، لكنها حققت هدفها الاساسي والوحيد: ترويع الملايين من المدنيين..

تنفق وكالة المخابرات المركزية ( السي اي ايه ) ومكتب التحقيقات الفيدرالية ( أف بي اي ) ووزارة الامن الوطني الداخلي وغيرها ملايين الدولارات في دعاية تستهدف الجالية ( باللغة العربية والانجليزية ) وموجه الى شريحة الشباب، تحثها على الالتحاق بالعمل لديها كجواسيس ومخبرين "لبلادهم " حتى يتحولوا الى عسس داخل مجتمعاتهم وبلدانهم وفي اوساط الجالية.

وللأسف تقوم بعض الصحف العربية المحلية، محدودة العدد والتاثير، بنشر الاعلانات والترويج لها وتكسب من ورائها الاف الدولارات. لكن كل التقارير الامنيه الامريكية تؤكد الفشل الذريع في تحقيق اختراق حقيقي داخل الوسط العربي والاسلامي في الولايات المتحدة الامريكية.

ان مواجهة قوائم الارهاب في الغرب هو بالتأكيد على شرعية المقاومة وواجب دعمها السياسي والاعلامي ومن خلال الدعم المباشر للطبقات الشعبية وللمؤسسات الاهلية التي تشرف عليها قوى صديقة أو قريبة او غير معادية للمقاومة، لأن احزاب وحركات المقاومة يجب ان تواصل دورها وواجبها في بناء هذه المؤسسات والهيئات الشعبية والاهلية لخدمة الطبقات الفقيرة والمتضررة.

وعليه، فان شعار تجفيف موارد الارهاب قصد منه وقف الدعم عن الفقراء ، حتى ترهن الناس خياراتها وحقوقها في موقع اخر وتنتظر "الدعم " الذي ياتي من الدول "المانحة"، وهو دولار سياسي الشكل والجوهر ، وتلازمه سلسلة طويلة من الشروط الجاهزة.

التعليقات