سويسرا... دروس لأوروبا في التعامل مع طالبي اللجوء

وسط كل ما صنعته أزمة المهاجرين في أوروبا من فوضى وارتباك، تطرح سويسرا نفسها كنموذج للتعامل المنصف والكفء مع طالبي اللجوء، بل إنها حازت على إشادة من مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين وأنجيلا ميركل، المستشارة الألمانية.

سويسرا... دروس لأوروبا في التعامل مع طالبي اللجوء

طريقة الهجرة الطويل (أ.ف.ب)

وسط كل ما صنعته أزمة المهاجرين في أوروبا من فوضى وارتباك، تطرح سويسرا نفسها كنموذج للتعامل المنصف والكفء مع طالبي اللجوء، بل إنها حازت على إشادة من مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين وأنجيلا ميركل، المستشارة الألمانية.

ومع ذلك، فحتى في سويسرا المسالمة، القائمة على مبدأ التوافق ثبت أن قضية طالبي اللجوء لها حساسيته السياسية. ومازال أكبر أحزاب البلاد، حزب الشعب السويسري اليميني، يعارض بشدة اتخاذ أي خطوات قد تشجع المزيد من اللاجئين، وأغلبهم من المسلمين، على القدوم للبلاد.

ولايزال تحدي اللاجئين بالنسبة لسويسرا في الحدود التي يمكن السيطرة عليها مقارنة مثلا بألمانيا.

وقليلة هي أعداد الهاربين من الصراعات في سوريا وغيرها من الدول الذين يطلبون، في الوقت الحالي، اللجوء في سويسرا، تلك الدولة الصغيرة الواقعة في جبال الألب، غير العضو في الاتحاد الأوروبي، وإن كانت طرفا في اتفاقية منطقة "شينجن" التي تتيح حرية الانتقال بين دولها الأوروبية.

وبمقتضى النظام السويسري، تتولى خمسة مراكز للاجئين فرز طلبات اللجوء وإرسال من يرجح تأهله إلى كانتونات سويسرا بمقتضى نظام حصص ثابت لحين النظر في حالاتهم.

وفي خطوة لتبسيط هذه العملية، وافق البرلمان السويسري في الآونة الأخيرة، على خطط لتقصير عملية النظر في طلبات اللجوء لأغلب الحالات إلى أقل من 140 يومًا، وفي الوقت نفسه توفير تمثيل قانوني مجانا لطالبي اللجوء.

وقالت رئيسة سويسرا، سيمونيتا سوماروجا، "بوسعنا أن نبين أن هذه الاجراءات السريعة للجوء لا تفلح فحسب بل إنها منصفة فعليا بفضل الحماية القانونية الشاملة".

وتحاول المفوضية الأوروبية إقناع الدول الأعضاء وعددها 28 دولة بقبول نظام للحصص، تتقاسم بموجبه مسؤولية توفير الاحتياجات الأساسية لطالبي اللجوء، لكنها تواجه معارضة شديدة خاصة من الدول الشيوعية السابقة، التي أصبحت أعضاء في الاتحاد.

لكن وزراء الداخلية سيحاولون مرة أخرى كسر هذا الجمود، غدًا الثلاثاء.

وأعلنت سويسرا يوم الجمعة أنها ستقبل 1500 لاجئ بمقتضى نظام الحصص إذا اتفقت عليه دول الاتحاد.

وأثنت ألمانيا، التي تتوقع استقبال 800 ألف لاجئ هذا العام، على النموذج السويسري، الأسبوع الماضي، عندما اتفقت الحكومة الاتحادية للمستشارة ميركل مع الادارات الإقليمية في ألمانيا، على توزيع اللاجئين على مختلف أنحاء البلاد وإقامة شبكة من المراكز لتسهيل هذه المهمة.

حـــيـــاة جـــديدة

وأشادت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين بالنهج السويسري لسرعته وكفاءته.

وقالت سوزان ستاهل، المتحدثة باسم المفوضية، "بالنسبة للأشخاص الواضح أنهم بحاجة لحماية دولية مثل السوريين، هذا يعني سرعة حصولهم على حقوقهم كلاجئين ليتمكنوا من بناء حياة جديدة في أمان والتئام شملهم مع أفراد عائلاتهم."

