انتخابات البرازيل: عودةُ الاستبداد؟

بخلاف منافسيه، الذين حازوا على حصة أكبر من الترويج الدعائي على التلفزيون الرسمي وقنوات أخرى، أجرى بولسونارو حملة متواضعة وغير مكلفة مدعومة بشكل رئيسي بوسائل الإعلام الاجتماعية...

انتخابات البرازيل: عودةُ الاستبداد؟

مُؤيّدو بولسونارو (أ ب)

أشارت نتائج جولة الانتخابات الرئاسية الأخيرة في البرازيل، إلى أن العسكريَّ السابق، مرشح اليمين المتطرف، جايير بولسونارو، هو أقوى رجل في البلاد، حيث كسر نهجا سياسيا استمر لعقود طويلة.

ولخص الصحافيان البرازيليان، إرنيستو لندونو ومانويلا أندروني، الحالة السياسية للبلاد في تقريرهما المنشور في صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، حيث وصفا تصدُّر بولسونارو للانتخابات، بأنه أكبر تحوُّل سياسي في البرازيل، منذ بدأ النظام الانتخابي والتحول الديمقراطي عام 1985.

عند صناديق الاقتراع ( أ ب) 

وأكد المحاضر في العلوم السياسية في جامعة ساو باولو، تارفيز دي ألميدا، هذا الادعاء، إذ قال: "ما نراه اليوم، هو انهيار نظامنا الحالي".

وكاد بولسونارو، الضابط العسكري السابق، أن يفوز في الانتخابات الرئاسية لولا الخلل الذي حدث في ماكينات التصويت الإلكترونية، حيث حصل على 46 في المئة من الأصوات.

من الاحتفالات بعد ظهور النتائج (أ ب) 

وعزا تقرير "نيويورك تايمز" هذا النجاح الباهر، إلى الوعود التي قدمها بولسونارو للمواطنين، وأهمها محاربة العنف والجريمة، والأوضاع الاقتصادية المتردية، والطبقة السياسية التي ينظر إليها الناس على أنها فاسدة.

ووعد بولسونارو ناخبيه، بالقضاء على العنف عن طريق سلسلة من التشريعات القاسية، مثل استسهال قتل المُشتبه بهم، أي أنه سيمنح صلاحيات أوسع لرجال الشرطة، خصوصا بما يتعلق بإطلاق النار بهدف القتل، بالإضافة إلى زيادة سنوات السجن لفترات أطول بكثير.

من إحدى العمليات ضد مجرمين في ريو دي جانيرو (أ ب) 

وتأتي هذه الوعود في بلد يُعاني من نسبة إجرام مرتفعة جدا، حيث قُتل العام الماضي فقط، نحو 64 ألف شخص في جرائم العنف، أي أكثر من 175 جريمة في اليوم الواحد.

وقال المستشار السياسي، ثياغو أراغاو، للمراسلين، إن الناس يتعاملون من بولسونارو كـ"ملاذ أخير" للسيطرة على العنف المتفشي في البرازيل.

ولفت تقرير الصحيفة إلى أن كم الأصوات الهائل الذي حصل عليه بولسونارو، يؤكد أن البرازيليين يرسلون رسالة واضحة، تُفيد بأنهم يريدون تغيير المسار السياسي بشكل جذري، حتّى لو عنى ذلك اتباع إجراءات استبدادية.

واعتبر التقرير أن هذا يعني ارتدادا مروّعا في المشهد السياسي للبرازيل، فعندما تخلصت البلاد من النظام العسكري، خرج الناس للاحتفال بانتهاء نظامٍ قتل وأخفى نحو 434 شخصا، وعذب آلاف الناس.

وادعى الصحافيان، أن سلسلة الأحداث التي أثبتت حالة التردي السياسي في البلاد، وخصوصا تهم الفساد التي طالت كثيرا من المسؤولين في الحكومة، وأطاحت بحزب العمال البرازيلي أيضا عام 2016، أدت إلى تبني شريحة من البرازيليين الكبار في السن، قناعةً تُفيد بأن السلطة العسكرية الغابرة أفضل من الوضع القائم.

بولسونارو في احتفال عسكري في نيسان/ أبريل الماضي (أ ب)

ويتَّسق ذلك مع تصريحات بولسونارو، الذي اعترف أنه ينوي تعيين عسكريين في حكومته، الأمر الذي اعتبره الصحفيان مستهجنا، خصوصا لدولة فُصل فيها الجيش عن السياسة لأكثر من 30 عاما.

وأشار استطلاع للرأي، في العام الماضي، أن 13 في المئة من البرازيليين قالوا إنهم راضون عن الديمقراطية.

ورأى باحثون في العلوم السياسية، أن ظاهرة بولسونارو والطريقة التي أدار بها حملته الانتخابية، قد تُغيّر النظام الانتخابي بالكامل في البرازيل، فبالإضافة إلى كونه جديدا على الساحة السياسية ولم يمر سوى عام واحد على دخوله للحزب الاجتماعي الليبرالي، فقد اعتمد بالأساس على وسائل التواصل الاجتماعي.

وبخلاف منافسيه، الذين حازوا على حصة أكبر من الترويج الدعائي على التلفزيون الرسمي وقنوات أخرى، أجرى بولسونارو حملة متواضعة وغير مكلفة مدعومة بشكل رئيسي بوسائل الإعلام الاجتماعية، وأنشأ مؤيدوه، مئات المجموعات للدردشات الجماعية على تطبيق المراسلة الشهير "واتساب"، المُستخدم من قبل الغالبية العظمى من البرازيليين. وركزت رسائلهم على تبادل المعلومات حول الحملة الانتخابية، ونشر النكات ونظريات المؤامرة.

وقال الباحث في العلوم الاجتماعية من جامعة ريو دي جانيرو، فيكتور بيايا، إن "هذا النوع من التواصل، أقل فوقية (يلائم العامة)، فالجميع قيّم على المحتوى الخاص به، مما يجعل المعلومات المنشورة (من خلال واتساب) أكثر جاذبية".

وقارن بيايا حملة بولسونارو الانتخابية، بأنداده التقليديين الذين صرفوا أموالا كثيرة على توزيع المنشورات والدعايات والظهور الإعلامي التلفزيوني.

وشدد تقرير "نيويورك تايمز" على أن الفساد شكل جزءا كبيرا من أسباب صعود نجم بولسونارو، وأظهر بعض التفاصيل عن الخسارة الفادحة التي تلقاها نواب متهمين باستغلال الأموال العامة خلال الانتخابات الأخيرة.

وكان هذا نتيجة تأكيد بولسونارو المستمر، على أنه لن يتهاون مع الفساد كما العنف، أي أنه سوف يرفع من سنوات السجن أيضا لهذه الجرائم.

واختتم الصحافيان تقريرهما بتصريحات الباحثة النفسية، كارولينا سيريمون دا سيلفا، التي قالت إن "بولسونارو شرعن العنف والاستبداد (...) وصوت له الناس لأنهم خائفون، وهم أشخاص يريدون القبضة الحديدة للنظام الاستبدادي، دون أن يعوا عواقب ذلك على المجتمع".

 

التعليقات