الإغلاق في الدول الفقيرة لمكافحة كورونا قد يزيد الوفيات بدل تقليلها

في حين أن أثر سياسة الإغلاق وفرض التباعد الاجتماعي على السكان في الدول الغنية لاحتواء كورونا، ربما يكون فعّالا في تقليل عدد الوفيات فيها، إلا أنه قد يزيدها في الدول الفقيرة، ولأسباب تتعدى كورونا

الإغلاق في الدول الفقيرة لمكافحة كورونا قد يزيد الوفيات بدل تقليلها

(أ ب)

تخوض معظم دول العالم الصراع ذاته ضد فيروس كورونا بأساليب واستراتيجيات تتشابه في ما بينها إلى حد كبير، مثل الحجر الصحي للمصابين، وعمليات الإغلاق الكبرى لغالبية مناحي الحياة العامة، والحفاظ على ما يُسمى بـ"التباعد الاجتماعي"، مما يثير التساؤلات حول التفاوتات في نجاعة هذه الإجراءات.

واعتبرت مجل "فورين بوليسي" في تقرير مطول نشرته مؤخرا، أنه في حين أن مثل هذه التدخلات الحكومية قد تكون حاسمة في الدولة الغنية لإبطاء الفيروس ومنع أنظمة الصحة لديها من الانهيار نتيجة ضغط المرض، إلا أنها قد تكون مضرة للبلدان الفقيرة التي لن تتحمل على الأرجح تكلفة هذه الإجراءات من الناحية الاقتصادية ولا الصحية.

وأعد التقرير أستاذ الاقتصاد من جامعة ييل، أحمد مشفيق مبارك، والباحث في زاكري بارنت هاول.

(أ ب)

ورأى الباحثان أن أثر مثل هذه السياسات على البلدان الفقيرة يختلف كليا عن أثرها على البلدان الغنية، لعدّة أسباب بما فيها التكوين الديموغرافي ومصادر رزق الناس، والقدرة المؤسساتية.

وأشارا في التقرير الذي أعداه إلى أن فرض الإغلاق الصارم في الدول الفقيرة التي عادة ما تعتاش شرائح واسعة من سكانها على العمل في المياومة التي تقتصر على جلب لهم قوت يومهم، قد يؤدي إلى أعداد هائلة من الوفيات من جرّاء الحرمان والأمراض والجوع.

(أ ب)

وأوضح الباحثان منطقهما بناء على عدّة عوامل، منها أن العلماء يعرفون اليوم أن أثر الفيروس غالبا ما يكون أقل وطأة على الشرائح الشابة من المجتمع، في مقابل كونه خطير بشكل خاص على كبار السن، أي من تتجاوز أعمارهم 65 عاما. وبحسب البنك الدولي، فإن الشرائح الشابة واسعة جدا في الدول الفقيرة مقارنة بنظيرتها الغنية، كما أنها تحتوي على نسب أقل من كبار السن من الأخيرة.

وعلى سبيل المثال، ووفقا لما ذُكر أعلاه، فبناء على نموذج توقع لأثر جائحة كورونا، أعده فريق بحث من كلية لندن الإمبراطورية للعلوم والتكنولوجيا والطب، فإنه من المتوقع أن يتسبب كوفيد-19 بوفاة 0.39 بالمئة من سكان بنغلاديش، و0.21 بالمئة من سكان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وهو عد أقل من نصف معدل الوفيات المقدرة في الولايات المتحدة والدول الأخرى في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من المرض، والبالغ 0.8 في المئة.

ويفسر هذا النموذج التركيبة السكانية الخاصة بكل دولة، والاختلافات في قدرة تقديم الرعاية الصحية، ومعدلات الإصابة، كما أنه يوضح ارتفاع معدل الوفيات في البلدان الغنية عن نظيرتها الفقيرة على الرغم من الجودة الرديئة نسبيا للأنظمة الصحية في الدول الفقيرة. ومع ذلك، لا يراعي النموذج زيادة انتشار الأمراض المزمنة وحالات الجهاز التنفسي، والتلوث، وسوء التغذية في البلدان منخفضة الدخل، والذي قد يزيد من معدلات الوفيات في حالة تفشي كوفيد-19.

