تاريخ رؤساء أميركا.. السياسة تدوس حقوق الإنسان

ترتكب إسرائيل يوميًّا الكثير من الفظائع، والتي أصبحت منتشرة بشكل واسع بعد ظهور شبكات التواصل الاجتماعي، إذ لم يعد الجمهور يعتمد على وسائل الإعلام المملوكة للشركات للحصول على المعلومة، وإنما أصبح انتشار المعلومات سريعًا جدًا، إضافة إلى الت

تاريخ رؤساء أميركا.. السياسة تدوس حقوق الإنسان

ترتكب إسرائيل يوميًّا الكثير من الفظائع، والتي أصبحت منتشرة بشكل واسع بعد ظهور شبكات التواصل الاجتماعي، إذ لم يعد الجمهور يعتمد على وسائل الإعلام المملوكة للشركات للحصول على المعلومة، وإنما أصبح انتشار المعلومات سريعًا جدًا، إضافة إلى التفاعل الكبير، والذي يشكّل فارقًا كبيرًا في بعض الأحيان.

وبالعودة إلى الوراء قليلًا، فإنّ التاريخ القبيح للولايات المتحدة الأميركيّة في تعاملها مع القضيّة الفلسطينيّة، خلق وصمة عار بحق أقوى دولة في العالم ليس من السهل محوها، من خلال التواطؤ في انتهاكات القوانين الدوليّة، وحرمان أمّة بأكملها من حقوقها، لحساب إسرائيل وجرائم الحرب التي ارتكبتها على مرّ السنين.

وعلى الرغم من أنّ الولايات المتحدة الأميركية لم تكن طرفًا فاعلًا في الظروف التي أدّت إلى النكبة، إلا أنّها كانت دائمًا داعمة أساسيّة للبربرية الإسرائيليّة بحق الشعب الفلسطيني، ففي كتاب بعنوان 'الدوريات الأميركية ومثلث فلسطين'، يقول الباحث مايكل دوش: 'على الرغم من أن هناك أدلة كثيرة عن الحملة القومية المتطرفة وراء الحركة الصهيونية، التي كانت قوتها الدافعة، إلّا أنَّ الصحف الأمريكية أشادت بهدف الصهاينة المزعوم ببناء كومنولث ديمقراطي في فلسطين. كيف من الممكن حدوث ذلك والعرب يشكّلون ثلثي السكان ويعارضون الصهيونية؟ لكنَّ العديد من الصحف لم تفكر في هذا السؤال'.

وبطبيعة الحال، كان هذا مخالفًا للعقيدة الأميركية المنصوص عليها في إعلان الاستقلال، والتي أكّدت أن لجميع البشر حقوق غير قابلة للمصادرة، وأنّه لضمان هذه الحقوق تتشكّل الحكومات وتستمد سلطاتها العادلة من موافقة الحكوميين.

محاباة إسرائيل على حساب حقوق الإنسان

قبل أشهر من إعلان وعد بلفور، تحدّث الرئيس الأميركي السابق وودرو ويلسون عن الحاجة الماسة لتقرير المصير، وفي 27 مايو عام 1916 قال: 'كلّ شخص لديه الحقّ في اختيار السيادة التي يحيا في ظلها'.

وحسب يوميّات وزير خارجيته روبرت لانسيينغ، وصف هذه المفاهيم بأنّها محملة بالديناميت، وقد تولّد الفوضى والسخط والتمرّد، فكيف يمكن التوفيق بين العرب والصهيونيّة التي يلتزم بها الرئيس عمليًّا؟

على الرغم من أنّ اليهود سيطروا على 7% من الأراضي الفلسطينيّة، فإنّ إسرائيل كانت قد تشكّلت على 78% من مساحة فلسطين، وفقًا لمعهد الشرق الأوسط، ففي الوقت الذي نزح فيه الكثير من الفلسطينيين من منازلهم، كان هاري ترومان رئيسًا للولايات المتحدة الأميركيّة، حيث أبدى موافقته الكاملة على هذه الخطة لأسباب تبدو واضحة وجليّة لنا اليوم، وهي الضغط من اللوبي الصهيوني، إضافة إلى المكاسب الانتخابيّة التي يمكنه الاستفاده منها، من خلال اللوبي الصهيوني في أميركا.  ومثل كلّ انتخابات أميركيّة، تتجاوز اعتبارات الضغط والسياسة حقوق الإنسان.

كينيدي، وجونسون ونيكسون وفورد وكارتر

أخذت الأمور منحى آخر مع إدارة جون كينيدي، الذي أبدى تأييده لحق عودة اللاجئين، كما هو موضح في الفقرة رقم 11 من قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 في 11 ديسمبر عام 1948.ويؤكد ذلك القرار على أنّه 'ينبغي السماح للاجئين الراغبين بالعودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم في أقرب وقت ممكن، وينبغي دفع تعويضات للذين قرروا عدم العودة إلى ديارهم وعن كل خسارة أو ضرر لممتلكاتهم، وفقًا لمبادئ القانون الدولي والإنصاف، من قِبل الحكومة أو السلطات المسؤولة'.

