انتخاب صادق خان: الهموم اليومية أهم من السياسة الخارجية

العديد من الأسباب اجتمعت وشكلت هذه النتيجة، أهمها الحملة الإيجابية لحزب العمال مقابل الحملة السلبية للمحافظين، والتي بالغوا خلالها بمهاجمة خان وحاولوا ربطه بالإرهاب والتطرف بسبب ديانته، في حين لم ينتهج الأخير ذات النهج

انتخاب صادق خان: الهموم اليومية أهم من السياسة الخارجية

صادق خان (أ.ف.ب)

'لا أستطيع أن أصدق الـ 24 ساعة الماضية. أود أن أبدأ عملي كعمدة بنفس الطريقة التي أنوي المواصلة بها. أرغب في أن تكون تلك هذه أكثر الإدارات شفافة وأمانة وسهولة في الوصول إليها في لندن على الإطلاق'، كانت هذه كلمات رئيس بلدية لندن الجديد، صادق خان، خلال مراسم تأديته اليمين الدستورية.

واستطاع خان، عضو حزب العمال البريطاني، التفوق على منافسه من حزب المحافظين، زاك غولدسميث، إذ حصد نحو 57% من أصوات الناخبين، ليسترجع حزب العمال المنصب الذي فقدوه منذ ثمانية أعوام، وليكون خان، أول مسلم يتولى رئاسة بلدية كبيرة في أوروبا.

حملة المحافظين في خدمة خان

وعن سبب انتخاب خان، رغم المد اليميني الذي يجتاح أوروبا مؤخرًا، قال المحاضر في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية (ساوس) في جامعة لندن البريطانية، نمر سلطاني، لـ'عرب 48'، إن العديد من الأسباب اجتمعت وشكلت هذه النتيجة، أهمها الحملة الإيجابية لحزب العمال مقابل الحملة السلبية للمحافظين، والتي بالغوا خلالها بمهاجمة خان وحاولوا ربطه بالإرهاب والتطرف بسبب ديانته، في حين لم ينتهج الأخير ذات النهج للرد عليهم.

وأكد سلطاني أن العديد من الأعضاء البارزين في حزب المحافظين انتقدوا الحملة العدائية لجولدسميث، واعتبروها محرضة وخطرة، وطلبوا عدم استعمالها، وعلى رأسهم كانت شقيقة مرشح الرئاسة التي انتقدت حملة أخيها في العلن، بالإضافة إلى تسريبات نشرتها الصحافة البريطانية حول تقاعس المنتقدين عن دعم جولدسميث وعدم استعمال وزنهم السياسي الكامل.

زاك غولدسميث

واعتبر سلطاني أن 'قوة اليمين المتطرف المعادي للمهاجرين هي بالحقيقة أقوى انتخابيا من التمثيل البرلماني، وذلك بسبب طريقة انتخابات الدوائر المتبعة ببريطانيا. أي أن اليمين المتطرف كان سيحصل على تمثيل أكثر بالبرلمان لو اتبعت بريطانيا الطريقة النسبية، ولكن عموما، بريطانيا كانت تاريخيا أكثر انفتاحا تجاه الأقليات من دول مثل ألمانيا وفرنسا من حيث فرص الاندماج. واليمين المتطرف أضعف مما هو في الدول الاسكندنافية مثلا، وبخلاف المشهد الامريكي نقابات العمال ما زالت قوية في بريطانيا'.

انتخاب خان كانتخاب أوباما

 ويتوقع سلطاني أن 'يخيب أمل من يعتقدون أن خان سيجلب المساواة التامة للأقليات في لندن ويلغي العنصرية، صحيح أنه مساند لحقوق المثليين، لكنه رافض لتصويت الأسرى والسجناء المدانين، ويتبنى مواقف حزب العمال البريطاني، وهذا يعيدنا إلى تجربة انتخاب باراك أوباما، عندما ظن البعض أن انتخاب رئيس أسود سيجعل المجتمع الأميركي يتخطى سنوات الغبن والتفرقة العنصرية'. واليوم، بعد ثماني سنوات، يأتي ترامب ومواقفه العنصرية ليكسب تأييد غالبية مناصري الحزب الجمهوري، وهم ليسوا بقلة.

