هل تطلق هجمات باريس حربًا برية ضد "داعش"؟

ففي أميركا، لا يزال الجمهوريون يضغطون لتنفيذ حملة عسكرية أوسع من حملة أوباما المحدودة، وعلى صعيد بريطانيا، يبقى التساؤل ما إذا كان الهجوم على باريس سيغيّر رأي البرلمان الذي يرفض التدخّل عسكريًا...

هل تطلق هجمات باريس حربًا برية ضد "داعش"؟

فرنسا (أ ف ب)

يرجّح محللون أن تؤدي هجمات باريس الإرهابية، إلى بلورة رد عسكري عالمي أقوى على 'تنظيم الدولة الإسلامية' (داعش)، بعد أن استمرت عمليات جوية بقيادة الولايات المتحدة أكثر من عام دون أن تتمكن من القضاء على التنظيم الذي ثبت أنه خطر متزايد على المستوى العالمي. ففي أميركا، لا يزال الجمهوريون يضغطون لتنفيذ حملة عسكرية أوسع من حملة أوباما المحدودة، وعلى صعيد بريطانيا، يبقى التساؤل ما إذا كان الهجوم على باريس سيغيّر رأي البرلمان الذي يرفض التدخّل عسكريًا.

وتتعرض الولايات المتحدة التي توجه إليها منذ فترة طويلة اتهامات بأنها تتخذ نهجًا تدريجيًا إزاء التصدي للتنظيم لضغوط سياسية متنامية في الداخل والخارج لبذل المزيد، ومن المتوقع أن تعكف على دراسة سبل تصعيد الحملة بما في ذلك توسيع نطاق الضربات الجوية.

ويقول مسؤولون أميركيون إن واشنطن 'ستتطلع بالتحديد لحلفائها من الأوروبيين والعرب، لزيادة مشاركتهم العسكرية في الحرب في كل من سوريا والعراق'.

وما زال من غير الواضح ما إذا كانت باريس وواشنطن سترغبان في توسيع مجال مشاركتهما العسكرية الحالية بشكل كبير، في ضوء العزوف الشديد عن الانزلاق إلى عملية برية واسعة النطاق في الشرق الأوسط.

وخصّص الرئيس الأميركي، باراك أوباما، المزيد من الإمكانيات للقتال في الأشهر الأخيرة. ويرى أعضاء في الكونجرس وخبراء في مكافحة الإرهاب أن هجمات باريس ستعزز الآراء المؤيدة لاستخدام المزيد من القوة العسكرية.

وأعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عن الهجمات التي وقعت الجمعة، وأسفرت عن سقوط 129 قتيلًا في باريس بأسوأ عمليات من نوعها في فرنسا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

وفي الأسبوعين الأخيرين، وقعت هجمات كبرى أعلن التنظيم أيضا مسؤوليته عنها. فقد أسفر تفجيران انتحاريان في الضاحية الجنوبية بيروت عن مقتل 43 شخصًا كما لقي 224 شخصا مصرعهم عندما سقطت طائرة روسية في شبه جزيرة سيناء المصرية.

وقالت عضو مجلس الشيوخ، ديان فاينستاين، وهي أكبر الديمقراطيين في لجنة المخابرات بالمجلس إنه اتضح أن استراتيجية أوباما التي تقوم على شن ضربات جوية محدودة، بالإضافة إلى تقديم الدعم لقوات برية في سوريا والعراق 'ليست كافية لحماية بلادنا وحلفائنا". وأضافت أن 'القتال يمتد بسرعة خارج العراق وسوريا، ولهذا السبب يتعين علينا أن ننقل المعركة إليهم".

بدوره، قال الخبير السابق في وكالة الاستخابرات المركزية الأميركية في شؤون المنطقة، بروس ريدل، إن 'سلسلة الهجمات الأخيرة حسمت الجدال الدائر حول ما إذا كان تركيز 'داعش' سيظل منصبًا على الحرب في العراق وسوريا'.

وقال ريدل الذي يعمل الان في مؤسسة بروكينجز إن 'هذا يغير قواعد اللعبة من هذا المنطلق. فقد كان هناك من يتجادلون عما إذا كانت الدولة الإسلامية ستظل مركزة على الوضع المحلي، أم تتجه للتوسع على المستوى العالمي. وأعتقد أن الجدال انتهى الآن".

