التواجد الأميركي في أفريقيا يزداد طرديا مع انتشار الـ"إرهاب"

شقت الولايات المتحدة طريقها في أفريقيا في بداية الأمر عبر تمويل مشاريع تعليمية وصحية وبنى تحتية في العديد من دول القارة، في تقدم بطيء نسبيا إلى أن باتت تتوضح معالمه في السنوات القليلة الماضية

التواجد الأميركي في أفريقيا يزداد طرديا مع انتشار الـ

(أرشيفية- أ ف ب)

شقت الولايات المتحدة طريقها في أفريقيا في بداية الأمر عبر تمويل مشاريع تعليمية وصحية وبنى تحتية في العديد من دول القارة، في تقدم بطيء نسبيا إلى أن باتت تتوضح معالمه في السنوات القليلة الماضية.

وعملت واشنطن على تضخيم سفاراتها في الدول المختلفة لتصبح أشبه بالقلاع، بعد أن كانت متواضعة الحجم في القرن الماضي، مما يُشير إلى تزايد قيمة وجودها في هذه الدول، لما يخدم مصالحها الاستعمارية التوسعية.

لم تُظهر الولايات المتحدة اهتماما كبيرا وواضحا بالقارة الأفريقية قبل القرن الـ21، إلا أنه مع بدايات هذا القرن وزيادة التنافس العالمي وبالأخص الصيني على توسيع النفوذ في القارة السمراء، اهتمت واشنطن بشكل أكبر بها.

جيبوتي الواقعة في القرن الإفريقي، تصدرت مشهد البلدان التي احتضنت الأنشطة العسكرية الأميركية في أفريقيا، واكتسبت أهمية ومكانة هامة ضمن صراع القوى العالمية لبناء قواعد لها في القارة.

وتستضيف جيبوتي في الوقت الحالي على أراضيها، قواعد للعديد من بلدان العالم مثل الصين، وإيطاليا، وفرنسا، وألمانيا وإسبانيا والسعودية، فضلا عن قاعدة عسكرية أميركية تضم بداخلها حوالي 5 آلاف جندي.

وتعد جيبوتي مسرحا للصراع والتنافس بين واشنطن وبكين بشكل خاص، الأمر الذي ينعكس سلبا عليها.

الوجود العسكري الأميركي

عند النظر إلى الخرائط الاستراتيجية التي رُسمت في الربع الأول من القرن الـ20، والتي تظهر توزع الجنود الأميركيين في القارة السمراء، نرى أن الوجود الأميركي يتركز بشكل خاص في البلدان المغاربية شمالي القارة، والدول الساحلية التي تكثر فيها قواعد واشنطن، بالإضافة إلى جنوب أفريقيا.

ومن أبرز البلدان الأفريقية التي تضم الوجود الأميركي العسكري على أراضيها هي جزيرة أسينشين (غربي أفريقيا في المحيط الأطلسي)، وبوركينو فاسو، بوروندي، بوتسوانا، الكاميرون، تشاد، جمهورية أفريقيا الوسطى، وجمهورية الكونغو الديمقراطية.

بالإضافة إلى إثيوبيا، الغابون، غانا، كينيا، ليبيريا، مالي، موريتانيا، النيجر، نيجيريا، الصومال، جنوب السودان، سيشل، السنغال، أوغندا، وتونس.

وعند النظر إلى مواقع هذه البلدان، يمكن التأكد من أن التوزع الأميركي في القارة هو نتاج عملية وتخطيط دقيق وطويل الأمد.

ولا يمكن مقارنة الوجود الأميركي في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي بالقارة السمراء، بما هو عليه الوضع الآن، لا سيما وأن القواعد الأميركية باتت منتشرة في مساحة كبيرة من القارة.

ويرى بعض الخبراء أن الوجود الأميركي في أفريقيا حاليا عبارة عن "إعادة هيكلة"، ما يعد أمرا خطيرا للغاية، نظرا لكونها استراتيجية تتضمن أهدافا خطيرة.

وتقول بعض الأبحاث إن الإدارة الأميركية دخلت في "حرب من نمط خاص" بالقارة السمراء، فيما كان الدبلوماسيون يصفون القارة في بدايات القرن الـ21، بأنها "حلبة حرب المستقبل".

وفي ظل تنافس القوى العالمية وعلى رأسها الولايات المتحدة والصين، لتوسيع نفوذها في القارة سواء على الصعيد العسكري أو المجالات الأخرى، فإنه من المحتمل بقوة أن يؤدي ذلك إلى تمزق القارة.

وبحسب مراقبين، فإن القواعد الأميركية وغيرها من قواعد البلدان الأخرى الموجودة على الأراضي الأفريقية، تزيد من احتمالية التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية لبلدان المنطقة ونشر الفوضى فيها.

وقد يكون خير مثال على ازدياد اهتمام الولايات المتحدة بالقارة، ونفوذها، هو تشكيل القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) عام 2007.

تأسيس "أفريكوم" لتحجيم القوى العالمية

وبعثت واشنطن من خلال تشكيل "أفريكوم"،  رسالة مفادها أن الولايات المتحدة لا زالت موجودة بالقارة، وهو ما أثبتته بالفعل على مدار السنوات الماضية.

وفي الوقت الذي تزعم "أفريكوم" أن هدفها من التواجد بالقارة السمراء، هو "تأمين" الاستقرار فيها و"مكافحة الإرهاب"، إلا أنها تقوم فيما وراء الكواليس بترسيخ المكانة السياسية والعسكرية الأميركية بالقارة، وموازنة بل وحتى تطويق القوى العالمية الأخرى ممن تتنافس على توسيع نفوذها في القارة.

ووصلت الولايات المتحدة إلى مكانة عسكرية عالية مقارنة بباقي الدول الأجنبية في القارة، والتي تتمثل في وجود 14 قاعدة رئيسية و20 معسكرا يتبع لـ"أفريكوم".

الوجود الأميركي مقابل الق

الإرهاب وشرعنة الوجود الأميركي مقابل القضاء على "الإرهاب"

تحت مسمى القضاء على التنظيمات الإرهابية ومكافحة "الإرهاب"، تمكنت الولايات المتحدة من إنشاء العديد من القواعد العسكرية في مختلف المناطق والبلدان العسكرية، كما فعلت في الصومال وجيبوتي وكينيا حيث دخلتها تحت ذريعة القضاء على تنظيم حركة "الشباب".

كما فعلت نفس الأمر في البلدان المغاربية تحت مسمى مكافحة تنظيمي "القاعدة" و"داعش"، وغيرها من البلدان الأفريقية المختلفة.

ولعبت هذه التنظيمات دورا بارزا في شرعنة تدخلات القوى العالمية وعلى رأسها الولايات المتحدة، في شؤون بلدان القارة.

ففي تسعينيات القرن الماضي، لم يكن هناك شيء اسمه "بوكو حرام" في نيجيريا، ولا حركة "الشباب" في الصومال، ولا "القاعدة" في البلدان المغاربية، إلا أنه مع بدايات القرن الـ21، برزت هذه المنظمات الإرهابية وباتت تكبر وتتوسع يوما بعد آخر.

والمثير للغرابة، هو أنه خلال العهود التي كان الاهتمام الأميركي فيها ضعيفا تجاه القارة الأفريقية، لم تكن هناك أية منظمة إرهابية من تلك الموجودة حاليا، لكن ومع بدء تزايد اهتمام واشنطن بالقارة السمراء، بدأت العديد من هذه المجموعات بالظهور والانتشار على أوسع نطاق.

 

التعليقات