الاقتصاد الإيراني يعاني وانسحاب ترامب من الاتفاق يزيد معاناته

يواجه الرئيس الإيراني، حسن روحاني، وإدارته مشاكل جمة على الصعيد الاقتصادي، الداخلي والخارجي، ليست رهينة سياساته وحده، بل هي متراكمة منذ أسلافه وقسم منها بسبب العقوبات التي فرضت على بلاده لسنوات.

الاقتصاد الإيراني يعاني وانسحاب ترامب من الاتفاق يزيد معاناته

حسن روحاني (أ.ب)

يواجه الرئيس الإيراني، حسن روحاني، وإدارته مشاكل جمة على الصعيد الاقتصادي، الداخلي والخارجي، ليست رهينة سياساته وحده، بل هي متراكمة منذ أسلافه وقسم منها بسبب العقوبات التي فرضت على بلاده لسنوات.

وقبل عدة أشهر، خرج مئات الآلاف من الإيرانيين في مختلف المدن والبلدات للاحتجاج على الوضع الاقتصادي، وطالبا بتحسين السياسات الاقتصادية ووقف تمويل الحرب في سورية والمليشيات هناك على حساب المواطنين ودافعي الضرائب، لكن قوات الأمن أخمدت الاحتجاجات بالقوة واعتقلت العشرات.

وفي وقت يرجح أن يتسبب إعادة فرض العقوبات المرتبطة بملف طهران النووي بأذى كبير للاقتصاد الإيراني، فإن حالة اللايقين التي خلفتها نوايا الولايات المتحدة والمشاكل الداخلية المتعددة تسببت بأضرار أكبر حتى الآن.

واعتبر توقيت معرض النفط الدولي السنوي في طهران هذا الأسبوع مربكًا، إذ تم افتتاحه قبل يومين فقط من تاريخ اتخاذ الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قراره بشأن إن كان سينسحب من الاتفاق النووي المبرم عام 2015 وهو ما يعني إعادة فرض العقوبات على إيران.

وقال مستشار أوروبي حضر المعرض، الإثنين "كانت الأجواء قاتمة (...) كان هناك عدد قليل من الأجانب ومنصات العرض صغيرة. إنه أمر محبط".

وأقر المنظمون بأن عدد الضيوف الأجانب انخفض بالثلث مقارنة بالعام الماضي، بحسب ما ذكرت صحيفة "همشهري".

وكانت الصفقة الوحيدة المهمة في مجال النفط التي أبرمتها إيران منذ الاتفاق النووي صفقة للتنقيب بقيمة خمسة مليارات دولار مع شركتي "توتال" الفرنسية و"سي إن بي سي" الصينية العام الماضي. لكن مصير الصفقة بات على المحك حيث يترقب المسؤولون التنفيذيون ما سيعلنه ترامب بشأن الاتفاق النووي.

ولا تزال المصارف الأجنبية تخشى أي تعامل مالي حتى ولو كان ارتباطه بإيران عرضيا رغم أن حكوماتها شجعتها على تسهيل التجارة والاستثمار.

وقال رجل الأعمال الفرنسي، أماوري دو لا سير، لدى افتتاحه فرعا لمطعمه الفخم "سوشي شوب" في طهران، الصيف الماضي "ذهبنا إلى وزارة الاقتصاد الفرنسية وأعطونا لائحة بجميع البنوك التي قد توافق على العمل مع إيران. لكن لدى اتصالنا بهم، رد كل مصرف منهم سلبا".

توقف الاستثمارات

عقب التوقيع على الاتفاق النووي، تلقت إيران وعودا كثيرة بدخول الشركات الأجنبية على خط الاستثمار، لكن العديد منها امتنعت عن نقل أموالها فعليا إلى البلاد وفضلت التريث لمعرفة إن كان سيتم فرض العقوبات الأميركية مجددا.

