رئيس التحرير جاسوسا للموساد../ ناصر السهلي*

-

رئيس التحرير جاسوسا للموساد../ ناصر السهلي*
الاسم : هيربرت بونديك، مواليد كوبنهاغن 1943، والده انضم مبكرا لعصابات "الهاغاناه" وبعدها للجيش الإسرائيلي.
هاجر هيربرت بونديك إلى تل أبيب في العام 1954، حيث ما يزال له سكن هناك.. فقد ابنه رون بونديك في حرب تشرين 1973..

المهنة: صحفي حر في البداية، لعدد من الصحف الدانمركية و"دافار" الإسرائيلية والإذاعة الدانمركية .. متنقلا بين عدد من الدول، ومتخصص بشؤون الشرق الأوسط.. وعميل للموساد تحت غطاء عمله الصحفي.. ثم أصبح رئيس تحرير لكبريات الصحف الدانمركية " بوليتيكن" ( السياسية) ..
لهيربرت بونديك، الإسرائيلي.. الدانمركي قصص وحكايات طويلة.. يعترف بنفسه بأنه كان عميلا لجهاز الموساد الإسرائيلي، بعد افتضاح مجموعة القتلة في دبي.. ويعترف بأن مهنة الصحافة كانت غطاءا للتجسس لمصلحة الموساد!

يدعي بونديك بأنه كان يقدم "تقارير مكتوبة للموساد" لمدة عشرة أعوام.. وبأن هذه التقارير كانت تصل نسخة منها للاستخبارات الدانمركية.. الجملة الأخيرة من اعترافاته تعني أنه يزج باسم الدانمرك في قضية التعاون بين الجهازين.. وهو أمر لا جديد فيه، فقد كتب عنه عميل الموساد السابق فيكتور أوستروفسكي في عن الموساد "عن طريق الخداع".. لكن المثير أن تقارير بونديك التجسسية لمصلحة الموساد كانت تُرسل منها نسخا، حسب إدعاءاته، لجهاز الاستخبارات العسكرية الدانمركية.. وهذا أمر يحمل جدية حول خطورة ما كان يقوم به..

ويبدو أن بونديك، رئيس التحرير الأسبق، أراد فيما يبدو أن يُفهم المتلقي بأن عمله كجاسوس كان شيئا شرعيا طالما أن جهاز الدانمرك على علم بالأمر.. لم يُفصح، ولا أظنه سيفعل، عن طبيعة تقاريره لجهاز مهمته واضحة منذ البداية، واتضحت أكثر في أكثر من عاصمة ومدينة أوروبية من ليليهمر في النرويج شمالا حتى مالطا وتونس ودبي وما بينهم من عواصم عربية..

يفتح هذا الاعتراف الصريح الباب على مصراعيه على عدد من الملاحظات المختلفة:

1. هل الاعتراف بأن التجسس لـ 10 أعوام فقط، والادعاء بالتوقف عن الأمر حين أصبح رئيسا للتحرير يعني أن المسألة منتهية بالتقادم؟ ثم هل العمل للموساد لمدة يوم أو 10 سنوات تعفيه من توابع ما أدت إليه تقاريره، من ضرر لمصالح عدد من الدول العربية وغير العربية.. وحتى الوقت القريب لم ينقطع بونديك عن زياراته وتجوله وإلقاء المحاضرات والالتقاء بشخصيات هنا وهناك..


2. أليس هذا تلطيخا صريحا لسمعة ومكانة الصحافة والصحفيين الأوروبيين عموما، فكما فتح هذا العمل الشنيع في دبي باب الشك بحملة الجوازات الغربية، يقدم الاعتراف الصريح من بونديك مزيدا من الشك والريبة حول مجمل أخلاقيات المهنة التي يدعي صحفيون غربيون الالتزام بها.. والتلاعب الدائم بالمعلومة المقدمة للإنسان الغربي (قبل التوسع التقني وانتشار المعلومة) حيث كان يعرض القضية الفلسطينية من المنظار الضيق للموساد ووزارة الحرب في تل أبيب.. فكثير من الصحفيين الغربيين الذين يراسلون من فلسطين بالكاد يتحركون من القدس أو تل أبيب وهم يخضعون لماكينة بروباغندا صهيونية بامتياز تحذرهم من التوجه للمدن الفلسطينية..

3. شخصيا كنت أقرأ افتتاحيات هيربرت بونديك، أيام الدراسة، ولم يكن حينها الانترنت متوفرا، لم تكن تعنيني ديانته اليهودية، ولكنني كنت أشتم منها رائحة التحيز الكامل لوجهة النظر الإسرائيلية فيما يتعلق بثلاثة قضايا: الجولان، فلسطين وجنوب لبنان.. لم تحمل تلك الافتتاحيات أيا مما تدعيه الصحافة عن الحيادية..

4. شهدت العديد من المرات ندوات عن المنطقة كان يعرض فيها بونديك قراءة صهيونية خالصة، وكثيرا ما تصادمت معه بين جمهور كان الشك يتسلل إليه في الانتفاضة الأولى.. في واحدة من مشاركاتي، حيث كنت أجلس على المنصة مع بونديك، استشاط غضبا حين عرضت صورا لمدنيين وخصوصا أطفالا فلسطينيين قتلتهم أو اعتقلتهم قوات الاحتلال.. تعجبت لأمره.. وطرحت عليه سؤالي: هل أنت تريد الحقيقة أم تريد عرض وجهة النظر الإسرائيلية فحسب؟.. تلاعب بونديك في العديد من المرات على عاطفة مستمعيه وقرائه حول "الهولوكوست" وهروب عائلته إلى السويد.. لكنه كان يرفض دوما الإجابة عما يعنيه تشريد شعب كامل من أرضه في فلسطين..

