"وثائق بارادايز": أثرياء العالم وفضائح ملاذاتهم الضريبية

يأتي تحقيق استقصائي جديد يستند إلى 13.4 مليون وثيقة مالية مسرّبة، ليكشف عن تورط آخرين في عمليات الـ"جنّات ضريبية" (ملاذ ضريبي)، في ما يعرف بـ"بارادايز بايبرز".

بعد التسريبات المختلفة التي تم الكشف عنها ونشرها مؤخرًا، عن طريق "ويكيليكس" والفضيحة التي تسببت فيها نشر "وثائق بنما"، والتي طالت الذمة المالية للعديد من السياسيين والمشاهير في العالم، يأتي تحقيق استقصائي جديد يستند إلى 13.4 مليون وثيقة مالية مسرّبة، ليكشف عن تورط آخرين في عمليات الـ"جنّات الضريبية" (ملاذ ضريبي)، في ما يعرف بـ"بارادايز بايبرز".

أظهرت الوثائق المسربة في التحقيق الاستقصائي الدولي الموسع والذي شاركت فيه العديد من وسائل الإعلام العالمية، منها "نيويورك تايمز" و"ذي غارديان" وهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، الطريقة التي ينتهجها أثرياء العالم، من بينهم سياسيون ومشاهير من كافة المجالات، لإخفاء أرباحهم المالية في حسابات مخبئة في "أقبية آمنة" موزعة في أنحاء العالم.

لا تشير جميع التسريبات إلى مخالفات ضريبية قانونية صريحة، رغم أنها تحرج أصحابها، ففي اليوم الأول من التسريبات كشف الوثائق عن شبهات تتعلق بإدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وعلاقات تجارية سرية مع الدائرة المقربة من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتن، كما أنها طاولت القصر الملكي البريطاني.

وتشير الوثائق التي جاءت من مكتب المحاماة الدولي "آبل باي" خصوصا، إلى أن وزير التجارة الأميركي وليبور روس، أبقى على مساهماته في شركة للنقل البحري، على علاقة وثيقة مع ثري روسي فرضت عليه عقوبات أميركية، ومع صهر للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز".

تورط التاج الملكي

وأفادت وسائل إعلام بريطانية شاركت في التحقيق أن ملايين الجنيهات الإسترلينية العائدة للملكة إليزابيث الثانية، استُثمرت في جنّات ضريبية.

وقالت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، وصحيفة "ذي غارديان"، إن حوالي 10 ملايين جنيه إسترليني (11.3 مليون يورو) من أموال الملكة البريطانية، استُثمرت في "جزر كايمان" و"برمودا".

تحقيق الكونسورسيوم

وشاركت وسائل إعلام عالمية في تحقيق استقصائي قاده "الكونسورسيوم الدولي للصحافيين الاستقصائيين" (آي سي آي جي)، استنادا إلى 13.5 مليون وثيقة تم تسريبها، وبخاصة وثائق مكتب "آبل باي" ومقره في برمودا.

وأطلق الكونسورسيوم على هذا التحقيق الضخم الذي شاركت فيه 96 وسيلة إعلام حول العالم وتركّز على وسائل التهرّب الضريبي اسم "بارادايز بايبرز" (أوراق الجنة).

وتتيح هذه الاستثمارات التهرّب من الضريبة، وفي الوقت نفسه عدم مخالفة القانون. واستثمرت أموال الملكة في هذه الملاذات الضريبية من قبل "دوقية لانكاستر" وهي صندوق استثماري خاص مسؤول عن إدارة أموال الملكة وعائداتها.

وكشفت الوثائق المسربة أيضًا عن علاقات مالية مشبوهة لرجال أعمال موّلوا حملة رئيس الوزراء الكندي جاستين ترودو الانتخابية، بالإضافة لإلقاء الوثائق الضوء على نشاطات مشبوهة لـ120 مسؤولًا غربيًا ومن مختلف دول العالم.

وتطرقت الوثائق لعمليات تلاعبٍ محاسبية تقوم بها الشركات العملاقة مثل "شركة آبل" للتكنولوجيا لتنفيذ عمليات تهرّبٍ ضريبي.

ويرمي هذا التحقيق الاستقصائي إلى كشف القنوات التي يلجأ إليها الأثرياء والشركات المتعددة الجنسيات لتهريب أموالهم إلى دول لا ضرائب فيها، أو نسبة الضريبة فيها ضئيلة جدا، وهي ممارسة تستغل وجود ثغرات قانونية "دون أن تنتهك القانون".

وزير أميركي وإدارة ترامب

وبخصوص إدارة ترامب، كشفت الوثائق عن انخراط أكثر من 12 من مستشاريه ووزرائه وممولي حملته الانتخابية بعلاقات مشبوهة خارج البلاد.