إسرائيل، تحت قيادة ديفيد بن غوريون، استخدمت ما أصبح وسيلة مجربة وحقيقية لمعارضة هذا الإجراء: مؤسس 'الدولة' وأول رئيس وزراء وصفه بأنّه تهديد للأمن القومي الإسرائيلي.

وفي نهاية المطاف، صدر القرار رقم 194، لكنه لم يكون له أي تأثير.

وبالرغم من الدعم الواضح للاجئين الفلسطينيين، كان كينيدي أول رئيس يعزز العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل من مجرد حليفين إلى علاقة وثيقة. وقال في حديثه لمنظمة الصهيونية في أميركا قبل ثلاثة أشهر من انتخابه، إنَّ 'الصداقة الأميركية لإسرائيل ليست مسألة حزبية، بل هي التزام وطني'.

بعد اغتيال كينيدي في عام 1963، خلفه ليندون جونسون، الذي لم يشارك اهتمام سلفه في حل مشكلة اللاجئين. وتضمن برنامج الحزب الديمقراطي لعام 1964، وهو العام الذي اُنتخب فيه جونسون رئيسًا للبلاد، بندًا 'لتشجيع إعادة توطين اللاجئين العرب في الأراضي التي يوجد فيها مساحة وفرصة للعيش'. وانتهى كل الحديث عن حق عودة الشعب الفلسطيني إلى بلادهم.

انتهت إدارة جونسون في يناير/ كانون الثاني من عام 1968، عندما عُيّن نائب الرئيس السابق ريتشارد نيكسون رئيسًا للبلاد. كان نيكسون أقل التزامًا تجاه إسرائيل، بعد أن حصل على 15 بالمئة فقط من أصوات اليهود. في مذكراته، علّق على الغطرسة الإسرائيلية بعد حرب الأيام الستة عام 1967، ووصفها بأنها: 'موقف متعنت حول التفاوض بشأن أي اتفاق سلام يتضمن عودة أي من الأراضي التي احتلوها'.

ولكن لسوء حظ فلسطين، كان أقرب مستشار للرئيس نيكسون هو هنري كيسنجر، مستشار نيكسون للأمن القومي، وبعد ذلك وزير خارجيته. كان والدا كيسنجر فرا من ألمانيا النازية قبل وقت قصير من بدء المحرقة، وقد زار إسرائيل عدة مرات ولكن لم تطأ أقدامه أي بلد عربي. ومع انشغال نيكسون بما اعتبره “الخطر الشيوعي، 'كان كيسنجر راضٍ تمامًا بالوضع الراهن بين إسرائيل وفلسطين'. وبدلًا من بذل أي جهد تجاه الدول العربية، ناهيك عن الفلسطينيين، رأى كيسنجر أن على الولايات المتحدة تركهم يغلون على نار هادئة حتى يأتوا ويتوسلوا إلى واشنطن،” وذلك بحسب ما جاء في كتاب بعنوان 'سياسة الولايات المتحدة في فلسطين من ويلسون إلى كلينتون' من تأليف مايكل جورج سليمان. من خلال هذا الموقف، لم يحدث أي شيء لتعزيز قضية العدالة أثناء فترة ولاية نيكسون.

وعندما استقال نيكسون وسط حالة ضبابية من الجدل والفضيحة، أصبح نائبه جيرالد فورد، رئيسًا للبلاد. وشغل منصب رئيس الحكومة إلى حين إجراء الانتخابات، وحينها هزمه حاكم ولاية جورجيا، جيمي كارتر.

وبالرغم من أن كارتر أصبح مؤيدًا قويًا لحقوق الشعب الفلسطيني في الآونة الأخيرة، لكنَّ هذا لم يكن الحال خلال فترة رئاسته. ترأس كارتر اتفاقية كامب ديفيد؛ وهي اتفاقية ذات مسارين لإحلال السلام في الشرق الأوسط. المسار الأول تعامل مع فلسطين، ولم يحقق أي شيء يُذكر. والمسار الثاني أدى إلى معاهدة السلام بين إسرائيل ومصر.

عد فترة ولاية واحدة، تعرض كارتر لهزيمة أمام الممثل السابق وحاكم ولاية كاليفورنيا رونالد ريغان. ومثل نيكسون، رأى ريغان التهديدات الشيوعية في كل مكان. وخوفًا من إنشاء معقل سوفياتي في الشرق الأوسط، أصرّ على أن تعزيز العلاقات مع إسرائيل سيكون بمثابة رادع ممتاز للسوفييت. وفي عام 1982، أعلن أن الولايات المتحدة لن تؤيد إقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولن 'تدعم ضم الأراضي أو المراقبة الدائمة من قِبل إسرائيل'.