(أ ب)

وقال الباحثان: "لحساب الفوائد المقارنة لفرض المبادئ التوجيهية للتباعد الاجتماعي في البلدان الغنية مقابل البلدان الفقيرة، قمنا بدمج هذه التقديرات لمعدلات الوفيات في كل دولة مع التنبؤات الوبائية للوفيات من انتشار الفيروس، لإنشاء تقديرات لمجموعة من الدول. وفي البحث الذي يخضع حاليًا لمراجعة النظراء، وجدنا اختلافات كبيرة في قيمة التباعد الاجتماعي عبر البلدان".

الفائدة مقابل الضرر

أشار توقع الباحثين إلى أنه في حال اتباع سياسة تباعد اجتماعي بذات القدر من الفاعلية في جميع الدول، فإن العدد المقدر الذي ستقلله من مجمل الوفيات المرتبطة بفيروس كورونا في الولايات المتحدة يبلغ 1.3 مليون شخص، و426 ألف شخص في ألمانيا. في حين أن مثل هذه السياسة ستنجي 182 ألف شخص في باكستان، و102 ألف في نيجيريا. ولكن، يبقى السؤال هو كم من الأرواح قد تهدد سياسة الإغلاق في هذين البلدين الفقيرين.

وأوضح الباحثان أنه في حين أن سياسة التباعد الاجتماعي ستفيد في الدول الغنية، وربما يطالب بها معظم السكان أيضا، إلا أن الأمر يختلف تماما في الدول الفقيرة التي سيعني الإغلاق للملايين من مواطنيها، الجوع والفقر والمرض. بل وأشار الباحثان إلى أن الفقراء يولون أهمية أكبر لقلقهم المعيشي المرتبط بالدخل، مقارنة بالفيروس.

(أ ب)

وادعى الباحثان أن العامل في الدول الفقيرة، يعملون عادة في القطاعات غير الرسمية، ويعتمدون على الأجور اليومية، ويفتقرون لأي شبكة ضمان اجتماعي، الأمر الذي سيعود عليهم بتكلفة مدمرة في حال تلقت بلدانهم ضربات اقتصادية هائلة نتيجة عمليات الإغلاق. وقد يؤدي ذلك إلى الجوع وسوء التغذية ومشاكل صحية أخرى غير متعلقة بفيروس كورونا، والوفاة أيضا.

وقال الباحثان إن "تسطيح المنحنى الوبائي لفيروس كورونا من أجل كسب الوقت إلا أن يتم تطوير لقاح له، قد يعود بنتائج عكسية على البلدان الأكثر فقرا، إذا ما زاد من أسباب الوفاة الأخرى. واستنادا إلى بيانات من منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، وجدنا أن ما بين 16 بالمئة و37 بالمئة من الأسر في البلدان منخفضة الدخل يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وهؤلاء أشخاص يعانون من الجوع بالفعل، ويواجهون خطر ازدياد ظروفهم الصعبة إذا ما فُرضت تدابير الإبعاد الاجتماعي".

(أ ب)

كما أن الدول الفقيرة تملك قدرة محدودة للغاية في فرض توجيهات التباعد الاجتماعي على الناس، وتحسين المشاكل التي تسببها هذه السياسات.

ونوه الباحثان إلى أنه من الأجدر أن تتبع حكومات الدول الفقيرة، سياسات مختلفة للحد من الوفيات من المرض، كعزل المسنين والفئات الأكثر عرضة لخطر الوفاة من جراء كورونا، عن المجتمع (عبر النصيحة)، وحظر التجمعات الكبيرة، ونشر الأقنعة الوقائية المصنوعة محليا، في أماكن العمال، مع السماح للشرائح الأقل عرضة لمضاعفات المرض بمواصلة عملهم، وتحسين منالية المياه النظيفة والصرف الصحي، وغسل الأيدي وغيرها من الإجراءات الوقائية.

التعليقات