وبحسب البنك الدولي، بلغت قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة في إيران 3,4 مليارات دولار في 2016، وهو أقل بكثير من مبلغ 50 مليار دولار الذي حدده الرئيس الإيراني، حسن روحاني، كهدف في العام الأول منذ إبرام الاتفاق.

وقال المحامي الدولي، أردوان أمیر-أصلاني، الذي كتب عدة مؤلفات عن المنطقة ويملك مكتبا في طهران إن الاتفاق النووي شكل "خيبة أمل حقيقية".

وأضاف "بإمكانهم بيع النفط، حسنا، يكفي ذلك لدفع رواتب الموظفين والمحافظة على البنية التحتية لكنه لم يجذب حتى جزءا من الاستثمارات التي تحتاج اليها البلاد".

وأوضح أن "أعمالنا التجارية باتت هزيلة. وتوقفت جميع الاستثمارات الأجنبية. تم تجميد حتى الكميات الضئيلة التي وعدنا بها".

من جهتهم، يتهافت الإيرانيون للقفز من "المركب الغارق". إذ ذكرت إحدى العائلات الثرية أنها نقلت كامل ثروتها من البلاد هذا الأسبوع قبيل قرار ترامب بعدما خسرت الملايين حتى الآن بسبب تراجع الريال الذي فقد ثلث قيمته أو أكثر مقابل الدولار هذا العام.

ويصعب التحقق من الأرقام لكن محللين ومسؤولين أفادوا أنه تم إخراج بين 10 إلى 30 مليار دولار من البلاد خلال الأشهر الأخيرة.

مشاكل داخلية

ويعتبر مسؤولون إيرانيون ذلك انتهاكا سافرا للبند 29 من الاتفاق النووي الذي يلزم الولايات المتحدة ضمان "تطبيع العلاقات التجارية والاقتصادية مع إيران".

لكن واشنطن تصر على أنها لم تتعهد قط برفع العقوبات غير النووية المرتبطة بمسائل كحقوق الإنسان وبرنامج طهران الصاروخي، اللذان كانا يعرقلان قطاع التجارة حتى قبل وصول ترامب إلى السلطة.

ولا يبدو أن للرئيس الأميركي علاقة بالكثير من المشاكل التي تعاني منها إيران. فالقطاع الخاص يعاني من غياب الاستثمارات فيما النظام المصرفي مشلول بفعل القروض السيئة بينما مستويات البطالة القياسية تعني أن ثلث الشباب البالغة أعمارهم أقل من ثلاثين عاما لا يعملون.

وحاول روحاني تعزيز الشفافية والاستثمار، لكن التظاهرات التي خرجت في كانون الأول/ ديسمبر وكانون الثاني/ يناير كشفت عمق الغضب تجاه التقدم المحدود الذي حققه.

وكتب أستاذ الاقتصاد في جامعة فرجينيا التقنية المتخصص بالاقتصاد الإيراني في مقال لـ"بروجيكت سنديكايت" أن "معظم اللوم لأداء إيران الباهت يوجه إلى فريق روحاني الاقتصادي الذي ثبت أنه لا يجاري المشكلات الاقتصادية المتنامية".

وقال إن جهود روحاني لقيادة إيران نحو اقتصاد موائم أكثر للسوق وقادر على التفاعل مع العالم باتت تواجه خطر "التوقف تماما" ليحل محلها "اقتصاد المقاومة" الخاضع لسيطرة شديدة والمركز على الداخل الذي يفضله خصومه في التيار المحافظ.

وأشار أمير-أصلاني إلى أن "المحافظين لا يرغبون بالتفاوض على مسألة الصواريخ أو الإقرار بانخراطهم في دول أخرى في الشرق الأوسط. حتى لو بقي ترامب (في الاتفاق)، ستكون هناك أربعة شهور إضافية من المفاوضات مع الأوروبيين التي لن تقود إلى شيء".

وأضاف "التضخم يزداد وتأمين فرص العمل يتراجع. وفي نهاية المطاف، إنها كارثة اقتصادية".

التعليقات