حاملة فرنسية في الطريق

كما زاد الجمهوريون الساعون للفوز بترشيح حزبهم لخوض انتخابات الرئاسة لعام 2016، الضغوط بعد هجمات باريس.

وقال الحاكم السابق لولاية فلوريدا، جيب بوش إن الإرهابيين يشنون 'جهدًا منظما لتدمير الحضارة الغربية'، وإن الولايات المتحدة بحاجة لأخذ موقع القيادة في الحرب عليهم.

وقال بوش في برنامج إذاعي مساء يوم الجمعة 'هذه الحرب هي حرب عصرنا".

ومن الممكن أن تعزز فرنسا، التي وصفت الهجمات بأنها عمل من أعمال الحرب مساهمتها في الحملة الجوية على 'داعش' نحو سريع.

وحتى قبل وقوع هجمات باريس أعلنت فرنسا أن حاملة طائراتها الوحيدة شارل ديجول، ستتجه إلى الشرق الأوسط لتصل إلى المنطقة في 18 تشرين الثاني/نوفمبر.

وقال المسؤول السابق في مكتب التحقيقات الاتحادي، مارتن ريردون، الذي يعمل الآن لدى مجموعة سوفان الاستشارية إنه 'لا تفصلنا سوى أيام عن رحيل الحاملة الفرنسية واتجاهها إلى الخليج الفارسي لبدء توجيه ضربات. أعتقد أن فرنسا ستفعل المزيد.'

وفي الشهر الماضي، وافق أوباما على إرسال قوات خاصة إلى سوريا للتنسيق مع مقاتلي المعارضة على الأرض وهو أمر كان مستبعدًا من قبل. كما أمر بإرسال المزيد من الطائرات الأميركية إلى قاعدة إنجرليك التركية.

ويقول مسؤولون أميركيون إنهم يجرون مشاورات مع الحلفاء بما في ذلك دول عربية، لزيادة مشاركتهم في الحملة الجوية. كما تجري المحادثات حول احتمال قيام الحلفاء بنشر قوات خاصة في العراق وسوريا.

وقال ريدل ومسؤولون أميركيون آخرون إن 'أحد الأساليب السريعة التي تستطيع الولايات المتحدة وحلفاؤها أن تلجأ إليها هو زيادة الضغوط على قيادات 'داعش'. وتتزايد مثل هذه الضغوط على نحو مطرد من خلال الضربات الموجهة بدقة في الأشهر الأخيرة.

وفي اليوم الذي توالت فيه هجمات باريس، نفذت الولايات المتحدة عملية قتل زعيم تنظيم الدولة الاسلامية في ليبيا. وقبل ذلك بيوم واحد أعلنت مقتل 'الجهادي جون' الذي تولى إعدام رهائن غربيين كما اتضح من خلال تسجيلات الفيديو. ويقول مسؤولون أميركيون إن مثل هذه الهجمات تظهر أن بوسع الولايات المتحدة أن توسع نطاق المعركة.

وقال مسؤول أميركي إن الولايات المتحدة تبحث استهداف التنظيم في أي مكان يمكنها استهدافه فيه. غير أن الولايات المتحدة أحجمت حتى الآن عن القصف المباشر للمباني التي تمثل مقار التنظيم في عاصمته المعلنة الرقة في سوريا.

وقال مطّلعون على الأمور إن هذا يرجع في جانب منه إلى خطر وقوع خسائر بشرية كبيرة بين المدنيين.

ولم يتضح بعد ما إذا كان ضبط النفس سيستمر وما إذا كانت إدارة أوباما ستخفف بصورة عامة قواعد الاشتباك التي وصفها بعض الأعضاء في الكونجرس وغيرهم بأنها مقيدة بشدة.

وقال المسؤولون والمحللون إن أحد الأسئلة الأخرى يتمثل فيما إذا كانت بريطانيا ستوسع نطاق الضربات الجوية وقدرات جمع المعلومات المحمولة جوا المستخدمة حاليا في سماء العراق وسوريا.

ولم توجه لندن ضربات لـ'داعش' في سوريا، ورغم ما يتردد عن حرص رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون على مثل هذه الخطوة فهو يواجه معارضة من أعضاء البرلمان.

وقال المسؤول الأمريكي 'السؤال في الواقع هو هل سيغير ذلك البرلمان البريطاني؟'.

التعليقات