"دبلوماسية تويتر": حين يشطح السياسيون عن مسار التعاملات الدولية

يُطلق مصطلح "تويبلوماس" (Twiplomacy)، على السياسة عبر موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، حيث انتشر هذا المفهوم اعتبارا من عام 2016، إثر استخدام الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، على وجه الخصوص لموقع تويتر بشكل يتنافى مع التعاملات السياسية المعهودة،

(سي إن إن)

يُطلق مصطلح "تويبلوماس" (Twiplomacy)، على السياسة عبر موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، حيث انتشر هذا المفهوم اعتبارا من عام 2016، إثر استخدام الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، على وجه الخصوص لموقع تويتر بشكل يتنافى مع التعاملات السياسية المعهودة، من خلال تغريداته الساذجة والقاسية، التي استخدمها على الدوام في انتقاد وتهديد الدول الأخرى.

ويساهم تويتر في تسريع تغيير النظام العالمي، من خلال كونه ساحة يتواجه فيها الحلفاء والأعداء بأساليب متشابهة عبر تغريدات "تيبلوماسية"، ومن هنا تأتي الحاجة لتناول أسباب ونتائج التحول من مضمار السياسة الطبيعية إلى السياسة عبر تويتر.

وتعرضت الدبلوماسية عبر التاريخ للتغيير لسببين رئيسين، هما التطورات التكنولوجية، والتغيرات في النظام الدولي، حيث بدأ تبادل الرسائل الرسمية والعلاقات بين الأنظمة المستقلة منذ ظهور التجمعات السياسية الأولى.

يعود أصل كلمة الدبلوماسية إلى الحضارة اليونانية القديمة، إذ كانت عبارة عن شهادات، تمنح حاملها امتيازات وقت السفر، ومن ثم أصبحت في زمن الإمبراطورية الرومانية بمثابة جوازات سفر معدنية "دبلوما"، ومن ثم أصبحت تُطلق على الأوراق القيّمة التي يستخدمها السفراء أثناء أعمالهم، ولاحقا ومنذ أواخر القرن الثامن عشر، بدأ باستخدام كلمة الدبلوماسية بمعناها الحالي.

ومع التقدم التكنولوجي في القرن العشرين، تغيرت هذه المعادلة، حيث أصبح قادة الدول يلتقون مباشرة مع بعضهم البعض بشكل أكبر، ما زاد من أهمية الدبلوماسية اعتبارا من ذلك الوقت.

فمثلا في الولايات المتحدة، تلعب البيروقراطية في البيت الأبيض، ومؤسسات مثل وزارة الخارجية، ووزارة الدفاع دورا أساسيا في تحديد تصريحات رئيس الولايات المتحدة بخصوص السياسة الخارجية وكلماته الموجهة للرأي العام.

لكن فيما يخص تصريحات الرئيس ترامب، أدت عوامل مثل التطورات التكنولوجية، وتوترات السياسة الداخلية في الولايات المتحدة، والتحول الإيديولوجي تجاه السياسة الخارجية، إلى تعطيل الطرق الدبلوماسية المعهودة.

فحسب التعاملات التقليدية، تخضع الرسائل الدبلوماسية لتغييرات في المحتوى والأسلوب ضمن إطار 3 نماذج للتواصل، أولها، اللقاءات المغلقة للرؤساء والقادة، حيث تلعب سرية المباحثات في سهولة التوصل إلى نتائج إيجابية.

طريقة التواصل الثانية، هي التصريحات التي يدلي بها الرؤساء خلال زيارتهم الدول الأخرى بهدف التأثير على الرأي العام المحلي، وثالثا، إطار يركز على التأكيد على النجاحات في السياسة الخارجية، والتغاضي عن ذكر حالات الفشل.