وأوضحت الوثائق أن شركة شحن يملكها وزير التجارة بإدارة ترامب، ويلبر روس، سجلت دخلاً قيمته أكثر من 68 مليون دولار منذ عام 2014 من عقودٍ مع شركة طاقة روسية يملكها جزئيًا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

كما استخدم الوزير ويلبر روس شركته المسجلة في جزر كايمان والمسماة "نافيغاتور هولدينغز"، لإبرام عقود مع شركة الطاقة الروسية "سيبور"، التي تملكها الدولة جزئيًا.

ورجل المال المعروف ويلبور روس، خفض بعدما تسلم مهامه الوزارية في شباط/ فبراير، مساهمته الشخصية في شركة "نافيغيتور هولدينغ"، لكنه ما زال يمتلك 31% من أسهمها بواسطة شركات أوفشور.

وردا على هذه المعلومات، قالت وزارة التجارة الأميركية في بيان، إن "الوزير روس لم يشارك في قرار نافيغيتور القيام بأعمال مع سيبور" التي "لم تكن خاضعة لعقوبات يومها ولا هي كذلك اليوم".

وأضاف البيان أن روس "لم يلتق أبدا المساهمين في سيبور المذكورين" في التحقيق، مشددا على أن الوزير الأميركي يحترم المعايير الأخلاقية الحكومية المتبعة في الولايات المتحدة.

وما زالت التحقيقات حول احتمال تواطؤ روسي مع فريق الحملة الانتخابية لدونالد ترامب يسمم ولاية الرئيس الأميركي منذ بدايتها.

مقرب من ترودو

وبرونفمان، صديق جاستن ترودو، والذي كان مسؤولا عن جمع التبرعات خلال الحملة الانتخابية في 2015 لحساب الحزب الليبرالي الكندي، يمكن أن يسبب إرباكا لرئيس الوزراء الذي انتخب بناء على وعود بتقليص الفوارق الاجتماعية وتحقيق العدالة الضريبية.

والقنوات التي لجأ إليها هؤلاء الأثرياء والشركات المتعددة الجنسيات لنقل أموالهم إلى ملاذات ضريبية بحد ذاتها ليست غير قانونية. وهذه الطرق تستفيد من الثغرات التنظيمية ليتاح لهم دفع أقل قدر ممكن من الضرائب.

من جهتها، كشفت صحيفة "تورونتو ستار" في كندا أن الملياردير ستيفن برونفمان، الذي يرئس الشركة السابقة لإنتاج النبيذ والمشروبات الكحولية "سيغرام"، وظف مع راعيه ليو كولبر، ستين مليون دولار (52 مليون يورو) في شركة "أوف شور" في جززر كايمان.

مشاكل أخلاقية

رأى المسؤول السابق في مكتب الأخلاقيات في عهد الرئيس الأسبق، جورج بوش الابن، ريتشارد بيتر، أن قضية وزير التجارة الأميركي، يمكن أن تطرح مشكلة أخلاقية.

صهر بوتين

وذكرت صحيفة "لوموند" الفرنسية، التي شاركت في التحقيق، أن من أبرز زبائن "نافيغيتور هولدينغ" شركة "سيبور" الروسية للغاز والمنتجات البتروكيميائية، والتي بلغت قيمة تعاملاتها المالية مع شركة النقل البحري 23 مليون دولار في 2016.

ومن بين مالكي "سيبور" كيريل شامالوف، المتزوج من صغرى بنات الرئيس الروسي، وغينادي تيمتشينكو رجل الأعمال الثري المقرب من بوتين، والذي يخضع لعقوبات أميركية، منذ ضمت روسيا شبه جزيرة القرم.

فنزويلا

وبين الزبائن الآخرين لـ"نافيغيتور هولدينغ" مجموعة النفط الفنزويلية العملاقة التي فرضت عليها واشنطن عقوبات صيف 2016.

مصير الأموال

والأموال التي أودعت في هذه الملاذات الضريبية تستثمرها شركات عدة، بينها "بريتهاوس"، وهي متخصصة بتأجير العقارات مع خيار شراء أثاث ومعدات معلوماتية، ومتهمة باستغلال الفقر وحتى شبكة لبيع المشروبات الكحولية أشهرت إفلاسها.

ورد زعيم المعارضة العمالية جيريمي كوربن، على "تويتر" معتبرا أن "هناك قاعدة للاثرياء وقاعدة للاخرين عندما يتعلق الامر بدفع الضرائب".

والملاذ الضريبي هو مصطلح يطلق على المناطق التي تفرض بعض الضرائب أو لا تفرض أي ضرائب على الإطلاق، أو هي دول تتمتع أنظمتها المصرفية بقوانين صارمة لتحافظ على سرية حسابات عملائها الأجانب فتساعدهم على التهرب من دفع الضرائب في بلادهم الأصلية..

 

التعليقات