احتجاجات البرازيل... عاصفة في "أرض المستقبل"

كشفت المظاهرات الحاشدة التي اجتاحت البرازيل مؤخرا عن حالة من عدم الرضى إزاء حكومة الرئيسة ديلما روسيف.

احتجاجات البرازيل... عاصفة في

كشفت المظاهرات الحاشدة التي اجتاحت البرازيل مؤخرا عن حالة من عدم الرضى إزاء حكومة الرئيسة ديلما روسيف.

وامتدت هذه الحالة حتى شاطئ كوباكابانا الذي يحظى بشهرة عالمية حيث اكتظ بالحشود الغاضبة. فقد انهارت شعبية روسيف إلى أدنى مستوياتها مع مطالبة الكثيرين بمحاكمتها لما تسببت به للبرازيل من مشاكل اقتصادية وفضائح فساد.

وأعرب البرازيليون عن حقيقة مشاعرهم تجاه روسيف بشكل جلي في مسيرات عطلة نهاية الأسبوع التي قد تكون أصغر مما كان متوقعا، بيد أنها لا تزال تتطلب اهتماما من حكومة تعاني من أزمة.

وكتب على إحدى اللافتات :" أخرجوا مع ديلما" مع رمزي المطرقة والمنجل المتقاطعين.

ورفع ريكاردو باربوسا اللافتة بينما كان يتظاهر تحت أشعة شمس يوم الأحد على شاطئ كوباكابانا الشهير في ريو دي جانيرو.

ولكنه كان يحمل أيضا رسالة شفهية هتف بها : "لابد أن يتدخل الجيش الآن".

وكان معظم المتظاهرين من البرازيليين الأفضل حالا الذين ربما لم يصوتوا لروسيف في انتخابات العام الماضي. ومع ذلك، قال منظمو المظاهرات إن نحو مليوني شخص خرجوا إلى الشوارع رغم أن الشرطة قالت ان عددهم بلغ نحو 879 ألفا فقط.

ولكنه في كلتا الحالتين لا تعد هذه الأعداد كبيرة في بلد يبلغ تعداد سكانه أكثر من 200 مليون نسمة، بيد أنه في بلد ليس لها تاريخا طويلا من احتجاجات الشوارع ينبغي على الحكومة أن تتنبه وتأخذ حذرها.

وانتقد المتظاهرون حزب العمال الذي تنتمي إليه روسيف، وطالبوا بضرورة إيداعها والرئيس السابق لويس إيناسيو لولا دا سيلفا - الذي كانت له شعبية طاغية فيما مضى- في السجن بسبب فضيحة الفساد الضخمة التي أحاطت بشركة النفط العملاقة (بتروبراس) المملوكة للدولة.

وكتب المحلل السياسي جوسياس دي سوزا في الموقع الإخباري الإلكتروني " يو أو إل " : لقد بدأت عملية انهيار قداسة " لولا دا سيلفا " في الشوارع".

وعلى الرغم من قضية الفساد الكبرى تضمنت دفع رشاوى لنواب في البرلمان للحصول على دعمهم في الكونجرس، والتي أدت إلى سقوط العديد من كبار مساعدي دا سيلفا في السجن، إلا أنه أعيد انتخابه وظل يتمتع بشعبية جارفة بعد تركه منصبه عام 2010 وكانت روسيف هي خليفته المعينة.

وحلقت يوم الأحد دمية ضخمة للزعيم البرازيلي السابق فوق المتظاهرين في مدينة برازيليا.

وكتب سوزا يقول:" يدل ذلك على أن شريط التلفون الذي كان يحمي صورته فيما مضى لم يعد يتحمل حرارة الزيت الذي سببته فضيحة (بتروبراس)".

لقد اجتمع الفساد مع زيادة الضرائب والتضخم في أذهان كثير من البرازيليين.

وأوجز إيرون ميلو (34 عاما) الذي كان يرتدي زي الرجل الوطواط أو باتمان، قائلا :" بنى حزب العمال شبكة فساد كبيرة، فأصبح يتعين علينا أن ندفع المزيد والمزيد من الضرائب وأصبح كل شيء أكثر كلفة".

أما في ما يتعلق بسكان الأحياء الفقيرة في البلاد، الذين استفاد الملايين منهم أكثر من غيرهم من البرامج الاجتماعية التي يرعاها حزب العمال فلم يكن من السهل العثور عليهم في تلك المظاهرات.