5. حين كان يوجه له السؤال المنطقي عن الولاء لم يكن بونديك في موقف هادئ.. كثيرا ما ارتبك أمام جمهور بدأ يدرك الحقائق حينها.. وقصة الولاء هنا قصة مفصلية، سأشرحها بإيجاز شديد: حين تكون مسلما أو بوذيا أو لا دينيا وتريد الحصول على الجنسية الدانمركية يُطلب منك تقديم تنازل عن جنسيتك الأصلية.. أي ممنوع في الدانمرك ازدواجية الجنسية.. أما عائلة بونديك وعائلة ميلكور ومعظم العوائل اليهودية على إمتداد أوروبا، والدانمرك تحديدا، ليست مُطالبة بما هو مطلوب من الآخرين.. ولنلاحظ أن معظم عمليات الموساد الخارجية تمت بجوازات سفر غربية.. بدون مساءلة حقيقية حول الولاء.. ثم أن الأمر ذكرني بقصة ذلك المواطن السوري الذي كان يقيم في ألمانيا والذي تم اتهامه كيدا من قبل البعض بالعمل لمصلحة المخابرات السورية في فترة الضغط على سوريا.. وهذا يُذكرني أيضا بالقانون الدانمركي الذي يجرم أي مواطن يعمل لمصلحة جهاز أمني خارجي.. فكيف يتم التغاضي عن مثل الحالات اليهودية التي تحمل جنسيات مزدوجة وتعمل للموساد ..

6. بعض الصحفيين الدانمركيين الذين تحدثت معهم قالوا: يجب فتح تحقيق عميق وحقيقي لمعرفة إذا ما أدت تقارير بونديك للموساد إلى الإضرار بدول أو إزهاق الأرواح، فالأمر غير مقبول أن ينتحل جاسوسا شخصية صحفي، ويساهم في قتل أناس واستهداف مصالح دول.
رئيس تحرير صحيفة " انفارماسيون" الدانمركية ، باله فايس، عبر عن موقف واضح برفضه أن يكون الصحفي عميلا لجهاز أمني بقوله: "هذا الأمر يتعارض تماما مع مهنة الصحفي".

وأضاف: "لو أن الأمر حدث اليوم لأدى فورا إلى طرد هذا الصحفي".. أسخف التعليقات والتبريرات جاءت على لسان رئيس تحرير بوليتيكن الحالي Tøger Seidenfaden تويير سايدنفاذن بالقول: أتفهم بأن بونديك كإسرائيلي كانت لديه رغبة بمساعدة دولة إسرائيل وتقديم خدمات لها"!

المؤرخ الدانمركي، أولا لانغ، يقول: رئيس تحرير صحيفة بوليتيكن الأسبق بورغ أوتزا، أثناء عمل بونديك للموساد، كان يعرف بما يقوم به هيربرت بونديك ولهذا كانت تسميته بـ "العميل المزدوج"..

بعض المعلقين الدانمركيين أصيبوا بصدمة من افتضاح أمر بونديك فكتب أحدهم: كيف يمكن أن يكون رئيس تحرير أكبر صحيفة دانمركية مواطنا إسرائيليا، ومقيما في تل أبيب ويتلقى أجرا كبيرا لعمله في الصحيفة؟

معلق آخر، توم هولغا، يقول: كيف يمكن الوثوق مرة أخرى بصحيفة بوليتيكن؟ عملاء للموساد يعني انتحارا كليا وتحديدا حين يبرر رئيس تحريرها الحالي ما فعله بونديك، فليست مهمة الصحفي أن يكون عميلا للموساد أو أي جهاز أجنبي.

هذا الاعتراف الصريح من قبل بونديك قد يفتح نقاشا حادا حول طبيعة عمل الموساد وعملائه واستغلال الساحة الأوروبية على كافة المستويات، لكنه أيضا يحتاج للكثير من النقاش في الأوساط العربية عن دور صحفيي التطبيع العرب الذين يدسون السم بالعسل في التعاطي مع الشأن الإسرائيلي.. وبدون أن ألقي اتهاما فإنني أعتقد شخصيا بأن هذه الأبواب العربية المفتوحة لجوقة فريدمان ومجموعة كتبة آيباك تحتاج للكثير من التفحص وتحتاج إلى شجاعة للثقة بالصحفي والكاتب العربي الذي يُحارب لموقفه الناقد لسياسة التهافت على التطبيع ومن كل ما يسمى "عملية التسوية"..

ولا شك عندي، مثلي مثل غيري من الدانمركيين، بأن الكثير من الصحفيين والكتاب المرموقين في الغرب، ولمواقف إيديولوجية يغطون عمالتهم للموساد بغطاء الصحافة.. تماما مثلما لدينا من هذه النماذج التي يجري أحيانا الابتسام والاستهتار مما تطرحه من مواقف وتغطية يكون بين سطورها ما لا يثير حقا حالة من النقاش الجدي حول الهدف الحقيقي مما تطرحه.. أنا لا أتهم بالعموم.. بل إن القارئ العربي بات من الذكاء بمكان ليميز ما يطرح عليه وممن يجري الطرح.. استباحة البلدان العربية تحت ستار رجال إعلام وأعمال يحتاج لتمحيص أكثر من الانشغال بما يكتبه هؤلاء في صحفهم ويبثونه في وسائل إعلامهم..

التعليقات