اشتباكات في بيروت: رفض لعودة الحريري ولحكومة "تكنو سياسية"

تجمع آلاف من المتظاهرين مجددًا، مساء اليوم، الأحد، في وسط بيروت، وعاد العنف إلى العاصمة اللبنانية، غداة مواجهات أوقعت عشرات الجرحى وتُعدّ الأعنف مع قوات الأمن منذ انطلاق احتجاجات غير مسبوقة ضد السلطة السياسية قبل شهرين،

اشتباكات في بيروت: رفض لعودة الحريري ولحكومة

(أ ب)

تجمع آلاف من المتظاهرين مجددًا، مساء اليوم، الأحد، في وسط بيروت، وعاد "العنف" إلى العاصمة اللبنانية، غداة مواجهات أوقعت عشرات الجرحى وتُعدّ الأعنف مع قوات الأمن منذ انطلاق احتجاجات غير مسبوقة ضد السلطة السياسية قبل شهرين، في تحرك يأتي عشية استشارات لتكليف رئيس للحكومة المقبلة.

واندلعت اشتباكات في مناطق متفرقة في العاصمة اللبنانية بين قوى الأمن والمتظاهرين، وأفادت مصادر صحافية بأن عناصر من قوى الأمن الداخلي تعمل على إبعاد المتظاهرين في شارع المعرض، المؤدي إلى مقر مجلس النواب.

وأضافت المصادر أن متظاهرين رشقوا القوى الأمنية بالحجارة، فأطلقت الأخيرة قنابل غاز مسيلة للدموع، وأصيب مصور تابع لإحدى وكالات الأنباء بجروح طفيفة في وجهه، أثناء تغطيته للمواجهات المستمرة، فيما ووصلت سيارات تابعة للصليب الأحمر والدفاع المدني إلى وسط بيروت، للتعامل مع حالات اختناق.

وفي ساحة الشهداء وسط بيروت، ردّد متظاهرون هتافات رافضة لعودة الحريري إلى رئاسة الحكومة بينها "مش راجع، مش راجع، سعد الحريري مش راجع"، و"نحن الشعب توحّدنا، كل هالطاقم ما بدنا"، في إشارة الى مطلبهم برحيل الطبقة السياسية مجتمعة.

كما شارك حشود كبيرة في مظاهرة على مدخل ساحة النجمة وسط بيروت، احتجاجًا على عنف الأمن في التعامل مع المظاهرات، وهتف المتظاهرون "سعد سعد سعد ما تحلم فيها بعد"، في إشارة إلى رفض عودة الحريري إلى المنصب، كما هتفوا: "ثورة"، و"بدنا نسقط المجلس بدنا الكل، بدنا نسقط الطائفية بدنا الكل".

وتجددت المواجهات في شارع يؤدي الى ساحة النجمة، حيث مقر البرلمان، بعد رمي المتظاهرين عبوات مياه ومفرقعات باتجاه قوات الأمن التي ردت بإطلاق قنابل مسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين.

وقالت قوى الأمن عبر "تويتر"، إنها استمرت بضبط النفس لمدة ساعة ونصف وهي تتعرض للاعتداء بالحجارة والمفرقعات النارية من قبل المندسين، مما أدى إلى سقوط جرحى في صفوفها، فأعطت الأوامر لعناصر مكافحة الشغب باستعمال القنابل المسيلة للدموع لإبعاد المعتدين.

ودعت قوى الأمن المتظاهرين السلميين إلى الابتعاد عن مكان المواجهات لسلامتهم، فيما دعت وزيرة الداخلية، ريا الحسن، المتظاهرين السلميين إلى ترك ساحات الاحتجاج فورًا، محذرة من مخطط ينفذه مندسون بين المتظاهرين. وأضافت الوزيرة، في تصريح إعلامي، أن السلطات لم تحدد بعد بدقة المنطقة، التي يأتي منها المندسون، ولا يمكن أن تتحرك قبل اكتمال التحقيقات.

ويعارض المتظاهرون، الذين يطالبون بحكومة اختصاصيين مستقلة عن الطبقة السياسية، إعادة تسمية رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري، الذي يبدو الأوفر حظًا، بعدما تعثّر التوافق على أسماء بديلة تم تداولها في الأسابيع الماضية.

ويحمل المتظاهرون الطبقة السياسية مسؤولية التدهور الاقتصادي الكبير وتراجع قيمة الليرة اللبنانية وخسارة الآلاف وظائفهم وجزءًا من رواتبهم خلال الأسابيع الأخيرة، مع عجزهم عن تشكيل حكومة إنقاذ.

ورغم الاحتجاجات غير المسبوقة ونداءات دولية للإسراع بتشكيل حكومة إنقاذ تحظى بثقة الشارع، تبدو السلطة السياسية بعيدة من تحقيق مطالب المتظاهرين، فيما تعاني البلاد من انهيار مالي واقتصادي يُهدد اللبنانيين في وظائفهم ولقمة عيشهم.

وتجمّع الآلاف تدريجيًا في ساحتي رياض الصلح والشهداء في وسط بيروت، وفي مناطق عدة أبرزها طرابلس شمالاً، وسط انتشار كثيف لقوات الأمن ومكافحة الشغب. وحملوا الأعلام اللبنانية ورددوا هتافات مناوئة للسلطة ومنددة بالقوة المفرطة التي استخدمتها قوات الأمن ليلاً.

