واشنطن وباريس... أزمة مفتوحة

ألغت السلطات الفرنسية حفل استقبال كان مقررا الجمعة، في واشنطن، بعد فسخ عقد تزويد غواصات فرنسية لأستراليا، ما أدّى إلى أزمة بين باريس وواشنطن.

واشنطن وباريس... أزمة مفتوحة

الرئيسان الفرنسيّ والأميركيّ يتوسّطان الصورة (أ ب)

ألغت السلطات الفرنسية حفل استقبال كان مقررا الجمعة، في واشنطن، بعد فسخ عقد تزويد غواصات فرنسية لأستراليا، ما أدّى إلى أزمة بين باريس وواشنطن.

وكان حفل الاستقبال سيقام في مقر إقامة السفير الفرنسي في واشنطن بمناسبة ذكرى معركة بحرية حاسمة في حرب الاستقلال الأميركية، توجت بانتصار الأسطول الفرنسي على الأسطول البريطاني في 5 أيلول/ سبتمبر 1781.

إلا أن العلاقات بين فرنسا والولايات المتحدة، دخلت في أزمة مفتوحة الخميس، بعد إلغاء أستراليا صفقة شراء غواصات فرنسية، واستبدالها بأخرى أميركية عاملة بالدفع النووي، ما دفع باريس إلى وصف الأمر بأنه "طعنة في الظهر" وقرار "على طريقة (الرئيس الأميركي السابق، دونالد) ترامب".

ومساء الأربعاء، أعلن الرئيس الأميركي، جو بايدن، إطلاق شراكة إستراتيجية مع المملكة المتحدة وأستراليا، تتضمن تزويد كانبيرا غواصات أميركية تعمل بالدفع النووي، ما أخرج عمليا الفرنسيين من اللعبة.

خلال إعلان بايدن عن الشراكة الإستراتيجية الجديدة (أ ب)

وقال وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان إن "هذا القرار الأحادي، والمباغت يشبه كثيرا ما كان يفعله ترامب". ولم يخف الوزير الفرنسي "غضبه" و"استياءه" إزاء ما حصل.

وتابع لودريان: "لا تجري الأمور على هذا النحو بين الحلفاء"، وهو كان قد شارك في المفاوضات التي أفضت إلى "صفقة العصر" حينما كان وزيرا للدفاع في العام 2016، منددا بسياسة الأمر الواقع الأميركية، وتاليا الأسترالية، في ظل غياب أي تشاور مسبق.

وفي إطار التحالف الجديد مع واشنطن ولندن، أعلن رئيس الوزراء الأسترالي، سكوت موريسون، الخميس، فسخ أستراليا عقدا ضخما بقيمة 90 مليار دولار أسترالي (56 مليار يورو)، أبرمته مع فرنسا في 2016 لشراء غواصات تقليدية.

لكن أبعد من الخلاف الفرنسي-الأسترالي حول إلغاء صفقة الغواصات، أدى هذا القرار إلى توتر العلاقات بين فرنسا والولايات المتحدة، في حين كان يُعتقد أن بايدن يسعى إلى تعزيز العلاقات بين ضفتي المحيط الأطلسي، بعدما سادها الاضطراب طوال أربع سنوات في عهد ترامب.

وقالت خبيرة شؤون السياسة الخارجية الأميركية في جامعة السوروبون في باريس، آن سيزال: "من المؤكد أن هناك أزمة دبلوماسية صغيرة على الطاولة".

وتابعت: "توجّه الولايات المتحدة (يدلّ على) مؤشرات متناقضة بعض الشيء إذ تطالب حلفاءها الأوروبيين بتعزيز حضورهم (العسكري) في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وفي الوقت نفسه تضع نفسها في موقع أوائل المنافسين لصفقات بيع الغواصات الفرنسية".

وتعهّد بايدن مواصلة "العمل بشكل وثيق مع فرنسا" التي وصفها بأنها "حليف أساسي" في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، إلا أن هذه التصريحات لم تخفف من الاستياء الفرنسي.

