"اقتلوا الأتراك حتى نكون سعداء"

استطاعت وكالة رويترز للأنباء الحصول على نسخ من وثائق الادّعاء التركي بخصوص خلية داعش، التي تم قتل أميرها وإلقاء القبض على عدد من منتسبيها، منذ العام الماضي، تكشف جزءًا من "إستراتيجيّة" داعش في قتال الأتراك.

"اقتلوا الأتراك حتى نكون سعداء"

الصلاة على ضحايا هجمات نفذتها داعش وفق الرواية الرسمية (رويترز)

أطلِقوا العنان للحرب في تركيا... كان ذلك الأمر الذي نقله إلهامي بالي عن قيادة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في مدينة الرقة، معقلهم الرئيسي في سورية، إلى خلية في تركيا، بعد أن بدأت مقاتلات التحالف، الذي تقوده الولايات المتحدة في ضرب أهداف للتنظيم، انطلاقًا من قاعدة جوية تركية، صيف العام الماضي.

ويعرّف ممثلو الادعاء الأتراك بالي على أنه 'القيادي الأبرز لداعش في بلادهم'. وطلب بالي من أحد المتشددين في مدينة غازي عنتاب الحدودية إعداد قائمة بالأهداف المحتملة للهجوم عليها، قائلًا إن النقود والانتحاريين والعتاد سترسل لهم من سورية.

وفي وثائق أعدها ممثلو الادعاء في أنقرة، وأطلعت عليها وكالة رويترز للأنباء، قال بالي، التركيّ الجنسيّة، في رسالة بالبريد الإلكتروني من سورية 'شنت تركيا حربا علينا... لذلك نشن حربًا ردًا عليها... سألت من علينا أن نستهدف، فقالوا لا يهم، استهدفوا مسلحي حزب العمال الكردستاني، استهدفوا الجنود الأتراك، استهدفوا مواقع سياحية. أيًا كان ما خططتم له'.

وأرسل بالي هذا البريد الإلكتروني إلى يونس دورماز، الذي يقول عنه ممثلو الادعاء إنه شارك مع بالي في تأسيس خلية داعش في غازي عنتاب، بعدها، أعد دورماز قائمة طويلة تضم الأهداف المحتملة والتي شملت بطاريات صواريخ باتريوت، تابعة لحلف شمال الأطلسي ومقرات بعثات دبلوماسية أجنبية ومكاتب للأمم المتحدة وملهى ليليًا شهيرًا في منتجع أنطاليا، على البحر المتوسط.

والوثائق تشكل جزءًا من تحقيق قضائي في الخلية، التي يقول ممثلو الادعاء إنها نفذت تفجيرين كبيرين على الأقل، العام الماضي، وأعطت تلك الوثائق نظرة متعمقة نادرة على منشأ الشبكة الأوسع لداعش في تركيا وعملياتها.

وتقول الحكومة التركية إن نشاط داعش زاد بصورة ملحوظة في البلاد، متّهمةً إياها بتنفيذ سبعة تفجيرات انتحارية وقعت في أنحاء تركيا على مدى العام المنصرم، على الرغم من أن التنظيم لم يعلن مسؤوليته عن تلك الهجمات.

وتظهر الوثائق التي لدى الادعاء كيف تمكن أعضاء يشتبه في انتمائهم لخلية داعش في غازي عنتاب من إقامة منازل آمنة لتسكين المقاتلين ومن تسهيل عبور البعض إلى سورية، ومن تأجير مستودعات لتخزين الأسلحة والذخيرة ودفع مرتبات وتسجيل النفقات في دفاتر، وأيضًا، صنع قنابل وأحزمة ناسفة للانتحاريين بمكونات اشتروها من داخل تركيا.

ولم تقتصر مهمات خلية داعش على الإعداد للتفجيرات، فترسيخ وجود قويٍّ لداعش في تركيا كان من أحد المهام الضرورية لخطط معركة التنظيم في الشرق الأوسط، وفي محاولاته لضرب الغرب، أيضًا، باستخدامه للدولة العضو في حلف شمال الأطلسي كطريق مرور للمقاتلين والعتاد.

والوثائق التي أعدها الادعاء في تركيا، بشأن خلية غازي عنتاب اعتمدت على شهادات مشتبه بهم ورسائل متبادلة عبر البريد الإلكتروني ولقطات سجلتها كاميرات المراقبة الأمنية وأدلة رقمية، ضبطت أثناء مداهمات للشرطة.

وأكد مسؤول في محكمة أنقرة الرئيسية أن الوثائق صحيحة. ولم يتسنَّ الوصول إلى مكتب الادعاء في أنقرة، للتعليق على الخلية أو التحقيق.

>> متفجرات محلية الصنع

صعّدت تركيا من حملتها ضد داعش في تموز/يوليو 2015، بعد أن كان حلفاؤها الغربيون يعتبرونها في البداية شريكًا مترددًا في المعركة ضد التنظيم، وفتحت قاعدة إنجيرليك الجوية للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، ما سهل شن الغارات على أهداف التنظيم في شمال سورية، وسرّع من وتيرتها.

وأصبحت تركيا، بذلك، هدفًا رئيسيًا للتنظيم.

وكتب بالي لدورماز عبر البريد الإلكتروني، الصيف الماضي، قائلًا إن 'الطائرات تقصفنا هنا أكثر... أعلم أن لديك مهمّة صعبة، لكن عليك بمواساة قلوب المسلمين المؤمنين هنا. اضربهم... حتى نكون سعداء'.