وبعد الانتفاضة الأولى في عام 1987، بعث ريغان وزير خارجيته جورج شولتز، من أجل حلّ المشكلة. واقترح شولتز استراتيجية من ثلاثة محاور: عقد مؤتمر دولي، وفترة تفاوض لمدة ستة أشهر من شأنها توفير مرحلة انتقالية من أجل تقرير المصير الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، ومحادثات بين إسرائيل وفلسطين تبدأ في ديسمبر عام 1988 للتوصل إلى حل نهائي للصراع.

رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها، اسحق شامير، هذه الخطة، وادّعي بأنها لم تفعل شيئًا لمواصلة عملية السلام. وردًا على ذلك، أصدرت الولايات المتحدة مذكرة جديدة، تؤكد فيها على الاتفاقات الاقتصادية والأمنية مع إسرائيل وتسريع تسليم 75 الطائرة المقاتلة من طراز F-16. وكان ذلك لتشجيع إسرائيل على قبول مقترحات خطة السلام. لكن إسرائيل لم تذعن للمطالب الأميركية.وكتب جورج سليمان: “وبدلًا من ذلك، كما علّق صحفي إسرائيلي، كان فحوى الرسالة: 'يمكن للمرء أن يقول لا لأميركا ويحصل على مكافأة أيضًا'.

عندما نجح نائب الرئيس ريغان، جورج دبليو بوش الأب، في خلافته لفترة رئاسة واحدة، استمرت المكافآت لإسرائيل بلا توقف. ومع ذلك، لم يكن هذا كافيًا لإسرائيل. كتب توماس فريدمان في صحيفة نيويورك تايمز في عام 1991، معلقًا على حالة العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل في عهد إدارة بوش: 'على الرغم من أن نهج إدارة بوش لصنع السلام يستند كليًا على الشروط التي يُمليها رئيس الوزراء اسحق شامير، إلّا أنَّ الإسرائيليين يرون أن إدارة بوش معادية لليهود'.

 

كلينتون، بوش الابن، أوباما

بعد فترة ولاية واحدة، تفوق بوش على حاكم ولاية اركنسو بيل كلينتون، الذي أحاط نفسه بالصهاينة، من بينهم مدير وكالة المخابرات المركزية جيمس وولسي ورئيس البنتاغون ليس أسبين.

في مارس من عام 1993، في أعقاب الاشتباكات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، أغلق رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين الحدود بين إسرائيل وفلسطين. وكان لهذا تأثير قوي على الحياة والمعيشة الأساسية لعشرات الآلاف من الفلسطينيين. اختارت إدارة كلينتون غض الطرف عن الجرائم التي ترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني.

اختلفت إدارة جورج دبليو بوش قليلًا في تعاملها مع الأمور المتعلقة بإسرائيل وفلسطين عن الإدارات التي سبقتها. عندما اُنتخبت حركة حماس لحكم قطاع غزة في عام 2006، أمر بوش بحظر شبه كامل للمساعدات الأمريكية لفلسطين. وعلّق نعوم تشومسكي على هذا الوضع:

'لا يُسمح لك بالتصويت بطريقة خاطئة في انتخابات حرة. هذا هو مفهومنا عن الديمقراطية. الديمقراطية جيدة طالما أنت تفعل ما تطلبه أميركا منك، ولكن ليس إذا صوّتت لشخص لا تحبه أمريكا'؟

وصل أوباما إلى السلطة وهو يردد شعار 'تغيير يمكننا أن نؤمن به'، لكنه أثبت أنّه مجرد حلقة أخرى في سلسلة طويلة من خيبات الأمل. مثل أسلافه، اعترض على أي قرار في مجلس الأمن الدولي ينتقد إسرائيل. وبعد هذا الاعتراض، أصدرت سوزان رايس المبعوث الأمريكي لدى الأمم المتحدة هذا البيان:

'نحن نرفض بأشد العبارات شرعية استمرار النشاط الاستيطاني الإسرائيلي. استمرار هذا النشاط الاستيطاني ينتهك التزامات إسرائيل الدولية، ويدمر الثقة بين الطرفين، ويهدّد فرص تحقيق السلام '.

وفي الوقت نفسه، استمرت المساعدات العسكرية لإسرائيل من الولايات المتحدة بلا هوادة. لقد وصلت قيمة هذه المساعدات إلى ما يقرب من 4 مليارات دولار سنويًا في ظل إدارة أوباما، ومن المرجح أن تحصل على دفعة أخرى قبل أن يغادر أوباما منصبه.

وهذا أمر طبيعي. وفقًا لبعض التقديرات، أعطت الولايات المتحدة إسرائيل مساعدات عسكرية بقيمة 138 مليار دولار منذ عام 1949. وفي عام 2007، وقّع الرئيس جورج دبليو بوش أول مذكرة تفاهم لمدة عشر سنوات، ومنح مليارات الدولارات لإسرائيل كل عام. ويتفاوض أوباما ونتنياهو حاليًا حول الاتفاق الجديد، والذي يأمل رئيس الوزراء أنه سيضمن أكثر من ذلك لنظام الفصل العنصري.

اقرأ/ي أيضًا | سين جيم: حقائق عن الانتخابات الأميركية

التعليقات