انتخابات البرلمان الأوروبي: احتواء للشعبوية وتعزيز لأنصار البيئة

أظهرت النتائج الأولية غير الرسمية للانتخابات التي شهدتها 21 دولة في التكتل، تراجع أحزاب الوسط ويمين الوسط لصالح إلى حد كبير، أحزاب اليمين المتطرف والأحزاب المدافعة عن قضايا البيئة.

انتخابات البرلمان الأوروبي: احتواء للشعبوية وتعزيز لأنصار البيئة

احتواء تقدم المشككين في أوروبا (أ.ب)

منيت الأحزاب الكبيرة التي تهيمن عادة على البرلمان الأوروبي بخسائر كبرى خلال انتخابات، أمس الأحد، لكن تم في الوقت نفسه احتواء تقدم الشعبويين اليمينيين فيما سجل دعاة حماية البيئة والوسطيون الليبراليون تقدما واضحا.

وأظهرت النتائج الأولية غير الرسمية للانتخابات التي شهدتها 21 دولة في التكتل، تراجع أحزاب الوسط ويمين الوسط لصالح إلى حد كبير، أحزاب اليمين المتطرف والأحزاب المدافعة عن قضايا البيئة.

وسيعقد رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي، غدا الثلاثاء، قمة للبحث في التعيينات المقبلة بالبرلمان الأوروبي، الذي هو مؤسسة برلمانية تنتخب 751 نائبا بطريقة مباشرة، وتتبع الاتحاد الأوروبي، ويشكل البرلمان مع مجلس الاتحاد الأوروبي، السلطة التشريعية بالتكتل الذي يضم 28 دولة.  

وحسب تقديرات نشرت فجر اليوم الإثنين، في البرلمان الأوروبي، بقي الحزب الشعبي الأوروبي (يمين مؤيد لأوروبا) القوة الأولى في البرلمان، لكنه يشغل حاليا 179 مقعدا مقابل 216 قبل الانتخابات.

وينتظر ان ينشر تحديث جديد لتوقعات النتائج، اليوم الإثنين، فيما لا تزال الدول الأعضاء في الاتحاد تصدر نتائجها.

وطالب قادة هذه الكتلة معتمدين على فوزهم، بأن يترأس زعيمهم مانفريد فيبر المحافظ المثير للجدل، المفوضية الأوروبية.

ورفض الاشتراكيون الديموقراطيون القوة الثانية في البرلمان بعد الانتخابات (150 مقعدا مقابل 185 في الدورة السابقة)، هذا الطلب مما ينذر بمفاوضات طويلة وشاقة في السباق الذي بدأ على المناصب الأساسية في المؤسسات الأوروبية.

وبقي الحزب الشعبي الأوروبي والاشتراكيون الديموقراطيون القوتين الرئيسيتين في البرلمان، لكنهما فقدتا قدرتهما على تشكيل أغلبية بمفردهما من أجل تمرير نصوص تشريعية.

وبات يتحتم عليهما مشاورة دعاة حماية البيئة الذين ارتفع عدد مقاعدهم من 52 إلى سبعين، بفضل النتائج الجيدة التي سجلوها في فرنسا وألمانيا، والليبراليين بما فيهم حزب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذين حصلوا على 107 مقاعد مقابل 69 في البرلمان السابق.

وخسر ماكرون أحد القادة الأكثر تمسكا بتعميق البناء الأوروبي، هذه الانتخابات أمام حزب التجمع الوطني اليميني القومي الذي تقوده مارين لوبن في نتيجة يمكن أن تؤثر على تطلعاته للقارة العجوز.

وبحسب النتائج النهائية التي أصدرتها وزارة الداخلية الفرنسية، اليوم الإثنين، فان قائمة التجمع الوطني، الحزب اليميني المتطرف بزعامة مارين لوبن، تصدرت نتائج الانتخابات الأوروبية في فرنسا متقدمة 0,9 نقطة على قائمة "النهضة" المدعومة من الرئيس ماكرون بحصولها على 23,31% مقابل 22,41%.

ودعا التجمع الوطني على الفور إلى "تشكيل مجموعة قوية" في البرلمان الأوروبي تضم المشككين في جدوى الوحدة الأوروبية، وهم قوى غير متجانسة لم تنجح في الاتحاد في الماضي.