وتتمتع الإطارات الثلاث بإمكانية تحديد الكتلة الرئيسية المخاطبة، وإمكانية تفسير طبيعة وهدف الرسالة الموجهة بالنسبة للكتل الأخرى، فعلى سبيل المثال، لو استخدم أحد الرؤساء خلال جولته الانتخابية تصريحات مبالغ فيها تجاه دولة ما بخصوص الخلافات فيما بينهما، فهذا معناه رسالة للناخبين مفادها بأنه سيتم اتباع سياسة أكثر قسوة تجاه ذلك البلد ما بعد الانتخابات.

إن تيبلوماسية ترامب من خلال الإمكانيات التي أتاحتها مواقع التواصل الاجتماعي، تجعل مئات الملايين من المستخدمين يجتمعون في منصة واحدة ضمن الإطارات الثلاث آنفة الذكر، حيث يتم بموجبها تحديد نوعية الرسالة، واستحقار وتهديد الدول والشعوب على تويتر، كما تؤدي خطابات التيبلوماسية إلى ارتفاع موجات الغضب والأحكام المسبقة.

إن امتداد التوترات من الولايات المتحدة إلى ما بعد منطقة المحيط الأطلسي، بموجب صراع العلاقات والمصالح، يزيد من وتيرة التيبلوماسية، حيث يعتبر صراع ترامب مع مجموعات ذات هويات مختلفة، مثل وسائل الإعلام الليبرالية والعالمية، ورؤوس الأموال، والبيروقراطيين، أحد أهم الأسباب التي جعلت تويتر منصة لخوض صراعاته بشكل يومي.

حيث دفعت تيبلوماسية ترامب بكل من البيروقراطية والإعلام إلى المقام الثاني في اتخاذ القرارات، إذ يعتبر هذا التصرف جزءا من إستراتيجية ترامب في مواجهة معارضيه.

وفي هذه المعادلة، يحتل التوجه الإيديولوجي الجديد في السياسة الخارجية مكانة هامة جدا، لكن عندما يتم الحديث عن خيارات السياسة المجردة، نلاحظ بأنها تتحول إلى الخيارات الواقعية لمبدأ "أميركا أولا"، فعلى سبيل المثال، يتم تناسي هذا المبدأ عندما تكون المطالب الإسرائيلية مجحفة ومضرة بمصالح الولايات المتحدة على المديين المتوسط والطويل.

ويمكن تعريف المصالح القومية الأميركية، بأنها ذات منظور ضيق وقصير الأمد لدى مقارنتها برؤى الحكومات المهيمنة ما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث تسعى التيبلوماسية لتحقيق منافع مادية نسبية صغيرة يمكن تحقيقها بسرعة، دون الاكتراث بالنتائج بعيدة المدى.

لكن لا يعني هذا الأمر بأن التيبلوماسية بعيدة عن قراءة دولية عامة، حيث تمتلك التيبلوماسية روحا لا تعترض إنفاق المصادر في المجالات التي لا تهم المصالح المجردة للسياسية الخارجية الأميركية بشكل ملموس.

واستهدفت تيبلوماسية ترامب، فرنسا، مؤخرا، بسبب دعوتها لإنشاء جيش أوروبي موحد، لكنها قوبلت من قِبل ماكرون وميركل بالدعوة إلى "أوروبا أكثر قوة وسيادة".

فالأنظمة المهيمنة، رغم أنها تبدو في المقام الثاني، إلا أنها يمكن أن تعمل من خلال الاعتماد على نيل رضا الحلفاء، ولذلك فإنها بحاجة إلى جهد دبلوماسي حقيقي، ومنطق الربح ولو بنسبة أقل. ويمكن اعتبار التيبلوماسية بأنها تخلي عن هذين الشرطين، كما أنها تفترش الحجارة على مسار التفكك في العالم الغربي. 

يعاني العالم الغربي اليوم أزمة وجودية، ويمكن للقادة والمسؤولين والأطراف المؤثرة في فيها الاتفاق على 4 عناصر بهدف مواصلة البقاء، وهي القيم المشتركة، والمصالح، والقواعد، والمؤسسات.

* محمد عاكف أوكور: رئيس قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة يلدز التقنية.

التعليقات