رئيسي رئيسا كمنصة لمنصب أعلى.. كيف سيؤثر انتخابه على السياسات الإيرانية؟

على الرغم من أن انتخابه كان متوقعا، غير أن الدوائر الدبلوماسية في خارجيات دول العالم ومراكز الأبحاث الاجتماعية والجيوسياسية عكفت على دراسة فوز إبراهيم رئيسي في انتخابات الرئاسة الإيرانية، ومستقبل سياسة طهران الخارجية والداخلية على ضوء انتماء رئيسي للتيار المحافظ.

رئيسي رئيسا كمنصة لمنصب أعلى.. كيف سيؤثر انتخابه على السياسات الإيرانية؟

إبراهيم رئيسي (أ ب)

على الرغم من أن انتخابه كان متوقعا، غير أن الدوائر الدبلوماسية في خارجيات العالم ومراكز الأبحاث الاجتماعية والجيوسياسية عكفت على دراسة فوز إبراهيم رئيسي في انتخابات الرئاسة الإيرانية، وتأثير ذلك على مستقبل سياسة طهران الخارجية والداخلية على ضوء انتماء رئيسي للتيار المحافظ المتشدد.

وعند التدقيق في المراحل والممارسات القانونية المطبقة في إيران، نرى أن الآليات المتبعة بخصوص انتخابات الرئاسة أو البرلمان يمكن أن تعطي إشارات مهمة بشأن النتائج النهائية، بل حتى تتيح توقع النتائج.

وبعبارة أبسط، يمكن القول إن موقف مجلس صيانة الدستور في إيران - المؤلف من 12 عضوا من رجال الدين والقانون - في تحديد المرشحين للانتخابات، يؤثر على نسبة المشاركة فيها إلى حد كبير، وهو ما يتيح توقع النتائج ولو بنسبة ضئيلة.

ويمكن أن يؤدي موقف مجلس صيانة الدستور إلى زيادة نسبة المشاركة في الانتخابات كما حدث في رئاسيات 2009، أو إلى انخفاضها كثيرا كما رأينا في الانتخابات الأخيرة التي جرت في 18 حزيران/ يونيو الماضي.

ويعد رفض المجلس ترشح كل من علي لاريجاني الذي تولى رئاسة البرلمان لعدة سنوات، والرئيس السابق، محمود أحمدي نجاد، الذي يحظى بشعبية كبيرة في الضواحي والمناطق الريفية بسياساته وخطاباته الشعبوية، ومصطفى تاجزادة أبرز منظري الأوساط الإصلاحية، من أهم المؤشرات بخصوص الانتخابات قبل انطلاقها.

مركز اقتراع في طهران (أ ب)

وكان رفض ترشح لاريجاني بصفة خاصة، واستهداف بعض أفراد عائلته خلال تلك المرحلة رغم توليه العديد من الوظائف المهمة بالسلك البيروقراطي بالدولة لسنوات طويلة، وانحداره من عائلة عريقة تشتهر بالعلماء، مؤشرا مهما من ناحية إظهار المنافسة الدائرة بين مراكز القوى في النظام الإيراني.

ولعل ما يؤيد هذا الوضع هو الادعاءات حول انقسام آراء أعضاء مجلس صيانة الدستور حول ترشح لاريجاني، ومن ثم رفضه بفارق صوت واحد.

وبدا حتى قبل انطلاق الاستحقاق الرئيسي الأخير في إيران أن هذا الوضع لا يتعلق فقط بالانتخابات الرئاسية، بل يقدم أيضا إيضاحات بخصوص المرحلة الجديدة التي وصفها المرشد الأعلى في إيران، علي خامنئي، والأسماء المقربة منه بأنها "المرحلة الثانية للثورة"؛ ولعل انتخاب رئيسي رئيسا، عنوان هذه المرحلة الجديدة.

ووفقا لهذا فإن إبراهيم رئيسي، بسنه الصغيرة مقارنة بخامنئي، وارتباطه بمبادئ الثورة يُرى في أوساط واسعة مناسبا لمنصب المرشد الأعلى بدلاً من خامنئي الذي تقدم في العمر. ويحمل انتخابه رئيسا أهمية خاصة كي يتمكن من اكتساب خبرة سياسية وإدارية.

وكما ألمح مسؤول الشؤون الخاصة في مكتب خامنئي، وحيد حقانيان، فإن المرشحين المحتملين الذين يمكن أن يسببوا مشاكل في المستقبل قد تم استبعادهم بطريقة غاية في الدقة.

وجرت الانتخابات كما كان متوقعا، وبلغت نسبة المشاركة العامة 48.8%، بينما لم تتجاوز 26% في العاصمة طهران. وحصل رئيسي على 60% من الأصوات الصحيحة بواقع 18 مليون صوت تقريبا، ليصبح الرئيس الجديد لإيران.

وبلغ عدد الأصوات الباطلة حوالي أربعة ملايين، بينما لم يحصل رئيس البنك المركزي، الأمل الأخير للإصلاحيين، عبد الناصر همتي، إلا على 2.5 مليون صوت، حلّ بعد المرشح الدائم في كل الانتخابات محسن رضائي.

التأثيرات على السياسة الداخلية

أدرك النظام الداخلي أن منع ترشح المحافظين لن يكون كافيا وحده، وأنه يجب التحرك لقطع الطريق أمام أي تحالف يمكن أن يقيموه مع اليمين المعتدل، لمنع تكرر نموذج الرئيس السابق، حسن روحاني.

