سجون البرازيل: مراكز تجنيد للإجرام المنظم

أثار مقتل 58 سجينا في أحد سجون البرازيل، مساء الإثنين الماضي، في معركة بين أفراد عصابات، ضجّة واسعة بالبرازيل، بسبب قُبح الجريمة، خصوصا بعدما عثرت أجهزة الأمن على 16 جثّة مقطوعة الرأس بعد سيطرتها على المواجهات

سجون البرازيل: مراكز تجنيد للإجرام المنظم

(أ ب)

أثار مقتل 58 سجينا في أحد سجون البرازيل، مساء الإثنين الماضي، في معركة بين أفراد عصابات، ضجّة واسعة بالبرازيل، بسبب قُبح الجريمة، خصوصا بعدما عثرت أجهزة الأمن على 16 جثّة مقطوعة الرأس بعد سيطرتها على المواجهات.

وقالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، إن المواجهة بين العصابات المتنافسة في السجن الذي يقع في مدينة ألتاميرا بولاية بارا، تُعد أكثر الأعمال العنف دموية تنشب داخل السجون منذ ثلاثة عقود، على الأقل.

لكن الصحيفة أشارت إلى أن المواجهة لم تُفاجئ الخبراء الذين راقبوا ارتفاع أعداد المساجين في البلاد، بينما تبسط العصابات سيطرتها بشكل هائل على السجون.

أهالي السجناء يستفسرون عن صحة أبنائهم بعد
المواجهات التي أدت إلى مقتل 58 شخصا داخل سجن ألتامير (أ ب)

وقالت آنا إيزابيل سانتوس، من الدفاع العام في بارا: "مأساة ألتاميرا كانت مرتقبة. فلقد كان سجنا مكتظا لم يُطور منذ عقد، بينما سُجنت فيه عصابتين متناحرتين جنبا إلى جنب".

ويبلغ تعداد السجناء في البرازيل، أكثر من 811 ألف شخص، وهو عدد نما بشكل هائل خلال العقد الماضي، مثقلا بالإصلاحات الفدرالية والمحلية.

وأوضحت الصحيفة أنه منذ العام 2017، أصبحت السجون البرازيلية تعمل بأكثر من طاقتها، وفي المتوسط​​، كانت المساحة المصممة لاحتجاز 10 سجناء تحتجز 17 سجينا، وفقًا لبيانات وزارة العدل.

وفي ولاية بارا تحديدا، شهد عدد السجناء ارتفاعا حادا، خلال الأعوام الماضية، بلغ أوجه عام 2018، مع نحو 17 ألف سجين محتجزين في سجون تستطيع استيعاب ثمانية آلاف شخص فقط.

وتحولت السجون في البرازيل إلى مراكز تجنيد وتشغيل لعصابات المخدرات التي تتحكم بطرق نقل الكوكايين من كولومبيا، وبيرو، وبوليفيا المجاورات للبرازيل.

وتُعد البرازيل إحدى أكبر أسواق الكوكايين في العالم، ومحطة مهمة لنقل شحنات المخدرات لأوروبا وأفريقيا.

من أقارب الضحايا الذين تجمعوا أمام مكتب قاضي التحقيق الجنائي يوم الثلاثاء للتعرف على جثث أقاربهم الذين قُتلوا في المواجهات. (أ ب)

ونشأت أكبر عصابتين للاتجار بالمخدرات في البرازيل، وهما "القيادة الحمراء: و"قيادة العاصمة الأولى"، خلف القضبان، منذ عشرات السنوات، وتمتلكان قواعد إجرامية واسعة في ريو دي جانيرو، وساو باولو. واكتسبتا مع مرور الوقت قوّة هائلة حولتهما إلى عملاقي إجرام، تنتشر فروعهما على المستوى الإقليمي والعالمي.

ولمواجهة هذه الظاهرة، قررت السلطات البرازيلية حبس أكبر عدد من أعضائهما، وهو ما يدعي الخبراء أنه تسبب بتفاقم العنف، لأن الحكومات المتعاقبة انتهجت سياسة السجن الجماعي، أي اعتقال الأشخاص وسجنهم بجنح "خفيفة"، من أجل "تنظيف" الشوارع من الإجرام، وهو ما حول هؤلاء إلى الإجرام المنظم.

وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو المختص بتجارة المخدرات في أميركا اللاتينية، بنيامين ليسينغ، لـ"نيويورك تايمز"، إن "الحبس الجماعي يُضخم صفوف العصابات عبر ملء السجون بمجندين محتملين جدد (أي سجناء)، يجدون أنفسهم في سجون مكتظة وخطيرة، وفي حاجة للحماية".

من أقارب الضحايا الذين تجمعوا أمام مكتب قاضي التحقيق الجنائي يوم الثلاثاء للتعرف على جثث أقاربهم الذين قُتلوا في المواجهات. (أ ب)

وأشار إلى أن مسؤولي السجون في البرازيل غالبًا ما تضارب آرائهم بشأن فصل السجناء وفقًا لانتمائهم للعصابات. فهذه الممارسة، التي أصبحت روتينية في معظم أنحاء البلاد، تقوي في كثير من الأحيان العصابات ويمكن أن تؤدي إلى تفاقم الاكتظاظ في بعض المناطق المحسوبة على عصابات معينة.

وقالت سانتوس إن هذه الممارسة لا تقتصر على قرار آمر السجن فقط، بل أصبحت أمرا إجرائيا في المحاكم أيضا، فعندما "يدخل السجين إلى جلسة استماع، يسأل القاضي عن العصابة التي ينتمي إليها النزيل من أجل معرفة مكان إرساله. وأولئك الذين لا ينتمون إلى عصابة سينتهي بهم المطاف بالانتساب بناءً على ما يقرره القاضي".

وبدأ صدام يوم الإثنين بعدما أقدم أعضاء في "كوماندو كلاس إيه"، وهو فرع محلي تابع لـ"قيادة العاصمة الأولى"، النار في زنزانة لأعضاء "القيادة الحمراء"، وفقًا لمسؤولين. واحتُجز حارسان كرهائن خلال جزء من المواجهة، لكن تم إطلاق سراحهما سالمين.

وقالت رونيفيا تيكسيرا بونتس، وهي مدرس في ألتاميرا، كان شقيقها من بين القتلى، إن السجانين كان بإمكانهم وقف إراقة الدماء، مؤكدة أن "الجميع علم أن هذا الأمر سيحدث. فيذهب السجناء إلى السجن مسلحين بسكاكين كبيرة وصغيرة".

ردا على المجزرة، قالت الحكومة الفيدرالية إنها ستنقل قادة العصابتين المتورطتين في الصدام إلى منشآت "أكثر أمنا".

أما الرئيس اليمين المتطرف، جائير بولسونارو، الذي أوضح مرارا موقفه المعادي لأحياء الفقر وسكانها، الذي أيد سياسات صارمة ضد الجريمة، اكتفى بالتعليق على الواقعة أمس الثلاثاء، بقول "اسأل ضحايا الذين قتلوا هناك عن رأيهم" بما حدث، في استهتار واضح بحياة شرائح واسعة من البرازيليين الذين تدفعهم حياتهم البائسة إلى الجريمة.

 


 

 

التعليقات