تأمل لوبن مع حزب الرابطة بقيادة ماتيو سالفيني، الذي تصدر، كما كان متوقعا، النتائج في إيطاليا بحصوله على حوالي ثلاثين بالمئة من الأصوات، تشكيل تحالف يضم الأحزاب القومية والمشككة في أوروبا والشعبوية. وتشير التوقعات إلى أن كتلتهم ستشغل 58 مقعدا مقابل 37 في البرلمان الحالي.

لكن من الصعب التكهن اليوم بتقارب مع المجموعة الشعبوية التي تضم حركة خمس نجوم الإيطالية ويتوقع أن ينضم إليها حزب بريكست المعادي لأوروبا الذي فاز بـ31,8 بالمئة من الأصوات في بريطانيا، بسبب الخلافات العميقة بين المجموعتين.

وحتى إذا أضيفت نتائج الكتلتين إلى المقاعد الـ58 التي حصدتها مجموعة "الأوروبيين المحافظين والإصلاحيين" (تضم في صفوفها حزب المحافظين البريطاني والحزب الحاكم في بولندا الفائزين في الانتخابات الأوروبية)، وكذلك اليمين القومي والمشككين في أوروبا... فلن تشغل أكثر من 172 مقعدا وهو رقم بعيد عن الأغلبية المحددة في البرلمان بـ376 مقعدا.

وتراجع عدد مقاعد اليسار المتطرف من 52 إلى 38 مقعدا.

وقال المحلل السياسي في مؤسسة روبرت شومان، ايريك موريس، لوكالة فرانس برس إن "موجة الأحزاب القومية والمشككة في أوروبا تم احتواؤها، إذا استثنينا التجمع الوطني والرابطة". وأضاف "إذا لم يتحرك (الزعيم الشعبوي المجري أوربان)، لا أرى كيف يمكن أن تتغير خطوط المجموعات الحالية".

وحزب رئيس الوزراء المجري الذي حقق فوزا كبيرا في بلده، علقت عضويته في المجموعة الشعبية الأوروبية بسبب خلافاته مع المفوضية الأوروبية.

وفي النمسا، حل حزب رئيس الحكومة سيباستيان كورتز في الطليعة متقدما على الاشتراكيين الديموقراطيين وحزب حرية النمسا اليمين القومي، حسب التقديرات.

وفي إسبانيا، كان رئيس الحكومة، بيدرو سانشيز، الاشتراكي الوحيد الذي خرج منتصرا في الاقتراع في بلد كبير.

وشهدت هذه الانتخابات الأوروبية أيضا، تقدم المدافعين عن البيئة الذين يأملون في أن يصبحوا محورا لا يمكن تجاوزه في مشهد سياسي لم يكن يوما على هذه الدرجة من التشتت.

وقد وصلوا في فرنسا إلى المرتبة الثالثة وحصلوا على 12 بالمئة من الأصوات، وهو ما لم يكن متوقعا.

والأمر نفسه حدث في ألمانيا الذين حلوا في المرتبة الثانية في استطلاعات الرأي بعد معسكر ميركل اليميني الذي سجل أدنى نتيجة في تاريخه.

ومع أن نسبة المشاركة في الانتخابات الأوروبية تبقى أقل مما هي عليه في عمليات التصويت الوطنية، لكنها بلغت هذه المرة 50,5 بالمئة وهي الأعلى منذ عشرين عاما حسب البرلمان الأوروبي.

ودعي 427 مليون ناخب أوروبي إلى التصويت لانتخاب 751 نائبا في البرلمان الأوروبي لولاية مدتها خمس سنوات، يلعبون خلالها دورا حاسما في صياغة القوانين الأوروبية. وتشهد انتخابات هذه المؤسسة الأوروبية التي لم تكف عن تعزيز صلاحياتها مشاركة ضعيفة عادة بلغت 42,6 بالمئة في 2014.

وإعادة تشكل المشهد السياسي هذه ستكون حاسمة للسباق إلى المناصب الأساسية في المؤسسات الأوروبية، وخصوصا رئاسة المفوضية خلفا ليونكر من الحزب الشعبي الأوروبي.

وذكر المتحدث باسم البرلمان الأوروبي، خاومي دوش، أنه "لا أحد يمكنه أن يصبح رئيس المفوضية بدون أن يحصل على دعم 376 من أصل 751 نائبا أوروبيا".

 

التعليقات