وكان انتهاء ولاية روحاني بطريقة سيئة عاملا مؤثرا في تلك المرحلة، فقد بدأ فترته مكتسبا شعبية كبيرة وبعد توقيعه الاتفاق النووي مع القوى الدولية بقيادة الولايات المتحدة، بدأ باستخدام لغة مختلفة في السياسة الداخلية والخارجية.

في تلك المرحلة، ظن روحاني أن قوته ازدادت لدرجة استخدام عبارات مضادة لخامنئي بالسياسة الداخلية، وعبارات مناهضة للصين فيما يخص السياسة الخارجية. إلا أنه بدأ يضعف مع وصول الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، للسلطة عام 2016، وانسحابه من الاتفاق وفرضه عقوبات قاسية على إيران.

وتقلص الاقتصاد الإيراني بنسبة 20% خلال عامين، وتعرضت البلاد لأزمة كبيرة بسبب جائحة كورونا، ما جعل روحاني "الرئيس الأسوأ في تاريخ البلاد"، كما يصفه معارضوه.

وأثر هذا الوضع الاقتصادي وعدم تحقيق أي نمو خلال السنوات العشر الماضية، على المناظرات بين المرشحين قبيل الانتخابات، واتهم رئيسي والمرشحون الداعمون له الفريق الذي أطلقوا عليه "الليبراليين المؤيدين للغرب"، والذي يضم أيضا همتي، بأنهم تسببوا في انهيار اقتصاد البلاد.

أنصار الرئيس الإيراني الجديد (أ ب)

وتسببت نسبة المشاركة المنخفضة في الانتخابات في جرح عميق لمزاعم النظام الداخلي القائلة إن الإدارة في إيران "شعبية وإن لم تكن ديمقراطية".

وأعاد المعارضون تداول مقطع فيديو لخطبة لخامنئي قبل عدة سنوات، يقول فيها إن نسبة المشاركة بالانتخابات في بعض الدول لا تزيد على 30 أو 40% رغم كل الحملات الدعائية فيها، واصفًا ذلك بأنه مدعاة للخجل لتلك الإدارات وأن مثل هذه الأنظمة ليس لها شرعية.

تدرك الإدارة الإيرانية ضرورة سد الفجوة الكبيرة التي حدثت بالنظام الثنائي الذي تمت إدارته بنجاح حتى الآن. ولعل الدور الأهم في تلك المهمة يقع على عاتق الرئيس الجديد، وإلا فسيتسبب ذلك في حالة من اليأس لدى أوساط الإصلاحيين وسيؤدي إلى تغيرات في بنية المعارضة بالخارج.

وفي ضوء هذا المشهد، سيسعى رئيسي إلى إظهار أنه رئيس لكل البلاد وليس فقط لـ28% الذين صوتوا له، وسيتخذ الخطوات اللازمة لذلك. ولتحقيق ذلك يمكنه إتاحة المجال ولو رمزيا أمام بعض رموز اليمين المعتدل. بالإضافة إلى ذلك يمكن أن يواجه رئيسي انتقادات قوية على المدى المتوسط حال تأجيله مطالب "المحافظين الجدد".

تداول الرئاسة، روحاني ورئيسي (أ ب)

وسيكون الاقتصاد من أهم التحديات التي ستواجه الرئيس الجديد. وسيظهر الوقت كيف سيحقق رئيسي مفهوم "اقتصاد المقاومة" الذي طالما ردده هو والمقربون منه، كما سيظهر هل سيلبي دعم الإنتاج وقطاع الإنشاءات، تطلعات الشعب؟ أم أن ذلك لا يتعدى الشعارات أطقها سهيا لوصوله إلى منصبه الجديد

وإن لم يتمكن رئيسي من تحقيق تحسن واضح خلال فترة قصيرة، فإن ذلك لن يؤثر أكثر على شعبيته المجتمعية الضعيفة فحسب، بل على خططه بخصوص ما بعد خامنئي. وبناء عليه يمكن القول إن السنة أو السنتين القادمتين ستكون حساسة جدًا بالنسبة للرئيس الجديد.

رئيسي والسياسة الخارجية

لا يعرف بالضبط وجهات نظر رئيسي بخصوص السياسة الخارجية كونه أمضى حياته العملية بكاملها في سلك القضاء. وخلال المناقشات قبيل الانتخابات كان يؤكد أنه سيولي أهمية للعلاقات مع دول الجوار بدلاً من العلاقات مع القوى العظمى.

ومن غير الواضح كيف سيسعى رئيسي لتحقق ذلك. وستكون علاقات إيران في الفترة الجديدة مع أفغانستان والعراق وحتى مع تركيا مرتبطة بنسبة كبيرة بالسياسات التي سينتهجها رئيسي أمام الولايات المتحدة.

ظريف يقود المباحثات مع الاتحاد الأوروبي (أ ب)

وعلى الأرجح فإن الرئيس الإيراني الجديد لن يعارض العودة إلى الاتفاق النووي. ويُفهم من تصريحات وزير الخارجية محمد جواد ظريف، في منتدى أنطاليا الدبلوماسي، أن مباحثات فيينا حول الاتفاق النووي قد وصلت إلى مراحلها الأخيرة.

والخطوط الرئيسية للسياسة الخارجية في إيران لا تُحدد من قبل الرئيس المنتخب. ومع رئاسة رئيسي المستهدف من قبل منظمة العفو الدولية لدوره في حادثة الإعدامات الجماعية عام 1988، والموجود بقائمة عقوبات الولايات المتحدة، لن تكون إيران الدولة التي تجاوزت مشاكلها مع الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة، واندمجت مع النظام العالمي كما كان يأمل الإصلاحيون.

التعليقات