ويرى سلطاني أن السكان 'صوتوا لمن يحمل برنامجًا يخدمهم، فأزمة السكن والمواصلات العامة وغلاء المعيشة في العاصمة، أكثر أهمية بنظرهم في الانتخابات البلدية من الحرب على الإرهاب والحفاظ على أمن البلاد، رغم أن العاملين الأخيرين يؤثران بقوة في الانتخابات البرلمانية، لكن ليس في الانتخابات البلدية.   

من أسفل الهرم حتى رئاسة البلدية

وقال طالب الدكتوراه ومراسل هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، فراس خطيب، لـ'عرب 48'، إن خان 'تربّى في عائلة من أصل باكستاني، كثيرة الأولاد، وجرّب الحياة في العاصمة من أسفل الهرم، يعرف جيّدًا ماذا تعني المواصلات العامّة وقضايا المسكن وغلاء المعيشة وأقساط الجامعات، يعرف جيّدًا ما يعانيه الناس من ذوي الدخل المحدود في لندن. هذا منحه نقاط تفوق على منافسه زاك جولدسميث، القادم من عائلة ثريّة، ولا يملك الخبرة السياسية أو الحياتيّة التي يملكها خان. وليس صدفة أنَّ استطلاعات الرأي منحت خان تفوقًا كبيرًا على جولدسميث خصوصًا في السؤال حول من تشعر بأنه يمثلك أكثر'.

وعن مستقبل بلدية لندن وسياساتها، اعتبر خطيب أنه 'يجب التنويه أن لندن كانت دائمًا معقلاً لحزب العمال الذي خسرها في السنوات الأخيرة لصالح حزب المحافظين وعمدة لندن السابق بوريس جونسون. لكن قيادة المدينة عادت إلى حزب العمال نتيجة قوة الحملة وبرنامج صادق خان. نجاح خان لا يجعل لندن مدينة أحلام وردية خالية تمامًا من العنصرية من جهة أو من التشدّد الديني من جهة أخرى، لكن العوامل التي ذكرت، كانت كفيلة بأن تجعل مواطنيها يمنحون غالبية أصواتهم لمن يملك برنامجًا أقوى، وهذا أيضًا ما يمنح لندن ميزة خاصة'.

لا علاقة للندن بالانتخابات العامة

واعتبر المحاضر في القانون بجامعة 'سيتي لندن'، مازن المصري، في حديثه مع 'عرب 48'، أن حملة خان الانتخابية هي ما عززت فرصه بالفوز ومنحته ثقة المواطنين، ليضاف عليها بعد ذلك الحملة السلبية التي شنها غولدسميث عليه، بدعم من رئيس الحكومة البريطانية، دافيد كاميرون، وحاولوا ربطه بالإرهاب والتطرف، لكنه أصر على برنامجه الخدماتي الذي لامس لب مشاكل عامة الشعب وليس الأثرياء منهم.

ويرى المصري أن انتخابات بلدية لندن لا تعتبر مؤشرًا للانتخابات العامة والبرلمانية، فلندن، رغم كونها العاصمة، لا تعكس موازين القوى بسبب تركيبتها، ولأنها كانت دائمًا معقلًا لحزب العمال، وبعد تولي جيرمي كوربين رئاسة الحزب، جدد الناخبون الثقة بالمرشح المقرب منه بعد ثماني سنوات من تولي حزب المحافظين هذا المنصب.

اقرأ/ي أيضًا | صادق خان... الوجه الجديد للندن

وبحسب تحليل المصري، لا يؤثر 'عمدة لندن على سياسة الدولة الخارجية، رغم أهمية منصبه، وانتخابات البلديات في بريطانيا تعكس التوجهات السياسية للبلاد أكثر من انتخابات بلدية لندن، لأن المجالس البلدية مجتمعة هي مقياس للرأي العام واتجاهاته. ومن الممكن اعتبار فوز خان مؤشرًا على التوجهات الاجتماعية للشعب، ومطالبه الحياتية وأهميتها، لكنها ليست بذات تأثر على سياسات البلاد'. 

التعليقات