فقد خفضت البرازيل نسبة الأشخاص الذين يعيشون تحت خط الفقر من 14 في المئة في عام 2008 إلى أقل من 9 في المئة الآن، على الرغم من أنهم يعانون أيضا من ارتفاع أسعار احتياجاتهم في الأسواق التجارية.

وشهدت البرازيل فترات من الازدهار والانهيار على مدى العقود القليلة الماضية. ففي عام 1941، وصف ستيفان تسفايج، وهو يهودي نمساوي تمكن من الإفلات من براثن النازيين، البرازيل بأنها "أرض المستقبل". وكان يشير إلى التسامح والتعايش السلمي الذي شهده بين الناس من جميع الأجناس في الدولة الواقعة في أميركا الجنوبية.

ومع ذلك، ومنذ ذلك الحين استخدمت تلك العبارة أي "أرض المستقبل" للإشارة إلى هذا البلد الذي يبدو أنه لم ينكث أبدا بوعده والذي يتأرجح بين أطوار من الأمل والاكتئاب. وساهمت هذه التقلبات في منع مستقبلها الباهر من أن تغلب عليه المادية.

وشهدت فترة الألفية الثانية البرازيل كواحدة من الدول الأكثر شعبية في العالم. فقد تمتع لولا دا سيلفا بشخصية عالمية واختير البلاد لاستضافة كأس العالم عام 2010 ودورة الالعاب الأولمبية عام 2016.

أما المرحلة الحالية، فهي بوضوح تعد خطوة إلى الوراء، حيث شابها مزيج متفجر من الشلل السياسي، وشهدت أكبر فضيحة فساد في البلاد أكثر من أي وقت مضى، وارتفعت فيها نسبة التضخم والانهيار الاقتصادي.

من جانبها، أكدت روسيف أنه ليس لديها خطط للاستقالة. وطالبت العضوة السابقة في جماعة يسارية، التي اعتقلت وتعرضت للتعذيب في ظل الديكتاتورية البرازيلية السابقة باحترام فترة ولايتها بعد انتخابها بنسبة أكثر من 51 في المئة من الأصوات في تشرين أول/أكتوبر الماضي.

ومع ذلك، فإنها تتمتع الآن بدعم 8 في المئة فقط من البرازيليين، وفقا لاستطلاعات الرأي، ولا يزال الأمر مفتوحا عما إذا كانت يمكن أن تستمر حتى نهاية فترة ولايتها، في عام 2018.

ويعتقد أن شركات متعددة من بينها كبرى شركات البناء في البرازيل تورطت في فضيحة بتروبراس بدفع مليارات الدولارات في صورة رشاوى للحصول على عقود مربحة مع شركة بتروبراس.

ومما زاد الطين بله بالنسبة لروسيف، أنها كانت تشغل منصب وزيرة الطاقة وترأس المجلس الإشرافي لبتروبراس إبان فترة حكم لولا دا سيلفا . وتنفي روسيف أي تورط في شبكة الفساد، ولكن الفضيحة اقتربت كثيرا منها وألقي القبض على كبار المسؤولين في حزب العمال الذي تنتمي له.

وتواجه روسيف أيضا حالة من الجمود السياسي وسط معارضة متزايدة في الكونجرس وخلافات مع حلفائها السابقين. و أصبح لولا دا سيلفا مشغولا في القيام بدوره في إدارة الأزمات، ولكن حتى هو فإنه ليس معصوما من الخطأ.

وأخيرا وليس آخرا، فإن هناك شبح أزمة اقتصادية كبيرة تواجه البرازيل بعد أن استثمرت القليل جدا في البنية التحتية وتوزيع الطاقة وتطوير البلاد خلال الأوقات الجيدة من تاريخها.

وساهم انخفاض أسعار الموارد الطبيعية في إضعاف الأداء الاقتصادي لسابع أكبر اقتصاد في العالم، وانهار كلا من الاستهلاك والإنتاج الصناعي تماما مثلما حدث لسمعة البلاد بين وكالات التصنيف.

وسارت معدلات التضخم في اتجاه معاكس حيث ارتفعت نسبتها إلى 56ر9 في المئة حتى شهر تموز/ يوليو الماضي وهو أعلى معدل سنوي للتضخم في البلاد منذ عام 2003.

وبصورة عامة يمكن للمرء أن يقول إن مظاهرات الأحد الماضي هي في الواقع أقل مشكلة في طابور المشاكل العديدة التي تواجهها روسيف حاليا.

التعليقات