وكانت الهجمات التي وقعت في تركيا وألقت أنقرة بمسؤوليتها على داعش عاملًا مساهمًا في اتخاذ تركيا قرار إرسال قوات ودبابات للتوغل داخل الشمال السوري، للمرة الأولى، الشهر الماضي، في محاولة لإبعاد التنظيم عن حدودها.

وتشير وثائق الادعاء التركي إلى أن خلية بالي ودورماز نفذت في تركيا تفجيرين كبيرين على الأقل، أحدهما في تموز 2015 في مدينة سروج، والذي قتل فيه 35 شخصًا، أغلبهم من النشطاء الأكراد، والآخر تفجير انتحاري مزدوج في أنقرة، في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، قتل فيه أكثر من 100 شخص.

وقال مكتب حاكم غازي عنتاب، في بيان، أمس، الخميس، إن دورماز كان، أيضًا، العقل المدبر لهجومين آخرين نفذا في وقت سابق من هذا العام.

وذكرت الوثائق أن الرجلين، وبمساعدة أكثر من عشرة شركاء أساسيين، درّبوا 150 مقاتلًا على الأقل لشن هجمات في أنحاء تركيا. وتدير الخلية، على الأقل، منزلين آمنين وأربعة مستودعات في غازي عنتاب.

وابتاعت الجماعة 1.5 أطنان على الأقل من نترات الأمونيوم، وهي مادة كيميائية تستخدم في أغراض زراعية، لكنها، أيضًا، تستخدم في تصنيع القنابل. وضبطت الشرطة، كذلك، خلال مداهمات على الخلية منذ تشرين الأول، قنابل يدوية وأسلحة رشاشة وذخائر ومكونات لصنع قنابل مثل أجهزة التفجير وكرات معدنية ومتفجرات.

وقال الخبير في شؤون تركيا بمؤسسة مجلس الأطلسي البحثية المعنية بالشؤون الدولية ومقرها واشنطن، أرون شتاين، إن 'البيانات تشير إلى أن أعضاء أتراكا في الدولة الإسلامية يصنعون متفجرات داخل تركيا بينها سترات استخدمت على الأقل في ثلاث هجمات، وربما أكثر داخل تركيا منذ 2015'.

وتابع قائلا 'السترات مصنعة بشكل أفضل من مثيلاتها التي استخدمتها الدولة الإسلامية في فرنسا وبلجيكا. هؤلاء الأفراد مدربون بشكل أفضل في مجال صناعة القنابل'.

وذكر تقرير عن مؤسسة أبحاث تسليح الصراعات البريطانيّة أن تركيا مركز للحصول على مواد لتصنيع القنابل، والتي يجري شحنها بعد ذلك إلى سورية والعراق.

وقال التقرير 'تركيا هي أهم بؤرة للمواد التي تستخدم في تصنيع العبوات الناسفة البدائية من قبل قوات الدولة الإسلامية'.

>> إستراتيجية

أسفرت التفجيرات الانتحارية السبعة، التي ألقيت مسؤوليتها على داعش في تركيا منذ تموز 2015، عن مقتل أكثر من 250 شخصًا، لكن التنظيم لم يعلن مسؤوليته عن أي منها.

ويقول خبراء إن هذه ربما تكون إستراتيجية متعمدة من تنظيم يتباهى بالتفجيرات، التي ينفذها في مناطق أخرى من العالم.

وقال مسؤول أمني كبير، طلب عدم نشر اسمه، نظرًا لحساسية الموضوع، 'إنهم مرتبطون بالرقة، التفجيرات هي نتيجة تعليمات من قادتهم'.

وتابع قوله 'لكنهم يرون في تركيا أرضًا للتجنيد ولا يريدون أن يقولوا، بشكل علني، إنهم يستهدفون مسلمين. ترك الأمر مفتوحًا للتساؤلات أفضل من إعلانه'.

وقد تفسر هذه الاعتبارات، أيضًا، لماذا كانت الأهداف في تركيا تشمل، إلى حد كبير، المصالح الكردية والسياح الأجانب.

وقال يعقوب شاهين، الذي يشتبه في أنه عضو بالخلية، في إفادة لممثلي الادعاء، إنه جرى إبلاغه بأن التجمعات في سروج وأنقرة استهدفت لأن من كانوا فيها أعضاء في حزب العمال الكردستاني المحظور، الذي يحارب الدولة التركية من أجل الحكم الذاتي للأكراد.

وقيل إن دورماز أبلغ شاهين، عندما عبر عن شكوكه بشأن قتل مدنيين 'هؤلاء كلهم أعداء الله'.

>> مقتل دورماز

لم يتّضح متى تأسست خلية غازي عنتاب، لكن الشرطة بدأت تراقب بعض الأعضاء في 2012، وتشير تقارير إعلامية ومصدر في الشرطة إلى أن بعض المشتبه بهم احتجزوا العام الماضي، بينما فر ثمانية على الأقل إلى سورية.

وقُتل دورماز نفسه في أيار/مايو، عندما فجر سترة ناسفة كان يرتديها خلال مداهمة للشرطة على منزل آمن في غازي عنتاب. أما بالي فلم يعثر له على أثر.

ورفض مكتب حاكم غازي عنتاب التعقيب على التحقيق في أمر الخلية.

ويقول ممثلو الادعاء، الذين دشنوا التحقيق بعد تفجير أنقرة، في تشرين الأول الماضي، إن الخلية استخدمت منازل آمنة لإيواء المقاتلين، الذين تم تهريبهم إلى تركيا من سورية والآخرين الذين في طريقهم إلى سورية للقتال في صفوف داعش.

التعليقات