بلينكين ووزيرة الخارجية الأسترالية، الخميس (أ ب)

والخميس، قال وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إن فرنسا "شريك حيوي" للولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

وأكّد بلينكن "عدم وجود انقسام إقليمي بين مصالح شركائنا على ضفتي الأطلسي والهادئ"، وشدد على أن "الشراكة مع أستراليا والمملكة المتحدة تبرهن أننا نريد العمل مع شركائنا، ولا سيما في أوروبا، لضمان أن تكون منطقة المحيطين الهندي والهادئ حرة ومفتوحة".

من جهته، قال وزير الدفاع الأسترالي، بيتر داتن، إن أستراليا قررت التخلي عن الصفقة مع فرنسا لأن الغواصات الأميركية تناسب بلاده اكثر.

وأضاف: "نحن بحاجة إلى غواصة بدفع نووي وقد درسنا خياراتنا. وتبين لنا أن الفرنسيين لديهم نموذج لا يتفوق على ذلك المستخدم من قبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. وفي نهاية المطاف استند قرارنا إلى مصلحة أمننا القومي".

وقال الأميركيون إنهم تواصلوا مع الفرنسيين قبل إعلان الرئيس الأميركي التحالف الجديد، لكن باريس نفت أن تكون قد أبلغت صراحة بشكل مسبق بهذه الخطوة. ولطالما كانت باريس متوجّسة من مواصلة بايدن نهج سلفه على صعيد الأولوية الإستراتيجية وخصوصا منافسة الصين، وإن اختلف الأداء شكلا.

لكن قضية التحالف الإستراتيجي مع أستراليا الذي يرمي إلى التصدي لمطامع الصين، تجسّد عمليا أسلوبا أحاديا في العمل وفي اتّخاذ القرارات من جانب بايدن، لا سيّما بعد الانسحاب من أفغانستان.

رئيس الوزراء الأسترالي (أ ب)

ونقلت وكالة "فرانس برس" للأنباء عن مصدر فرنسي قالت إنه مطلع على الملف، القول، إن الأوروبيين تكوّنت لديهم فكرة "واضحة بالقدر الكافي" عن نظرة واشنطن لحلفائها.

وقال مدير المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، توما غومار للوكالة، إن "هذا الأمر يؤكد أن الولايات المتحدة تتوقع من حلفائها أن ينصاعوا، ولا تعتمد نهجا تشاوريا".

وتابع غومار: "إن العلاقات مع إدارة بايدن بالغة الصعوبة لمجرّد أن هذه الإدارة التي ينصبّ تركيزها على الصين، تريد تأكيد محوريتها".

ومن خلال إعلان التحالف الجديد، سعى بايدن إلى صرف الاهتمام بأسرع ما يمكن عن الانسحاب الفوضوي من أفغانستان، سعيا لإثبات قوة مكانة الولايات المتحدة.

واعتبرت سيزال أن هذه الضربة للطموحات الفرنسية، تعكس أيضا "تنافسا على الريادة" بين الولايات المتحدة وبين الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون الذي يطرح نفسه "رائد الدفاع عن أوروبا".

وأشارت إلى أن السنوات الأربع من عهد ترامب وعلى الرغم من صعوبتها على صعيد العلاقات بين ضفتي الأطلسي، أوجدت فرصة للقيادة الفرنسية، والفرنسية- الألمانية".

"عهد ترامب أوجد فرصة لقيادة فرنسية- ألمانية" (أ ب)

وسيواصل ماكرون الدفع باتّجاه تعزيز القدرات الدفاعية والاستقلالية الإستراتيجية لأوروبا، خصوصا على الصعيد الصناعي، خلال رئاسة فرنسا الدورية للاتحاد الأوروبي في الربع الأول من العام 2022. وستخصص قمة للبحث في هذا التوجّه.

وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لايين، إن "الوقت قد حان لكي يسرّع الاتحاد الأوروبي" الوتيرة، من أجل "الدفاع عن نفسه في مواجهة الهجمات الإلكترونية، والتحرّك حيث لا وجود لحلف شمال الأطلسي والأمم المتحدة ومعالجة الأزمات في الوقت المناسب".

التعليقات