وربما يتيح النموذج السويسري دروسًا، أيضًا، في مجال آخر من مجالات سياسات اللجوء وهو منح الأولوية للاجئين الحقيقيين الهاربين من مناطق الخطر على المهاجرين لأسباب اقتصادية، الذين يسعون فقط لحياة أفضل.

وبمقتضى سياسة بدأ تطبيقها قبل ثلاثة أعوام، تفرز سويسرا طلبات اللجوء من دول البلقان، مثل كوسوفو والبوسنة في خلال 48 ساعة فقط. ويتم إبلاغ أغلب أصحاب هذه الطلبات أنهم غير مؤهلين، لأن المنطقة التي جاءوا منها في حالة سلم الآن وأن عليهم مغادرة البلاد.

وخلال زيارة للعاصمة السويسرية، بيرن، هذا الشهر قالت ميركل إن ألمانيا قد تتعلم من هذا النهج وإن برلين بدأت تضيق الخناق على طلبات اللجوء من البلقان، لإفساح المجال أمام عدد أكبر من الأشخاص، الذين يستحقون اللجوء من مناطق الحرب مثل سوريا.

وقال ستيفان فراي، المتحدث باسم جماعة سويس رفيوجي هلب لدعم اللاجئين، "إذا كان لدى الألمان هذه العناصر من النظام السويسري، فمن الممكن أن يحقق ذلك بعض الانفراج."

وأيا كانت مزايا النظام السويسري، فلم تستقبل هذه الدولة سوى نحو ثلاثة في المئة من أكثر من نصف مليون شخص طلبوا اللجوء في أوروبا منذ بداية العام الجاري.

وطلب 401 سوري، فقط، اللجوء إلى سويسرا في أغسطس/آب، الشهر الذي شهد تنقل عشرات الآلاف من السوريين عبر البلقان بهدف الوصول إلى النمسا وألمانيا.

وقالت الرئيسة سوماروجا "نصيب سويسرا من طلبات اللجوء في أوروبا، عند أقل مستوياته في 15 عاما."

ومع ذلك فقد بلغ عدد اللاجئين حتى يونيو/حزيران 38 ألفا بزيادة نحو 20% عن مستواه قبل عام، وهو ما يكفي لإزعاج حزب الشعب اليميني وأنصاره في بلد كافح طويلا للتوفيق بين الأعراف الإنسانية والتقاليد المحلية، التي تحدد الهوية السويسرية بما يميزها عن غيرها.

وقال هاينز براند، النائب عن حزب الشعب وخبير شؤون الهجرة، "رغم كل سخاء سويسرا وإنسانيتها فإن البلد ببساطة أصغر من أن يحقق كل آمال الناس التي تسعى لحياة أفضل هنا."

ويشير الحزب إلى أن السكان المولودين في الخارج يمثلون الآن حوالي ربع إجمالي عدد سكان سويسرا البالغ 8.2 مليون نسمة.

 استفتاءات

وسئل مسؤولون سويسريون عن سبب عدم الإقبال على سويسرا بين اللاجئين في الموجة الحالية، فقالوا إنها الجغرافيا لأن سويسرا ليست على الطرق الرئيسية المؤدية من البلقان إلى ألمانيا، بالإضافة إلى عدم وجود جالية سورية كبيرة مثلما هو الحال في ألمانيا أو السويد.

وانتقدت مفوضية الأمم المتحدة ما درجت عليه سويسرا من منح كثير من اللاجئين من السوريين الفارين من الحرب "موافقة مؤقتة" على الدخول، ما يتيح لهم الاستفادة من حقوق محدودة فقط للم شمل الأسر ودخول سوق العمل ويجعلهم في "وضع خطر للغاية".

كذلك هناك صورة سويسرا، والتي تأيدت في استفتاءين، كبلد أقل ترحيبا بالمسلمين.

ففي عام 2009، أيد الناخبون السويسريون فرض حظر على بناء مآذن جديدة، وفي عام 2014 وافقوا على خطة للحد من الهجرة بنظام للحصص وهو قرار جعل سويسرا تخالف مبدأ حرية الانتقال الذي يؤمن به الاتحاد الاوروبي.

واعترفت الرئيسة سوماروجا في مقابلة مع صحيفة سويسرية، بأن النقيضين اجتمعا في بلدها: التضامن مع الأجانب والتحفظ على وجودهم.

التعليقات