وقالت الأستاذة الجامعية رنا بركة القادمة من مدينة طرابلس للتظاهر في بيروت، في حديث لـ"فرانس برس": "جئنا إلى بيروت لأننا حزنا جراء ما رأيناه أمس وشعرنا بأن من واجبنا دعم المتظاهرين السلميين الذين تعرضوا للضرب".

وتسببت الصدامات ليل السبت الأحد بإصابة أكثر من خمسين بجروح تمّ نقلهم إلى المستشفيات، بينما تمت معالجة أكثر من تسعين آخرين في وسط بيروت، وفق الصليب الأحمر اللبناني والدفاع المدني. وتنوّعت الإصابات بين مشاكل في التنفّس وحالات إغماء وإصابات جراء الرشق بالحجارة. وأعلنت قوى الأمن الداخلي من جهتها إصابة العشرات في صفوفها.

ورغم أن قوات الأمن والجيش سبق أن استخدمت القوة للتصدي للمتظاهرين، إلا أن حصيلة جرحى السبت هي الأعلى على الإطلاق.

وبعد ساعات من مطالبة وزيرة الداخلية في حكومة تصريف الأعمال، الحسن، قيادة قوى الأمن الداخلي بـ"إجراء تحقيق سريع وشفاف لتحديد المسؤولين" عما جرى ليلاً، جال المدير العام لقوى الأمن الداخلي، اللواء عماد عثمان، في وسط بيروت بين المتظاهرين، وقال للصحافيين "جئت أقف أمام العسكر حتى أنبّههم إلى أن الموجودين هنا هم أهلنا.. ولا نتعرض لهم بأي أسلوب عنفي".

وتوجّه للمتظاهرين الذين صافحه عدد منهم وعاتبه آخرون عما جرى "عليكم أن تحافظوا على سلميتكم، حتى نتمكن نحن رجال القانون من أن نقوم بواجباتنا" مضيفًا "المطلوب منا جميعًا أن نكون سلميين".

وبدت شوارع وسط بيروت ليلاً أشبه بساحة حرب، وشهدت كراً وفراً بين المتظاهرين وقوات الأمن استمر حتى ساعات الفجر الأولى، وبدأت المواجهات مع تصدي حرس البرلمان التابع لرئيس مجلس النواب نبيه بري، وقوات مكافحة الشغب لمتظاهرين، حاولوا اختراق حواجز موضوعة عند شارع يؤدي إلى ساحة تضم مقر البرلمان، بالضرب المبرح. وردّ المتظاهرون برشق عناصر الأمن بالحجارة وإطلاق هتافات معادية لها ولبري والحريري.

واستقدمت قوات مكافحة الشغب آلية لإطلاق قنابل مسيّلة للدموع، تساقطت كالمطر على المتظاهرين. وأطلقت الرصاص المطاطي لتفريقهم، وفق ما نقلته التقارير الصحافية وبثّته شاشات تلفزة محلية.

وتداول متظاهرون وناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة تظهر أشخاصًا مقنعين أو بلباس مدني وهم يضربون المتظاهرين بوحشية.

ونبهت وزيرة الداخلية في بيانها الأحد المتظاهرين "من وجود جهات تحاول استغلال احتجاجاتهم المحقة أو التصدي لها بهدف الوصول إلى صدام بينهم وعناصر القوى الأمنية (...) من أجل أهداف سياسية"، متحدّثة عن "دخول عناصر مندسة" في صفوفهم.

وندّدت الباحثة في منظمة العفو الدولية، ديالا حيدر، عبر تويتر بـ"استخدام قوات الأمن الليلة الماضية للقوة المفرطة" لتفريق المتظاهرين، معتبرة أن ظهور "رجال بلباس مدني، بعضهم ملثم انضموا إلى قوات الأمن في مهاجمة المتظاهرين بعنف واعتقال عدد منهم وسحب بعضهم عبر الشوارع، أمر مقلق للغاية".

وتحت ضغط الحراك الشعبي الذي بدا عابراً للطوائف والمناطق، قدّم الحريري استقالته في 29 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، من دون أن يُصار إلى تسمية رئيس جديد للحكومة، رغم مطالبة المتظاهرين ونداءات دولية بوجوب الإسراع في تشكيل حكومة تضع حدًا للتدهور الاقتصادي المتسارع.

ويجري الرئيس ميشال عون، صباح يوم غد، الإثنين، استشارات نيابية لتسمية رئيس الحكومة، بعد تأجيل لأسبوع جراء عدم تمكن القوى السياسية الرئيسية من التوافق على مرشحين عديدين تم تداول أسمائهم، آخرهم رجل الأعمال سمير الخطيب.

ويبدو الحريري المرشح الأوفر حظًا، خصوصًا بعد إعلان الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، أبرز خصومه سياسيًا، قبل يومين، أنه لا يعارض ترؤسه للحكومة المقبلة أو من يسميه، على أن يشكل حكومة لا تقصي أي فريق سياسي رئيسي، في حين يقول المتظاهرون إنهم يريدون حكومة مستقلة عن الطبقة السياسية.

التعليقات